الحركة الديمقراطية المصرية وكارثة المعايير المزدوجة

وما لم تتخلص الحركة الديمقراطية المصرية من معاييرها المزدوجة، داخليا وخارجيا، سنظل دوما أسرى لمصداقية أخلاقية وإنسانية غير مستقرة ولفاعلية مجتمعية وسياسية محدودة ومهددة باستمرار.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/30 الساعة 02:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/30 الساعة 02:13 بتوقيت غرينتش

ترتكب جرائم طائفية وجرائم كراهية ضد أسر قبطية في صعيد مصر (محافظة المنيا)، فيصمت بعض من يدعون الدفاع عن المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات ويتجاهلون الاضطلاع بمهام الإدانة الأخلاقية (للعنف) والفكرية (للطائفية والتطرف) والتحذير من التداعيات الاجتماعية والسياسية (للممارسات التمييزية والجرائم الطائفية).

يصمتون، وكأن مواطنة المساواة الكاملة ليست ركيزة أساسية للتنظيم الديمقراطي المنشود الذي يفقد كل معنى ومضمون حال التمييز بين المواطنات والمواطنين إن على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق أو على أسس أخرى.

يتجاهلون، وكأن حرية الاعتقاد ليست حقا أصيلا من حقوق الإنسان لا يقبل المساومة أو المساحات الرمادية شأن حرية الاعتقاد هنا شأن الجهر بالانتماء لهوية دينية والممارسة العلنية للتعاليم والطقوس الدينية دون تهديد بعقاب وضمان أمن الأقليات الدينية وتجريم التمييز (الممنهج والعشوائي) والمساءلة القانونية الناجزة والمنضبطة للمتورطين فيه.

يصمتون ويتجاهلون، وكأن المبادئ الديمقراطية التي تدفعهم محقة إلى إدانة المظالم والانتهاكات الواسعة التي ترتكبها السلطوية الحاكمة في مصر تستطيع أن تحتفظ أخلاقيا وإنسانيا ومجتمعيا وسياسيا بصدقيتها حال ترك الجرائم الطائفية وجرائم الكراهية دون إدانة صريحة. أو، وكأن مضامين المعارضة المنظمة لسطوة المقولات الفاشية التي تبرر المظالم والانتهاكات بنزع كل قيمة إنسانية عن رافضي السلطوية وكذلك مضامين معارضة إلغاء التعددية في الفضاء العام وقصره على حشود مؤيدي الحكم يمكنها أن تنجو من مقصلة التهافت الأخلاقي والتسفيه المجتمعي حال الامتناع عن معارضة المظالم والانتهاكات التي يرتكبها أفراد ضد آخرين وعن تفكيك المقولات ذات الطبيعة الفاشية أيضا التي توظف في تبرير الجرائم الطائفية.

وفي سياق مجتمعي آخر غير بعيد عنا في مصر، تنتهك تفجيرات داعش الإرهابية في طرطوس وجبلة السوريتين الحق المقدس في الحياة وتسقط مئات الضحايا وتواصل فرض خرائط الدماء والدمار شأنها شأن الديكتاتور الذي لا يتوقف عن توظيف أجهزته العسكرية والأمنية لإلحاق جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية بالشعب الذي يتسلط عليه. تأتي تفجيرات داعش الإرهابية بعد جرائم القتل الجماعي التي ارتكبتها أجهزة الأسد في حلب، غير أن سطوة الصمت العام في مصر بشأن المقتلة في طرطوس وجبلة تتناقض على نحو صادم مع الإدانة الساحقة للمقتلة في حلب، وتجعل من ثم شبهات التعامل المسيس والمذهبي مع المظالم والانتهاكات عصية على الاستبعاد.

وفي سياق مجتمعي ثالث غير بعيد أيضا عنا في مصر، يتكالب على انتهاك حقوق الإنسان والحريات في العراق خليط من أجهزة ومؤسسات الدولة التي أخضعتها الطائفة المهيمنة (الشيعة) لسيطرتها، ومجموعات عنف غير رسمية تتورط باسم مواجهة الإرهاب في جرائم مفزعة ضد سكان المناطق غير الخاضعة للطائفة المهيمنة، وعصابات إرهاب كداعش وغيرها تجعل من المذهبية الزائفة (في الخطاب المتطرف، الانتصار لأهل السنة في مواجهة الشيعة الروافض) أداتها للتبرير الفاسد لجرائمها الوحشية. كافة هذه الأطراف الإجرامية تنتهك اليوم حق الناس المقدس في الحياة في مدينة الفلوجة، وتسقط ضحايا لا تتوقف قوائم أسمائهم عن الاستطالة. وفي حين تتراكم جرائم الطائفيين والإرهابيين المدفوعين بمذهبيات مقيتة وتغيب بينها الفروق الجوهرية أو النوعية، يخرج بعض من يزعمون الانتماء إلى الحركة الديمقراطية في مصر ويعلنون الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات في مصر وعموم بلاد العرب بمقولات ساقطة أخلاقيا وإنسانيا ومجتمعيا تبرر للجرائم التي يرتكبها طرف من الأطراف بينما تدين الجرائم المماثلة للأطراف الأخرى.

لدى البعض تعمل أجهزة ومؤسسات الدولة العراقية ومعها ميليشيات الحشد الشعبي على إنقاذ الفلوجة من قبضة داعش الوحشية والمتطرفة، ولدى البعض الآخر تواجه الفلوجة التطرف الشيعي الذي تحمله إليها أجهزة ومؤسسات وميليشيات طائفية ومذهبية. أما الإدانة القاطعة دون معايير مزدوجة لمجرمين تتنوع يافطاتهم ويتماهون في انتهاك الحقوق والحريات، وتلك الإدانة الوحيدة للإبقاء للمبادئ الديمقراطية على معانيها ومضامينها المرتبطة بالعدل والمساواة ووحدة المعايير، فتغيب إلى حد مؤلم.

في السياقين السوري والعراقي، كما في سياق الجرائم الطائفية وجرائم الكراهية المرتكبة مؤخرا في الصعيد، تنزع ازدواجية معايير التي تسيطر على مقولات الحركة الديمقراطية في مصر الكثير من مصداقية المبادئ المدافع عنها وتورث الناس شكوكا تهدد القليل المتبقي من الفاعلية المجتمعية والسياسية لحديث حقوق الإنسان والحريات.

في كافة هذه السياقات يتكرر في 2016 تورط بعض المنتمين للحركة الديمقراطية المصرية في إنكار مظالم وانتهاكات صريحة، في الصمت عن إظهار التناقضات الجوهرية بين حقوق الإنسان والحريات المستندة إلى قاعدة المساواة الكاملة وبين الجرائم الطائفية والمذهبية وجرائم الكراهية، في تجاهل الإدانة القاطعة للإبادة والقتل والعنف والظلم دون معايير تسيس أو تقودها الاعتبارات التمييزية. يتكرر ذات التورط في المعايير المزدوجة الذي يحضر منذ 2013 بشأن التعاطي مع الانتهاكات التي تطول "من نختلف معهم فكريا وسياسيا"، من الإخوان واليمين الديني إلى حركة 6 ابريل وحركة الاشتراكيين الثوريين، ومن الكتاب والصحفيين المتمسكين بحرية التعبير عن الرأي إلى أعضاء فريق "أطفال شوارع" المتمسكين أيضا بحرية التعبير؛ ذات التورط الذي يرتب تارة الإنكار وتارة الصمت والتجاهل ويواجه الضحايا بسياج من العزلة المؤلمة.

وما لم تتخلص الحركة الديمقراطية المصرية من معاييرها المزدوجة، داخليا وخارجيا، سنظل دوما أسرى لمصداقية أخلاقية وإنسانية غير مستقرة ولفاعلية مجتمعية وسياسية محدودة ومهددة باستمرار.

هذه التدوينة نشرت في جريدة الشروق المصرية للاطلاع على النسخة الأصلية اضغط هنا

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد