قرار دولة الكويت المشهورة بالتأني في سياساتها الخارجية الذي صدر في 20 يوليو/تموز 2017، بطرد 15 دبلوماسياً ايرانياً من البلاد وإغلاق البعثات العسكرية والثقافية والتجارية الإيرانية يبدو أنه لا يرتبط فقط بالأزمة بينها وبين طهران، لكن الأمر قد يتعلق أكثر بالسياسات السعودية في المنطقة التي يدفع ثمنها الحلفاء الصغار للمملكة.
تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني لفت إلى أن القضية التي استندت إليها الكويت لاتخاذ هذه الإجراءات ضد إيران تعود لعام 2015، ملمحاً إلى أن التصرف الكويتي جاء نتيجة استجابة لضغوط سعودية جاءت في إطار سياسات عُنيدة تبحث عن أي إنجاز ضد خصومها بعد فشل الحصار على قطر.
وقال التقرير إن قضية "خلية العبدلي" كما أطلق عليها ، تعود إلى أغسطس/آب 2015، عندما اكتشفت قوات الأمن الكويتية مخبأ أسلحة ومعدات تجسّس مدفونة في مزارع العبدلي بالقرب من الحدود العراقية.
واتهم المسؤولون 24 مشتبهاً بهم، بمن فيهم الهاربون، بتهمة "التجسس لصالح ايران وحزب الله لتنفيذ أعمال عدوانية ضد دولة الكويت".
وفي 18 يونيو/حزيران 2017، أي بعد ذلك بعامين تقريباً، خففت محكمة الاستئناف الكويتية بعض أحكام المدانين وأيدت بعض الأحكام الأخرى المتعلقة بالقضية.
مع أخذ هذه الخلفية في الاعتبار، يقول التقرير "إنه من المحير تماماً إعادة فتح الملف مرة أخرى بعد عامين من وقوعه وبعد أكثر من شهر من الحكم النهائي، وبالتالي لا يمكن فهم الأمر دون التطرق إلى التنافس السعودي الإيراني والجهود المستمرة التي تقودها السعودية لمعاقبة الدوحة على علاقاتها الوثيقة نسبياً مع طهران.
ما الهدف من القرار؟
كما أشار مهرداد فرحماند، وهو مراسل في هيئة الإذاعة البريطانية وخبير بالشؤون العربية، فإن القرار الكويتي بتخفيض العلاقات مع إيران جاء بعد يوم واحد فقط من سحب المطالب الثلاثة عشر لكتلة المقاطعة التي تقودها السعودية والتي دعت قطر إلى الالتزام بها من أجل إنهاء الحصار الجماعي واستعادة العلاقات الطبيعية مع الدوحة.
ويبدو أن الفشل الذي حاق بالحملة العقابية نتيجة للمقاومة القطرية قد فرض ضغوطاً هائلة على السعودية وأساء إلى صورتها في الشارع العربي.
فقد حدثت نتائج عكسية للإجراء الجماعي قطر، ما تسبب في حدوث خلل لم يسبق له مثيل في مجلس التعاون الخليجي، بل والأسوأ من ذلك، زاد من تقارب طهران والدوحة.
فبعد أن كان السعوديون يسعون جاهدين إلى إعادة تأكيد قيادتهم للعالم العربي في مواجهة عودة إيران وإظهار أنفسهم كقوة لا غنى عنها للحفاظ على الوحدة العربية، بدأوا (السعوديون) في التراجع تماماً نحو النقيض، بمعنى أنهم أصبحوا "القوة المفرّقة" للعالم الإسلامي.
الكويت تدفع الثمن
كان هناك شيء يجب القيام به، وكانت الكويت، وهي دولة مجاورة صغيرة تابعة للسعودية إلى حد كبير، أول من وصلته الدعوة السعودية، حسب تقرير موقع Middle East Eye.
ورأى التقرير أن قرار الكويت المفاجئ طرد الدبلوماسيين الإيرانيين وإغلاق البعثات الثقافية والعسكرية والتجارية الإيرانية في البلاد هو الثمن الذي أجبرت الكويت على دفعه بسبب الفشل المحرج للمقاطعة التي تقودها السعودية لمعاقبة الدوحة وتهميش طهران. وبعبارة أخرى، اضطرت الكويت للعب دور الأخ الأصغر الذي يحاول التعويض عن حماقات شقيق كبير قصير النظر ومتهور، بحسب التقرير.
ووفقاً للموقع فإنه مما يؤكد هذا التحليل الزيارات والاتصالات بين الكويت وإيران بعد قضية العبدولي، إذ زار وزير الخارجية الكويتي صباح الخالد الأحمد الصباح الرسمية إلى طهران في 25 كانون الثاني/يناير 2017، مع رسالة من أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح. وقد أرسلت الرسالة نيابة عن مجلس التعاون الخليجي وتناولت ضرورة تحسين العلاقات العربية الإيرانية من خلال الحوار والدبلوماسية.
كما أنه أنه في أواخر مارس/آذار 2017، دعا الأمير الكويتي الى مواصلة الحوار مع إيران لحل الخلافات حول القضايا الإقليمية خلال كلمة أمام قمة الجامعة العربية في الأردن.
وليس من المستغرب أن تأتي دعوة الأمير للحوار مع طهران بعد أن زار الرئيس الإيراني حسن روحاني الدولة الخليجية في فبراير/شباط – للمرة الأولى منذ توليه منصبه في عام 2013 – لتخفيف حدة التوترات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي.
سياسة عنيدة
وتظهر عودة دول الحصار على قطر في آخر اجتماع لمناقشة النزاع في المنامة في 30 يوليو/تموز 2017، إلى سياسة الضغط المستمر، عبر إعادة طرح شروطها الثلاثة عشر على الدوحة بعد أن كانت قد تراجعت عنها طبيعة سياساتها، ما يرجح أن الأزمة لن تحل قريباً.
وقد رفضت قطر العقوبات على أنها غير شرعية والطلبات لأنها غير معقولة. وقال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في مقابلة مع قناة الجزيرة الفضائية: "لا توجد رؤية واضحة (من اجتماع المنامة)، لا يوجد سوى سياسة عنيفة من الدول المحاصِرة ورفض الاعتراف بأن هذه الأعمال غير مشروعة".
وسيحضر وفد رفيع المستوى من قطر حفل تنصيب الرئيس روحاني لولايته الثانية في 5 آب/أغسطس، وفقاً لرئيس الوزراء القطري عبدالله بن ناصر آل ثاني.
ويخلص تقرير الموقع البريطاني إلى أن قِصر النظر الاستراتيجي والتعنت السياسي قد يكون أفضل ما توصف به الحملة التي تقودها السعودية ضد قطر، إذ تضغط السعودية في سياسات ضالة، كما يظهر موقف الكويت من إيران بوضوح تام، "الأمر الذي يضطر المزيد من حلفاء الرياض الصغار إلى دفع ثمن حماقاتها وسوء تقديرها"، حسب تعبيره.