يعانون حقا… لكن هل لمعاناتهم نهاية و هل بعد الرحيل عودة؟

هل يسقط العدو والعدو؟ فأنت لا تعلم في حربهم وحروبهم من العدو ومن العدو الآخر، كلهم أعداء ما دامت الحرب لم تنتهِ، وكأنها حقاً لن تنتهي إلا بدمار كل الأعداء ودمار الأهل والديار.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/10 الساعة 03:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/10 الساعة 03:51 بتوقيت غرينتش

عناء وعناء وعناء.. أطفال رضع؛ شيوخ وكهول؛ زوجات وأرامل؛ رجال ونساء؛ مختلف الأجناس والأعمار، يعانون يوماً تلو الآخر، شهراً تلو الآخر، سنة تلو الأخرى، هل لمعاناتهم، حقّاً نهاية؟

ربما النهاية اليوم أو غداً، غداً أو ربما بعد غد، ربما السنة السنة أو التي تليها، في انتظار دائم..

هل يسقط العدو والعدو؟ فأنت لا تعلم في حربهم وحروبهم من العدو ومن العدو الآخر، كلهم أعداء ما دامت الحرب لم تنتهِ، وكأنها حقاً لن تنتهي إلا بدمار كل الأعداء ودمار الأهل والديار.

نزح بعضهم إلى غير بلادهم وأراضيهم، تاركين وراءهم الدُّور، أأملاً في العودة والرجوع؟! وبقي بعضهم، قائلاً ومؤمناً: أموت هنا وهناك، حريٌّ بي أن أُستشهد هاهنا في سبيل أرضي لا غير، فوقها وتحت سقف سمائي، وبين جدران منزلي وفي أحضان وطني، وطن قد اغتاله الأعداء، أعداء الإنسانية، أعداء السلام، أعداء أنفسهم وأهليهم وأعداء الديار، وطن كان التراثَ وفخرَ أممٍ وأممٍ، وطن سكنه الأوَّلون وعمروه، وطن له في التاريخ ما له من صيت وأثر وصدود، وطن كان فخر ذويه وقاطنيه وأبنائه على مر العقود.

يعانون حقاً.. لكن هل لمعاناتهم نهاية؟ وهل بعد الرحيل عودة؟
يؤلمني السؤال ذاته، وجوابه ينتابني حوله الفضول، وتتشابك في رأسي أسئلةٌ مِن مثله واستفسارات، لكن في موضع آخر ومن نوع آخر، أيعود؟!

أيعود الراحلون إلى بلاد غيرهم؟! أيعود من اختار الهجرة ملاذاً ومرتعاً من بلاده إلى بلاد غيره؟! أعني بالعودة هنا، العودة المرجوَّة، العودة التي ما بعدها رحيل، العودة والاستقرار.. أيعود هذا وذاك؟

أيعود الطبيب بعدما عايش ما عايشه من نظام، احترام وبدقة وشمولية، وتجديد وغيرها؟! صحيح أنه هناك يحاكَم على كل صغيرة وكبيرة، فالقوم دارون مدركون ما لهم وما عليهم، لكن غير ذلك من الإضافات الموجبة كثير وكثير.

أيعود المهندس وهو الذي درس بغير لغته، بغير مادته بعد ما رأه، أدرك وسمع ما لم يخطر على بال في بلاده المهاجَرة، بعد كل التدقيق والدقة، بعد كل ذلك من صرامة؟!

أيعود المقاول الشاب أو حتى الراشد البالغ بعد إدرار النقود؛ لأنه لن يعود قبل ذلك أكيد، وتلبية الحاجات بما شاء ويشاء؟!

أحقاً يعود هؤلاء؟! سألت قريباً لي هذا السؤال، قريباً مقرباً علَّه يشفي غليلاً داخلي، علَّه يطفئ ناراً في جوفي، في قلبي وعقلي تشتعل.

أتعود أيها الراحل عن بلاد اغتربت فيها وما زلت مغترباً.. بلاد أنت فيها غريب وستظل غريباً، شئت ذلك أم أبيت، أدركت ذلك أم لم تدرك.. إلى بلاد الأم بلاد، بلاد يجرك إليها الحنين، حنين الأرض والسماء، حنين الماء والهواء (فلهما طعم ورائحة حقّاً)، حنين الأهل والأحبة، حنين العودة؟!

أجاب: لا.. أقول جازماً، لكن واثقاً بعودة أو ربما بعدم العودة.. سأعود، لكن.. بعد حين!

أجل، هذا كان جوابه، أعود بعد أن يثمر ما زرعت، أعود ليس الآن، ربما غداً أو بعد غد! أعود بعد أن أفعل هذا وذاك. أعود لكن.. بعد حين!

لم يشفِ جوابُه ألبتة غليلاً بداخلي، وجدته وخلفته يقول: سأعود لو حطَّ الحمام على البيوت، سأعود إن شاء الله بعد مدة.. سأعود فما لي غير تراب بلدي أُدفن فيه بعد أن أموت!

عودة وعودة؛ عودة غريب مختارة، وعودة راحل بعد إجبار.. والسؤال: أيعود الراحلون حقاً؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد