الكوميديا والإبداع الساخر في ظل الثورة السورية

إن الإبداعات الساخرة، في الحقيقة، هي إبداعات نبيلة؛ إذ لا يمكن أن يسخر المرءُ من الشعب، أو من ثورة الشعب، أو من الحرية، أو من قضية المرأة، أو من الوطن، أو من العدالة..

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/09 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/09 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش

إن الإبداعات الساخرة، في الحقيقة، هي إبداعات نبيلة؛ إذ لا يمكن أن يسخر المرءُ من الشعب، أو من ثورة الشعب، أو من الحرية، أو من قضية المرأة، أو من الوطن، أو من العدالة..

من هنا نستطيع أن نفهم لماذا لا تزدهرُ الفنونُ الساخرةُ في الدول الاسكندنافية، مثلاً، وتزدهر بشكل كبير في دولة صغيرة نامية مثل سوريا؟!

فكون البنية الاجتماعية في الدول المتقدمة منفتحة، ‏وكون المجتمع ينعم بالازدهار الاقتصادي والسياسي، ويسوده احترام الحريات العامة والفردية، هذا كله لا يُعطي للأديب مجالاً للتهكم، أو تقديم صور كاريكاتيرية فَكِهة في سياق إبداعاته.

بمجرد أن انطلقت الثورة السورية، وتحرّر الشعب من عُقدة الخوف المزمنة، بدأت تتشكل، في الشوارع والساحات، لوحات بشرية لا يمكن لأي مخرج سينمائي قدير أن يجاريها في الروعة، وكانت تنتج عن هذه التجمعات لقطات كوميدية ساخرة فريدة.

في أتون الحرب الدائرة في سوريا يتنامى استخدام السوريين للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.

الخبراء يعتقدون أن السخرية تشكل سلاحاً لمن لا سلاح له في الحرب، وهي أيضاً وسيلة للتخفيف عن النفس من وطأة الحرب وقسوتها.

قيام الضحايا والمضطهدين بالاستهزاء من المضطهِد يشعرهم بأنهم ربحوا المعركة معه، فبدلاً من الاستسلام والشعور باليأس، هم يستعيدون زمام المبادرة ويحسون بمعنى حياتهم وقيمتها.

وتضيف مارفينا: هذه الظاهرة واضحة وجلية بين السوريين في الحرب الحالية، "مستقاة من حس أصيل بالفكاهة امتلكه السوريون قبل الثورة، وأضافوا إليه أدوات جديدة من قبيل وسائط التواصل الاجتماعي، وأنواعاً مختلفة من التعبير الفني كانت مكبوتةً قبل الثورة، فاستخدموا هذه الأدوات لمجابهة الواقع المعاشي الصعب".

لكن يبدو أن استخدام السوريين للفكاهة لم يكن لمواجهة الظروف النفسية القاسية فقط، فكمّ ليس بقليلٍ من هذه السخرية موجهٌ بشكل سياسيٍ بحت حتى لو حمل سمة خفة الظل، صفحات مواقع التواصل الاجتماعي شكلت منبراً للنشطاء، وتتيح لهم الفرصة ليعبروا عن آرائهم السياسية بحرية تامة، متجاوزةً رقابة النظام السوري وأجهزته الأمنية، ولكن أيضاً تطال معارضي النظام.

فما مُنع قوله في الشارع أصبح بالإمكان قوله في الفضاء الإلكتروني؛ لأن للإعلام السياسي الساخر ضرورة في أي مجتمع حضاري؛ لينتهي عصر تقديس الأشخاص، فالجميع تحت النقد أياً كان مركزهم السياسي أو الثقافي، واللافت في الأمر هو نبرة النقد السياسي؛ حيث لم يكن مسموحاً للسوريين قبل الثورة أن يتعاطوا هذا النوع من النقد.

أيضاً مؤيدو النظام والإعلام السوري يشكلون دائما مصدراً غنياً للسخرية في صفحات الثورة السورية، بالإضافة إلى منظرين دائماً ما يفاجئوننا بمواضيعهم المنفصلة عن واقع الثورة السورية، يُلاحظ هنا أن وَحي تهكم هذه الصفحات ليس هو النظام السوري وحده، فمعارضون بارزون ومفكرون ثوريون قد نالوا نصيبهم أيضاً من التهكم اللاذع، الذي تناول مواضيع عديدة كتفرق المعارضة وتشتتها وحرصها على المناصب وإغفالها لمصالح الشعب السوري ومعاناته.

ومضت الأيام، ومضى بشار الأسد في قمع الشعب، وبدأ الجيش العربي السوري يقصف المدن والقرى السورية بالمدافع والطيران والبراميل المتفجرة..

وبعد كل قصف كان أبناءُ الشعب يقفون أمام الأبنية المتهدمة والجثث والأشلاء ويقولون: هذه إصلاحاتك يا بشار!

أخيراً.. إن موضوع الإبداعات الساخرة في سوريا، وعلاقتها بنظام الاستبداد وبالثورة، هو موضوع أثير، ويُغري بتأليف مجلدات ضخمة عنه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد