إفريقيا بين الأطماع الفرنسية وتطلعات المستقبل

تحاول فرنسا اليوم العودة إلى إفريقيا تحت راية مكافحة الإرهاب، حيث أعلنت فرنسا أواخر عام 2013 إعادة تنظيم قواتها العسكرية بالصحراء والساحل الغربي الإفريقي، في مؤشر على تغيير باستراتيجيتها العسكرية في القارة الإفريقية وعلى نحو يتيح وجوداً إقليمياً أكثر قوة، رداً على تزايد التهديدات المتطرفة في تلك المنطقة، وهو ما ظهرت بوادره في مالي، وبعدها في إفريقيا الوسطى، بعد التدخل العسكري على أراضيها، في ظل أزمات سياسية كبيرة تعصف بالبلدين.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/12 الساعة 04:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/12 الساعة 04:46 بتوقيت غرينتش

شكلت إفريقيا على الدوام أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة للقوى الاستعمارية العظمى؛ لما تملكه القارة السمراء من خيرات طبيعية ومواد أولية، ولا سيما النفط الذي أصبح العنصر الحيوي المحرك للاقتصاد العالمي.

وقد كان لفرنسا عبر التاريخ نشاط استعماري بارز في القارة الإفريقية، حيث احتلت عدداً من دول إفريقيا مثل: (تونس، الجزائر، المغرب، بالإضافة إلى موريتانيا)، والسنغال، وغينيا، ومالي، والنيجر، وتشاد، وكوت ديفوار (ساحل العاج)، والغابون، والكونغو برازافيل، وبنين (داهومي)، وبوركينا فاسو (فولتا العليا)، وإفريقيا الوسطى، والكونغو الأوسط (كنشاسا)، وكذلك مدغشقر، وجيبوتي (الصومال الفرنسي)، فضلاً عن جزر كومورو (جزر القمر)، وعدد من جزر المحيط الهندي الأخرى.

تقلص الدور الفرنسي في القارة الإفريقية أواخر القرن العشرين بعد أن نالت الدول الإفريقية التي كانت تابعة للاستعمار الفرنسي استقلالها، وبعد التغيرات التي لحقت بالنظام الدولي مع نهاية الحرب الباردة، والتي نتج عنها انفراد الولايات المتحدة بوضعية القوة العظمى والقطب الأوحد في ظل النظام العالمي الجديد.

إن هذه الظروف لم تعنِ أن فرنسا تخلت عن أحلامها الاستعمارية في إفريقيا، فقد استمرت فرنسا بعد مرور 40 عاماً على استقلال مستعمراتها القديمة بإفريقيا، في منحها أهم عنايتها ومساعدتها، حيث لا تزال فرنسا إلى اليوم بأشكال مختلفة، مباشرة أو عن طريق الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وباقي المنظمات الدولية، تمنح لهذه البلدان أكثر من ثلثي مساعدتها المقدرة بأكثر من 5 مليارات من الدولارات سنوياً.

إضافة إلى ذلك، هناك 14 دولة إفريقية ملزمة من فرنسا، من خلال اتفاق استعماري، على وضع 85 في المائة من احتياطاتها الأجنبية في البنك المركزي الفرنسي تحت سيطرة الوزير الفرنسي للرقابة المالية. حتى الآن، توغو و13 دولة أخرى ملزمة بدفع ديون فترة الاستعمار الفرنسي لفرنسا. إن هذا يدفعنا باتجاه افتراض أن إفريقيا لم تتحرر بعدُ من الاستعمار الفرنسي، بغض النظر عن شكل هذا الاستعمار.

تحاول فرنسا اليوم العودة إلى إفريقيا تحت راية مكافحة الإرهاب، حيث أعلنت فرنسا أواخر عام 2013 إعادة تنظيم قواتها العسكرية بالصحراء والساحل الغربي الإفريقي، في مؤشر على تغيير باستراتيجيتها العسكرية في القارة الإفريقية وعلى نحو يتيح وجوداً إقليمياً أكثر قوة، رداً على تزايد التهديدات المتطرفة في تلك المنطقة، وهو ما ظهرت بوادره في مالي، وبعدها في إفريقيا الوسطى، بعد التدخل العسكري على أراضيها، في ظل أزمات سياسية كبيرة تعصف بالبلدين.

ولم تأتِ هذه الاستراتيجية الفرنسية فجأة، ففي عهد الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، دشنت الخارجية الفرنسية عام 1997 مشروعاً عُرف باسم "مشروع إفريقيا"، لإعادة تنظيم الوجود العسكري الفرنسي في القارة السمراء، بحيث يضم خبراء، ومستشارين، أكثر مما يضم وحدات عاملة.

أما فرنسوا هولاند الرئيس الفرنسي الحالي، فقد أرسى تعديلاً طفيفاً على مبدأ شيراك، وعُرف باسمه "مبدأ هولاند"، ويقوم على فكرة التدخل الفرنسي المحدود، استناداً إلى تأييد دولي ومحلي، بهدف ظاهري، وهو الهدف الإنساني وآخر أساسي غير ظاهر، وهو تحقيق أهداف فرنسا، والحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية، لا سيما في مواجهة نفوذ الدول الكبرى الأخرى، خاصة الولايات المتحدة والصين، وهو ما يمكن أن ينطبق على حالة جمهورية إفريقيا الوسطى.

استغلت فرنسا حاجة بعض الأنظمة الإفريقية للمساعدات الغربية، إضافة إلى خشيتها من تنامي النزاعات الإسلامية المتطرفة، بدعم هذا التوجه الجديد في محاربة الإرهاب على الساحة الإفريقية، إلا أن المساعي الفرنسية الظاهرية في حفظ الأمن الإفريقي تخفي نوايا جدية لعودة فرنسا إلى إفريقيا.

لقد حصلت الصين، خلال حكم الرئيس السابق أمادو توماني توري في عام 2010، على حق التعدين عن اليورانيوم بشمال مالي. وعليه، فإن أحد الأهداف الكبرى للتدخل الفرنسي في مالي ربما يتمثل في قطع الطريق أمام تزايد النفوذ الصيني بإفريقيا.

ومن هنا، يمكن فهم سياسة هولاند التي تحارب الإرهاب في مالي وليبيا ومناطق أخرى، وتدعمه في سوريا، أنها تأتي من منطلق المصلحة الفرنسية بإفريقيا، ففرنسا ستبقى ملتزمة بدعم التوجه الأميركي بسوريا في مقابل الدعم الأميركي لفرنسا في إفريقيا. وبما أن الصين حليفة روسيا اليوم، فإنه من الطبيعي أن تكون فرنسا في المعسكر المضاد لروسيا والصين.

انطلاقاً من مقولة فرنسوا ميتران في بداية الخمسينات من القرن الماضي حين كان وزيراً لفرنسا ما وراء البحار في الجمهورية الرابعة: "دون إفريقيا لن يكون لفرنسا تاريخ خلال القرن الواحد والعشرين"، يبدو أن الاستراتيجية الفرنسية الجديدة تقوم على صناعة تاريخ فرنسا الاستعماري من جديد.

– فادي قدري أبو بكر
كاتب وباحث فلسطيني
fadiabubaker@hotmail.com

المراجع:
• بيارنيس، بيير: القرن الحادي والعشرون لن يكون أميركياً، ترجمة مدني قصري، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2003.
• "14 دولة إفريقية ما زالت تدفع ضرائب استعمارية لفرنسا !"، أمة بوست. https://goo.gl/iOctos (الدخول بتاريخ 25 فبراير/شباط 2017).
• هيئة تحرير صحيفة العرب، "أطماع فرنسا في القرن الإفريقي تعود تحت راية مكافحة الإرهاب"، صحيفة العرب، 21 فبراير 2014.
• "فرنسا وإعادة غزو إفريقيا"، الجزيرة نت، https://goo.gl/GkDdtd (الدخول بتاريخ 25 فبراير 2017).

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد