في اليابان توصّلوا جيلاً بعد جيل إلى تطوير جيلٍ معدّل وراثياً من الأبقار يدعى "واجيو"، وأبقار الواجيو هذه تتغذى على عشبٍ طبيعي عضويّ، وتسبب التعديل الوراثي بجعل لحوم هذه الأبقار مليئة بالدهون، ولكنها دهون غير مشبّعة، أي أنها مفيدة ولا تسبب أمراض الكوليسترول والشرايين، دهونها وشحومها تشبه في فوائدها زيت الزيتون الأصلي على سبيل المثال.
أبقار الواجيو هذه تربّى بشكل عجيب وغريب، فيومياً تحصل كل بقرة على حصّة مساج "تدليك" مطوّلة، وكمية لا بأس بها من جعة الشعير أو البيرة.
فهل يفعل اليابانيون هذا من باب تدليل الأبقار؟
لا بالطبع، فالبنسبة للمساج، فإنه ولطبيعة بلادهم الجبلية تصبح حركة الأبقار صعبة، والحركة في هذه الطبيعة الجبلية ستسبب عضلات قاسية غير مرغوبة للبقر الذي يراد أكله، فيحبس اليابانيون البقر في مساحات ضيقة، ويحركون لها لحومها وعضلاتها يومياً بما يشبه المساج، وذلك ليبقوها بصحة جيدة ولحم طريّ.
أما الجعة فلماذا تشربها هذه البقر؟
الجواب هو أن أراضي اليابان لا تنتج الشعير ولا تنبته، فيستعيض مربّو هذه الأبقار عن الشعير بجعة الشعير، لتضيف طعم الشعير إلى اللحم، وهو أمر مهم ومرغوب لدى المتذوقين والطهاة المتمرّسين.
هذا اللحم وبعد أن يطبخ، ونظراً للدهون المليئة ولجودة اللحم نفسه، فإن طعمه يظهر مليئاً بمذاق الأعشاب، مقرمشاً من أعلاه، طرياً جداً من داخله، مع عصارة كثيفة تظهر مع كل ضغطة أسنان على قطع اللحم، وقوام زبدي هش بفعل الشحوم الخفيفة.
بعد نجاح التجربة اليابانية في مجال تربية الأبقار استنسخ الأستراليون نفس الأسلوب، وأصبح لديهم واجيو أسترالي جيّد يصنعون منه أنواع الستيك المختلفة، لكن هل وصلت جودة الواجيو الأسترالي للياباني؟
هيهات.. فقطعة ستيك تزن 300 جرام مأخوذة من واجيو ياباني قد تكلّف 200 دولار أميركي في مطعم جيد، بينما نفس الطبق باستخدام البقر الأسترالي قد يكلّف النصف أو أقل قليلاً.
بالحديث عن تدليل الأبقار يقودنا الحديث لشعب آخر يعذّب نوعاً من الطيور ليأكلوا فقط كبده دوناً عن بقية لحم هذا الطير.
إنهم الفرنسيون، الذين يحبسون البط في مساحات ضيقة جداً بالكاد تحتوي أجسامها، ثم يمدّون لها أنبوباً، يوصل لها الغذاء (مسحوق الذرة) قسراً لأفواهها؛ بحيث تأكل أكثر من البط الطبيعي عشر مرات، وذلك لمائة يوم كاملة، حتى يتضخم الكبد أضعافاً مضاعفة لحجمه الأصلي، ويمتلئ بالدهون.. بعد ذلك يذبح هذا البط ويؤخذ الكبد، ويذهبون به إلى أرقى أنواع المطاعم لتباع القطعة الصغيرة منه، التي لا تتجاوز الخمسين جراماً، بأكثر من 30 دولاراً، ويمتاز كبد هذا البط المسكين بكونه ممتلئاً بالنكهة الكبدية، طرياً كريمِيَّ المذاق.
صحيح أن البط الفرنسي وبقر الواجيو الياباني يتم ذبحهما وأكلهما في نهاية الأمر، لكن في حين أن الفرنسيين يعذبون البط ويجعلونه يشعر بالموت كل يوم لمائة يوم، يدلل اليابانيون أبقارهم لشهور طويلة بتدليك وشرب جعّة، قبل أن يذبحوها بشكل مباغت.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.