مناظرة الاختصاص في الطب والأطباء الداخليين: مظالم وتجاوزات باسم القانون

إن الذين سنّوا قانون المناظرة بشكلها الحالي، ليسوا أهل اختصاص، ولم يعيروا اهتماماً لهذا المشكل الأزلي الذي يضر بالأطباء الداخليين مادياً وأكاديمياً ومعنوياً، كما لم ينتبهوا إلى العديد من الثغرات والنقائص الأخرى التي أفسدت "الإصلاح".

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/03 الساعة 02:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/03 الساعة 02:04 بتوقيت غرينتش

لقد تعودنا في "دولة القانون والمؤسسات" أن نسنّ قوانين غير شعبية لا تخدم المواطن، بل تسعى إلى عرقلته وتعطيل مصالحه وتدفعه إلى خرقها.

فلا نكاد نرى مواطناً لا يتجاوز القانون، بل إن جُلّ المواطنين يتجاوزونه في اليوم مرات عديدة، يعود جّلها بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلى طبيعة العلاقة بين المواطن والقانون، علاقة جبلت على الكره والاستهتار المتبادل.

هكذا سنّت الإصلاحات الخاصة بمناظرة الاختصاص في الطب، وكيف لها أن تكون الاستثناء؟

في سنتها الثانية، تراكم المناظرة المشاكل التي استعصت على نظامها القديم، في وقت تتعامل فيه الوزارة معها، كما تتعامل مع بقية قطاع الصحة، بحلول ترقيعية بيروقراطية.

لقد نوى مَن سنّ النصوص الأولى للنظام الجديد أن يمنع الأطباء الداخليين الذين لم يتمكنوا من النجاح في مناظرة التخصص في الطب قبل الدخول في سنة التربص الداخلي من إعادة اجتياز المناظرة أثناء القيام بتربصهم، متعللاً بضرورة تركيزهم على الاستفادة منه، وهو ما يجعلهم يبقون سنتين على الأقل في حالة بطالة عن العمل بعد نهاية التربص (سنة مراجعة، وسنة ينتظرون فيها النتيجة).

هذه النوايا سقطت في الماء بعد أن خاض طلبة الطب سلسلة من التحركات لإصلاح ما يمكن من اعوجاج المشرع، فأعطي الأطباء الداخليون في آخر المطاف الحقّ في إعادة اجتياز المناظرة أثناء التربص.

ككل عام، ترى كل طبيب داخلي ينوي أن يعيد اجتياز المناظرة، يسعى جاهداً إلى اختيار التربصات "السهلة"، أو التي يسهل فيها الحصول على إعفاء من العمل قبل المناظرة؛ بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى بعض المسؤولين الذين اقترحوا أن يترك الناجحون في المناظرة الأولوية لزملائهم في اختيار التربصات "السهلة"، في اعتراف صريح وغريب بوجود هذا النوع من التربصات.

ومع اقتراب موعد المناظرة، تكشف عورات "السيستم" ويستفحل عدم تكافؤ الفرص. بعض الأطباء الداخليين تمكن من الحصول على إعفاء من العمل قبل شهرين من المناظرة، بعضهم قبل شهر، آخرون استقدموا من يعوضهم في عملهم كلياً أو جزئياً (أثناء المناوبات الليلية) بأجور متفاوتة قد تصل إلى الخيالية، والبعض الآخر لن يتمكن من الحصول على يوم واحد إضافي عن عطلته القانونية ومنع من استقدام معوض… و"كل بلاد وأرطالها".

رؤساء الأقسام، بعضهم "خاطر" وأعفى منظوريه، بعضهم قَبِلَ بوجود معوضين عن مضض لتيقنه باستحالة إدارة قسمه دون متربصين (عورة أخرى من عورات "السيستم")، بعضهم أعفى دون معوضين فكانت النتيجة أن يتحمل جزء من المتربصين حمل زملائهم دون وجه حق، فيما اختار جزء من رؤساء الأقسام طريقاً قد يوصف باللاإنساني، أو الجبان، كما قد يوصف بالقانوني النظيف، فمنعوا كل إعفاء من العمل.

تحركت الوزارة "بكل حزم" وحركت أذرعها الإدارية لتفرض على كل مَن يريد التسجيل في المناظرة أن يقدم وثيقة ممضاة من رئيس القسم الذي يتربص فيه تثبت أنه بصدد القيام بتربصه.

تحرّك وُلد ميتاً، مآله الفشل لا محالة، ولا يهدف إلا لمزيد خرق القانون ولإجبار الجميع على الكذب الجزئي أو الكلي، ولمجرد تشتيت تركيز الذين تركوا عملهم عقاباً لهم على فعلهم الشنيع بالسعي إلى النجاح.

كما توجد أصداء مفادها نية الوزارة إرسال متفقدين للتثبت من وجود المتربصين في أقسام عملهم.

حركة، إن صحت، أقل ما يقال عنها إنها "صبيانية"، ألن يكون أحرى بالوزارة أن تتفقد استهتار غير المتربصين وأن تراقب الفساد الذي استشرى في مستشفياتها؟

ثم لماذا يا ترى لا تسعى سلطة الإشراف إلى إيجاد حلول تخوّل لمن يريد المراجعة ذلك بصفة قانونية طاهرة؟ ألا يمكن مثلاً أن يسمح القانون باستقدام معوض لفترة شهرين، على أن يعيد الطبيب الداخلي ما فات من تربصه مجاناً بعد اجتياز المناظرة؟ وفي هذه الحالة يستفيد المتربص، وتستفيد الأقسام الاستشفائية من متربص إضافي "مجاناً"!

ألم يكن ممكناً أن تنطلق سنة التربص الداخلي في شهر سبتمبر/أيلول بُعيد السنة الخامسة، وأن يجتاز الطلبة المناظرة بعد انتهاء التربص الداخلي، في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني مثلاً من السنة الموالية، متمتعين بما لا يقل عن شهرين كفترة مراجعة؟

ليست هذه سوى اقتراحات تمخض عنها عقلي المتواضع، ولا شك أن هنالك العديد من الأفكار الأخرى التي تخوّل للناس أن ينجحوا في حياتهم كما يريدون دون الالتجاء إلى خرق القانون.

إن الذين سنّوا قانون المناظرة بشكلها الحالي، ليسوا أهل اختصاص، ولم يعيروا اهتماماً لهذا المشكل الأزلي الذي يضر بالأطباء الداخليين مادياً وأكاديمياً ومعنوياً، كما لم ينتبهوا إلى العديد من الثغرات والنقائص الأخرى التي أفسدت "الإصلاح".

ومع الأسف تسعى الوزارة اليوم إلى مزيد من تعميق المشاكل عوضَ البحث عن حلول عملية سليمة، فإلى متى تغرس الدولة فينا قناعة أن احترام القانون جُبن، وأن خرقه هو السبيل الوحيد للنجاح؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد