كلما كنت أصيلا في تفكيرك وسلوكك كلما اقتربت من طبيعتك ومن نفسك، وكلما اقتربت من نفسك كلما قلت المشكلات.
علاقة المرأة بالرجل علاقة معقدة، لا أحد ينكر ذلك، أَلفت حولها الآلاف من الكتب وخصص لها الأدب والفن والعلم مساحات واسعة، ومع ذلك لم يستطع هذا التراكم الضخم من التجارب والمعارف والعلوم والخبرات، أن يجعلها أسهل. وهو أمر محير في الحقيقة، فالمفروض أنها علاقة طبيعية بين كائنين مكملين لبعضهما، أي أنها ضرورية، وصفة الإلزام هذه تجعلها بديهية وسهلة وطبيعية بقوة الحياة، غير أن الواقع مختلف تماما. كل علاقة بين امرأة ورجل هي تجربة أولى، كأن لا بشر خلقوا قبلها، أو كأنهما يلتقيان في غابة لا أثر للمعرفة فيها.
أحد أسباب هذا التصادم المستمر مدى الحياة في رأيي يكمن في الطبيعة نفسها، في تركيبتهما النفسية والفيزيائية المختلفة، وهو تصادم لا يمكن أن يكون ضارا إذا انتهى عند هذا الحد، لأن الرجل والمرأة خلقا من أجل استمرار الحياة، ومحكومان بقوة هذه الغريزة، وهو ما يجعل الطبيعة تزودهما بما ييسر هذا الاستمرار ولا يعقده، فهي طبيعة تقارب وليست طبيعة تباعد. هذا يعني بالضرورة أن ما يصعب التكامل ويحدث التصادم "غير طبيعي" أو مستجد على تكوينهما النفسي والجسدي، ويمكن أن نسميه "زوائد" تدخل على طبيعة كل منهما فتحدث التطرف في الاتجاه العكسي لكل صفة من الصفات.
تصلني رسائل متفرقة من رجال ونساء يسألون أو يسألن عن كيفية تجاوز المشكلات والعراقيل التي توجد داخل كل علاقة. لا أملك إجابة لهذا السؤال، لا أحد يملك هذه الإجابة بشكل دقيق، لكن ما أستطيع النصح به، بناء على ما ورد في أول المقال، هو أن يحاول كل طرف العودة إلى طبيعته، والبقاء بالقرب من نفسه. والمقصود بالعودة إلى الطبيعة ليس التوحش والبوهيمية، وإنما الاتصاف بالواقعية والصدق والتأصل.
كلما كنت أصيلا في تفكيرك وسلوكك كلما اقتربت من طبيعتك ومن نفسك، وكلما اقتربت من نفسك كلما قلت المشكلات في اعتقادي، لأنك تعود إلى طبيعتك الأم، التي هي طبيعة تكامل كما قلنا.
ماذا يعني أن تكون أصيلا؟: معناها أن تفهم نفسك بالدرجة الأولى وتتعامل مع الآخرين وفق تميزها، ألا تتشبه بأحد، لا تقم بشيء لأن غيرك قام به، لا تفكر بطريقة لا تشبهك، لا تعش حياة ليست حياتك، لا تقل ما لست مقتنعا به، ولا تفعل شيئا إلا استجابة لدافع داخلي، معناها أيضا أن تكون بسيطا في خياراتك واهتماماتك، كما خلقتك الطبيعة، التي تريد منك أن تستمر مع شريكك فيها، وأن تتوحدا لقتال "الأجناس" الأخرى التي تهدد وجودكما معا. لن تستمرا من دون هذا التوحد، وهذا التكامل المفروض عليكما بقوة الغريزة والحياة.
في أحد حواراتي مع صديقة لي تعمل طبيبة نفسية، أخبرتني تقريبا ما معناه أنها لا تتدخل في تربية أبنائها إلا باليسر القليل، وأنها تترك مهمة تربيتهم للطبيعة التي ولدوا عليها، وهي طبيعة استمرار، وبالتالي ستزودهما بكل ما يحتاجونه لأجل أن يستمروا. الكثير مما يحدث في حياتنا ونتعلمه، في اعتقادها، دخيل على طبيعة الإنسان ومفسد لها، بل ومعرقل في أحيان كثيرة، رغم ما نعتقده من أنه مشذب ومنظم لهذه الحياة المتوحشة في الأصل.
في نهاية الأمر، يجب أن ندرك أن التصادم الطبيعي بين المرأة والرجل تصادم ضروري، لأجل البقاء، فهي وجدت من أجل الخصوبة وزودتها الطبيعة بكل ما يسهل ذلك، وهو وجد من أجل حمايتها وحماية أبنائهما حتى تستمر الحياة، وزودته الطبيعة بكل ما يسهل ذلك، وسواء أصبحت هي أما أم لا، وأصبح هو أبا أم لا، فإن هذه المواصفات موجودة فيهما وعليهما فقط أن يتعاملا مع بعضهما وفقها، ليس فقط مع بعضهما، بل ومع العالم الخارجي أيضا، لأنها هي نفس الصفات التي تجعل من كل منهما طبيبا أو مدرسا أو مديرا أو إنسانا ناجحا، وأي خروج عن هذه القاعدة أو تعسف عليها يسبب المشكلات. هذا كل شيء باختصار شديد.
– تم نشر هذه التدوينة في صحيفة العرب
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.