قال مسؤولون أمنيون وسكانٌ محليون إنَّ شيوخ القرية، الواقعة في شبه جزيرة سيناء المصرية حيث قتلت مجموعةٌ مسلحة 305 أشخاص في أحد المساجد، قد تلقوا عدة تحذيراتٍ قبل الهجوم من أعضاء تنظيم (داعش) لوقف التعاون مع القوات الأمنية وتعليق الشعائر المرتبطة بالحركة الصوفية الإسلامية.
وذكر تقرير لوكالة أسوشيتدبرس الأميركية أن أحدث هذه التحذيرات جاء مؤخراً قبل أسبوعٍ من الحادث، إذ تلقى سكان قرية الروضة تحذيرا بعدم إقامة الشعائر الصوفية يومي 29 و30 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 في إحياء ذكرى مولد النبي محمد، وفقاً للسكان والمسؤولين الذين يعملون لدى وكالات الاستخبارات الأمنية والعسكرية العاملة في سيناء.
ويرى الأفراد المحلِّيون التابعون لتنظيم داعش في سيناء إنَّ الصوفيين زنادقة يجب قتلهم. ويقول أحمد صقر، وهو خبيرٌ في الحركات المسلحة في سيناء إنَّ المسلحين قد حدَّدوا المسجد، الذي يُعدُّ أيضاً مركزاً صوفياً، هدفاً لهم منذ شهور.
وقال صقر يوم السبت 25 نوفمبر/تشرين الثاني في منشورٍ على موقع فيسبوك إنَّ اختيار مسجد الروضة كهدفٍ لهم "يُثير تساؤلاتٍ حول هؤلاء الذين يقرأون، ويحللون، ويستعدُّون في إدارات الأمن لدينا"، وما إذا كانوا قد قاموا بأي شيء لمنع هذه "الفظائع التي لا توصف".
ويقول محمد إبراهيم، وهو طالبٌ جامعي من القرية، إنَّ المُسلَّحين قد حذَّروا السكان، قبل عدة أيام من هجوم يوم الجمعة، من التعاون مع قوات الأمن.
وجاء التحذير، حسب محمد الذي تحدَّث إلى وكالة "أسوشيتد برِس" الأميركية عبر الهاتف يوم الأحد 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 من قرية بئر العبد المجاورة، عقب احتجاز سُكان القرية ثلاثة مُسلَّحين مشتبه بهم، سُلِّموا لقوات الأمن منذ ثلاثة أسابيع.
وأضاف إنَّ المُسلَّحين وزعوا منشوراتٍ عدة مرات يُطالبون سكان القرية بعدم التعاون مع القوات الأمنية والتخلي عن مذهب الصوفية.
وقال رجلٌ أخر من سكان قرية الروضة، وهو محمد درويش، 30 عاماً، إنَّ المُسلَّحين المُتشددين داهموا منزل شيخ القرية، الشيخ حسين الجرير، مرتين خلال العام الجاري 2017.
وقال درويش: "هدَّدوا الشيخ وطالبوه بعدم عقد حلقاتٍ صوفية، وفي الأسبوع الماضي جاؤوا على دراجاتٍ نارية وطلبوا من الأهالي التوقف عن المشاركة في ممارسة الشعائر الصوفية".
وتشنُّ القوات الأمنية والعسكرية المصرية حملةً قاسيةً ومُكلِّفة ضد المُسلَّحين في المدن، والقرى، والجبال الصحراوية شمالي سيناء. وقد ألقت قوات الأمن القبض على الآلاف في حملةٍ أمنيةٍ ضد الإسلاميين المشتبه بهم والمعارضين ومنتقدي الحكومة في أنحاء البلاد.
وفي العام الماضي 2016، فجَّر مُسلَّحون عدة كنائس في العاصمة المصرية، القاهرة، ومدن أخرى، ما أسفر عن مقتل عشرات المسيحيين. ويُعتَقَد أنَّ عناصر تابعة لتنظيم داعش كانت أيضاً وراء عملية إسقاط طائرة الركاب الروسية في 2016 التي أودت بحياة جميع الرُكَّاب الـ224 الذين كانوا على متنها، الأمر الذي تسبَّب في تدمير قطاع السياحة الحيوي بالنسبة لمصر.
ويُعدُّ الهجوم الدَّامي على مسجد الروضة أول هجوم مسلَّحٍ كبيرٍ على تجمُّعٍ لمصلين مسلمين، والذي فاق في شدته عنف الحركة الإسلامية المُسلَّحة في التسعينيات.
ويتردَّد على المسجد صوفيون، ويُعتبر أيضاً مقراً محلياً للطريقة الصوفية البارزة التي أسستها عشيرة جرير المحلية، والتي تعتبر فرع من قبيلة السواركة القوية.
ووقع الهجوم، الذي يُعد أكثر هجومٍ دموية نُفِّذَ على يد متطرفين إسلاميين في تاريخ مصر الحديث، قبل أقل من أسبوع من الاحتفال بمولد النبي محمد يوم الخميس، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
وستحل ذروة الاحتفالات يومي الأربعاء والخميس، إذ يُتوقَّع تجمُّع ملايين من تابعي الطريقة الصوفية لأداء الشعائر في المساجد والأضرحة والساحات في جميع أنحاء الدولة ذات الأغلبية المسلمة.
وكان المُسلَّحون التابعون لتنظيم داعش قد استهدفوا الصوفيين من قبل. ففي العام الماضي 2017، قاموا بقطع رأس الشيخ سليمان أبو حراز، وهو شخصيةٌ صوفيةٌ بارزة يُعتقد أنَّه كان يبلغ أكثر من 90 عاماً. ونشروا صور عملية القتل على الإنترنت.
وتدين دعاية تنظيم داعش، في كثيرٍ من الأحيان، الصوفية. وفي إصدار شهر يناير/كانون الثاني 2017 من مجلة التنظيم على الإنترنت، تعهَّد شخصٌ، يُزعم أنَّه مسؤولٌ بارزٌ في فرع التنظيم في سيناء، باستهداف الصوفية، ووجَّه لهم اتَّهاماً بالشرك والابتداع في الدين، وحذَّرهم بأنَّ الجماعة لن "تسمح بوجودهم" في سيناء أو في مصر.
وقال تقرير لأسوشيتدبرس إنه ربما ينتمي أكثر من 15 مليون مصري للطريقة الصوفية، التي تعقد جلساتِ إنشادٍ، وتلاوة تواشيح، وممارسة رقص طقوسي بهدف تقريب المؤمن من ربه. فضلاً عن أنَّ الصوفيين يقدسون أضرحة الأولياء.
ويرى المتشددون الإسلاميون مثل هذه الممارسات غير صحيحة، أو حتى مبتدعة، وفي الغالب يقوم المسلحون في المنطقة بتدمير الأضرحة الصوفية، قائلين إنَّها تشجِّع على الشرك لأنَّ الناس يصلون لهؤلاء المدفونين في هذه الأضرحة.
ويقع مسجد الروضة البسيط للغاية والمُكوَّن من طابق واحد على طريقٍ رئيسي. وعادةً ما تجتذب صلاة الجمعة سكان القرية، والمسافرين، وعمال مصنع الملح القريب منه. ويُعتَقَد أنَّ نحو 500 رجل وطفل كانوا في المسجد والساحة المجاورة له في وقت الهجوم.
ووفقاً للأرقام الرسمية، قُتِلَ 305 أشخاص، من بينهم 27 طفلاً، وجُرِحَ 128 آخرين.
ويقول المسؤولون الأمنيون إنَّ مسلحي داعش اخترقوا منطقة بئر العبد والروضة منذ عدة أشهر، لفتح جبهة جديدة في المنطقة الصحراوية الأبعد عن التهديد الرئيسي لعمليات العريش ومدن رفح والشيخ زويد ناحية الشرق.
وقال المسؤولون، الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم لأنَّه ليس مسموحاً لهم الحديث إلى وسائل الإعلام، إنَّهم منذ ذلك الحين شنوا هجماتٍ قاتلة على قوات الشرطة والجيش، على الرغم من أنَّ المنطقة لم تجذب هذا النوع من القوات الأمنية المكثفة الموجودة في أي مكان آخر من النقاط المضطربة في شمالي سيناء.
وقال حسن خلاف، وهو زعيم قبلي في مدينة الإسماعلية المطلة على قناة السويس، والتي نُقِلَ إليها بعض مصابي هجوم يوم الجمعة: "يكشف هجوم المسلحين على بئر العبد أنَّهم يمكنهم الذهاب إلى أي مكان. وهناك ثغرات أمنية.. نحتاج لشن هجوم شامل لتدميرهم".