في مصر الحرائق لا تشتعل إلا ليلاً!

الصفة المشتركة بين كل تلك الحرائق هو التوقيت فمعظمها -باستثناء القليل جداً منها- قد حدث ليلاً، كما أن معظمها غير معلوم الأسباب حتى الآن .

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/31 الساعة 04:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/31 الساعة 04:43 بتوقيت غرينتش

تصاعدت ألسنة اللهب، امتدت النيران إلى العقارات المجاورة، هرعت سيارات الإطفاء إلى مكان الحريق.
تلك هي الكلمات التي اعتدنا سماعها في الفترة الفائتة، لوصف الحرائق المتواصلة في مصر، أشهر تلك الحرائق وأكبرها هو حريق الرويعي بالعتبة، الذي اندلع في الساعات الأولى من صباح الاثنين 9 مايو/أيار، واستمر لأكثر من 12 ساعة متواصلة، في بداية الأمر بدا مقنعاً أن تتوجه الاتهامات نحو الإدارة المحلية المسؤولة عن الرويعي بالإهمال، وغض الطرف عن افتقار المنطقة لأبسط اشتراطات الحماية المدنية، ما تسبب في امتداد الحريق لِيلتَهِم ما يقرب من 238 محلاً ومخزنً، لكن أهالي المنطقة أكدوا أن النار اشتعلت في نفس التوقيت في عقارين يبتعدان 200 متر عن المركز الأصلي للحريق، ما ينفي فكرة امتدادها إليهم، ولم يكد يمر يومان على الحريق حتي اندلع حريق آخر بالغورية مستلهماً نفس ظروف حريق الرويعي، فالحريق بدأ ليلة الأربعاء، واستهدف الممرات الضيقة التي تعيق وصول سيارات الإطفاء، كما تحوي المنطقة محلات ومخازن بها مواد سريعة الاشتعال.

لم يكن حريق الرويعي هو الأول، فقد سبقه حريق مساء السبت في مديرية أمن الجيزة، كما شهد نفس الأسبوع حرائق بالجملة علي سبيل المثال: حرائق المنازل بسوهاج، وحريق محدود داخل قصر العيني، وحريق بمصنع "النساجون الشرقيون" في العاشر من رمضان، وحريق بديوان محافظة القاهرة، وحريق بمصنع للفوم بالدقهلية، وحريق بشقة سكنية في الدرب الأحمر، وحريق ضخم بمزرعة نخيل الواحات البحرية، وحريق في مصنع للأثاث بالمنطقة الصناعية في دمياط الجديدة، وما زالت تتوالى الحرائق إلى الآن، تلك الحرائق إن لم تحدث نفس الزخم كحادث الرويعي والغورية، لكنها أحدثت الهدف المطلوب أو استحوذت مجتمعة على اهتمام الرأي العام.

الصفة المشتركة بين كل تلك الحرائق هو التوقيت فمعظمها -باستثناء القليل جداً منها- قد حدث ليلاً، كما أن معظمها غير معلوم الأسباب حتى الآن .

اتفق معظم الناس -حتى أكثرهم سخرية من نظرية المؤامرة- على أن الحرائق مفتعلة، واتهم البعض الحكومة بافتعالها لتهجير الباعة الجائلين في مناطق قلب القاهرة من أماكنهم، وإحلال مولات وفنادق لمستثمرين مصريين وعرب محلهم، خاصة بعد ما أثير على لسان مسؤولين كبار بالدولة عن ضرورة تطوير مناطق قلب القاهرة والحفاظ على مظهر حضاري لائق بها، وهذا الزعم قد نفاه العديد من المسؤولين الحكوميين، فيما أكد الباعة الجائلون أن الحكومة طلبت منهم الرحيل منذ عام تقريباً، لكنهم لم يستجيبوا.

واتهم البعض الآخر الإخوان بتدبير تلك الحرائق لإثارة الناس على الحكومة، وهو ما حدث بالفعل في أعقاب حريق الغورية، حيث قام الناس بترديد هتافات مضادة للرئيس، لكن دائماً ما يثار بعد اتهام الإخوان بتدبير مثل تلك الحوادث هذا السؤال: لم بعد ما يزيد على عامين من حرب على الإخوان والإرهاب لا يزالون يتمتعون بكل تلك القوة؟ خصوصاً أن معظم قادتهم خلف القضبان ينتظرون أحكاماً بالإعدام، ومن أين تأتيهم مصادر التمويل لأنشطتهم بعدما صادرت الدولة ممتلكاتهم؟

لم تكن مصر في تاريخها الحديث بمنأى عن الحرائق السياسية، فكان أشهرها حريق القاهرة عام 1952، وتوجهت أصابع الاتهام وقتها إلى الملك فاروق والإنجليز، مستهدفين القضاء على حكومة الوفد وإخماد الحركة الوطنية، كما اتهم محمد نجيب في مذكراته الرئيس جمال عبدالناصر بتدبير تفجيرات 1954 للتخلص من محمد نجيب أبرز المطالبين بالديمقراطية، وللقضاء على أزمة مارس/آذار 1954 "التي طالب فيها الشعب بالديمقراطية وعودة الحياة النيابية".

دائماً ما ترتبط الحرائق السياسية في مصر بتحول كبير في الساحة السياسية، كما فعلت وأطاحت ثورة يوليو بالملك والإنجليز، وكما أطاحت تفجيرات 1954 بمحمد نجيب؛ لذا فمن المستبعد أن يكون هدف كل تلك الحرائق هو مجرد تهجير لبائعين يحتلون مكاناً حيوياً في القاهرة، فتلك الحرائق عادة ما تستخدم لتمرير ما لا يمكن تمريره إلا عبر دخانها الكثيف، ومشعلها إما أنه ليس لديه ما يخسره، أو لديه عدد كبير من العصافير ليصطاده بنفس الحجر، غير أن مشعل الحرائق لا بد أن يكون على قدر كبير من الذكاء ليسيطر على الحريق قبل أن يمتد إليه، كما اكتوى الملك فاروق بحريق القاهرة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد