عن الصور النمطية للمرأة

تجدر الإشارة إلى أن تعامل الرجال والنساء في البيئات الإسلامية المحافظة يقتصر غالباً على العمل والدراسة أو الأمور الرسمية، ولا مكان للتعامل مع غير المحارم، ضمن إطار غير جدي أو رسمي؛ لذلك قد تكون هذه المجتمعات الأقل استيعاباً لتنوع تصرفات المرأة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/31 الساعة 04:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/31 الساعة 04:46 بتوقيت غرينتش

حكت إحدى الصديقات القياديات، والنشيطة جداً في الأعمال التطوعية، وذات الشخصية القوية، أنها أخبرت أحد الزملاء بأنها كانت تقوم بالطهي، فدهش كثيراً وقال بأنه كان يظن أنها لا تعرف كيف تقلي بيضة!

زميل آخر طلب اقتراحات لعروس فطرح عليه اسم زميلة، فأجاب بأن هذه الأخت تُشْعِرُه بأنها "ستضربه"! مع أنها معروفة بين الفتيات بالرقة واللطافة واللباقة وأنها "كيوت" جداً! وغير ذلك من القصص والمواقف، هل هكذا يرى الزملاء زميلاتهن النشيطات والفاعلات -بشكل مباشر- في المجتمع؟

تجنباً للوقوع في فخ تعميم الحالات الفردية قررنا عمل دراسة مصغرة عن الصور النمطية للمرأة في المجتمع، قمنا بتوزيع 95 استبياناً على العرب في ماليزيا، معظمهم طلبة في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، وكانت النتائج غير متوقعة، لا ندعي أن الدراسة علمية ودقيقة، لكنها محاولة متواضعة لمعرفة تصور المجتمع، كما أن عينة الدراسة قد لا تمثل المجتمع العربي تماماً؛ لأنهم سافروا وتأثروا ببيئة غير عربية، والأهم من ذلك أن المنهجية قد تكون غير مناسبة لموضوع الدراسة، أعتقد أن استخدام التجربة أكثر دقة لمثل هذا النوع من الدراسات، أو على الأقل استخدام المقابلات مع الاستبيان؛ لأن موضوع الدراسة عميق، فهو دراسة لاتجاهات وميول وليس محض آراء أو وجهات نظر.

والنتائج موضحة في الصورة:

المسألة الأولى: هي تصنيف المرأة إلى صنفين: "تقليدية" و"غير تقليدية"، والمرأة التي تصنف بأنها "تقليدية" لا يمكن أن تتصف بصفات غير تقليدية، والعكس كذلك، مثلاً: المرأة القيادية أو قوية الشخصية لا يمكن أن تكون "ست بيت" أو امرأة حنونة ورقيقة، أو ربة المنزل غالباً ليست مثقفة، أو لا تستطيع القيام بأمورها بنفسها.

المسألة الثانية: هل هو تناقض أن تتصرف المرأة في العمل برسمية وجدية، بينما تتصرف برقة وأنوثة خارج نطاق العمل؟ مثلاً: أن تتحدث امرأة أثناء العمل بكل جدية – وكأنها لواء أو كما شئتم وصفها- وفي نفس الوقت يذوب قلبها عند رؤية طفل "كيوت" تقبّله بكل عطف وحنان؟ أهو مجرد اختلاف السلوك طبقاً لما يتطلبه الوضع؟ ألا يمكن للمرأة أن تكون قوية في العمل وطاغية الأنوثة خارج نطاق العمل.

المسألة الثالثة: تميز تصرفات المرأة عندما تكون مع رجُلِها، يقول الرافعي: "والمرأة ضعيفة بفطرتها وتركيبها، وهي على ذلك تأبى أن تكون ضعيفة أو تُقر بالضعف، إلا إذا وجدت رجلها الكامل، رجلها الذي يكون معها بقوته وعقله وفتنته لها وحبها إياه، كما يكون مثال مع مثال"، كان لدينا زميلة من غينيا ذات شخصية قوية وقيادية من الدرجة الأولى، ثم تزوجت، الذي أثار إعجابنا هو طريقة تصرفها مع زوجها تحديداً، فهي تنقلب إلى أنثى قمة في الرقة عندما تتحدث معه، فصوتها ينخفض بشكل كبير، تتحدث بنعومة كبيرة، يمكننا القول بأنها تتغير كلياً عندما تكون في حضرة زوجها، وبالطبع -في حالتها مثلاً- هذه التغيرات ناتجة عن حب وليس عن اضطهاد أو تسلط.

كما أن الأمر يدفعنا للتساؤل: هل تصنيف النساء إلى صنفين بصفات محددة سبب من الأسباب التي تجعل كثيراً من الرجال يعزفون عن الارتباط بامرأة "مُمَكَّنة" أو غير "تقليدية" المعطاءة بشكل مباشر للمجتمع؟ هل ذلك ناجم عن عدم رؤية الجانب الرقيق أو الأنثوي للمرأة المُمّكَّنة؟ هل ذلك بسبب التصور الذي يرى فيه امرأة معطاءة وجيدة للمجتمع، لكنها ليست جيدة للزواج ولا بناء أسرة؟ امرأة ليست حنونة لا تصلح لأن تكون زوجة أو أُماً؟

بخصوص طريقة تعامل المرأة في بيئة العمل والدراسة، لنتخيل بأن امرأة أظهرت كامل أنوثتها ورقتها في العمل ما الذي سوف يحصل؟ لا أعتقد أن الدين والعرف وبيئة العمل سوف تسمح بذلك، ليس لأن هناك مشكلة ما في أنوثة المرأة، لا أبداً، لكن العمل والدراسة أو الأنشطة المختلفة تتطلب من المرأة أن تكون قوية ومستقلة، لا أن تطلب من زميلها القيام بشيء فقط لأنه رجل.

والعمل قد يتطلب منها أن تتحدث بلهجة جدية ضمن فريق العمل. لا تستطيع المرأة أن تُظهر كامل حنيتها وعطفها في بيئة العمل، أو تُسمِعَ رجلاً أجنبياً عنها عبارات مثل: "تكرم عينك، على عيني وراسي"، لذا يستحيل على المرأة أن تكون في كامل أنوثتها في هذه البيئات، لكن هل يعني بأن من لا تتصرف بأنوثتها في العمل أنها قليلة أنوثة؟ أو أنها غير أنثوية في المنزل، أو بالأحرى عندما تتحرر من أي قيود خارجية أو ظروف خاصة؟

تجدر الإشارة إلى أن تعامل الرجال والنساء في البيئات الإسلامية المحافظة يقتصر غالباً على العمل والدراسة أو الأمور الرسمية، ولا مكان للتعامل مع غير المحارم، ضمن إطار غير جدي أو رسمي؛ لذلك قد تكون هذه المجتمعات الأقل استيعاباً لتنوع تصرفات المرأة.

في هذا الصدد، من الجيد تذكر قول علية بنت المهدي: "نحن نساء مع رجالنا، رجال مع غيرهم"، هل معناه يتمثل في سلوك "عصمت" في فيلم "مراتي مدير عام" الذي كانت فيه رئيسة زوجها وكانت تتصرف بجدية وصرامة في العمل، لكنها تنقلب إلى زوجة "تقليدية" في المنزل عند عودتها إلى المنزل، حمداً لله، أي أنه ليس تناقضاً في شخصية المرأة، ربما يجب علينا تفهم واستيعاب هذه التنوعات لا أكثر.

أعتقد أنه حان الوقت لكسر الصور التي تصنف النساء إلى "تقليديات" جداً و"غير تقليديات"، هي امرأة عاملة.. إذن ربما تكون أُماً جيدة أو لا.. هي ربة منزل.. إذن يحتمل أن تكون ذات شخصية قوية أو ضعيفة، كل الاحتمالات واردة، كل ما علينا هو إزالة الافتراضات والأحكام المسبقة، والنظر إلى جميع جوانب حياة الشخص، لا أن نحكم عليه بناء على تصرفاته وسلوكياته في موضع واحد كالعمل أو الدراسة، بل بجميع جوانب حياة الشخص.

الرجل الذكي هو الذي يستطيع رؤية الجوانب المختلفة لشخصية المرأة، وللمرأة: لا تسمحي للعمل وضغوطاته بأن يخدش من أنوثتك، فأنوثتك منكِ وفيكِ، أؤمن بأن العمل لن ينجح في ذلك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد