ليس نيزكاً ولا سلاحاً نووياً وإنما “انقلاب”.. علماء يحذرون من خلل بالمجال المغناطيسي قد يُنهي الحضارة البشرية

يحذر علماء رائدون من سيناريو اختلال المجال المغناطيسي لكوكب الأرض، والذي قد يتسبب فيه تغير جذري يحل بقلب الأرض الداخلي.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/05 الساعة 11:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/05 الساعة 11:09 بتوقيت غرينتش

يحذر علماء رائدون من سيناريو اختلال المجال المغناطيسي لكوكب الأرض، والذي قد يتسبب فيه تغير جذري يحل بقلب الأرض الداخلي.

وبحسب معدات تقنية متطورة، يبدو أن الأرض تُظهر عدة إشارات، مفادها أن قطبي المجال المغناطيسي يوشكان على الانقلاب؛ وذلك بسبب تغيرات في الحركة الدورانية للب الأرض الحديدي، وفقاً لتقرير صحيفة Daily Mail البريطانية.

فلو حدث ذلك، فسيعني هذا أن الحقل المغناطيسي للأرض سينقلب رأساً على عقب، بكل ما في الكلمة من معنى. وسيستغرق حدوث هذا 1000 سنة. لكن في تلك الأثناء، سيصيب الضعف درعنا المغناطيسية الوقائية التي هي شديدة الأهمية، ما قد يجر علينا وبال عواقب وخيمة.

يتوقع العلماء أن المجال المغناطيسي قد يذبل حتى يصل إلى عُشر مقدار قوته المعهودة، ما سيُضعف جداً دفاعات وتحصينات الأرض ضد الإشعاعات الكونية وجزيئات الطاقة المشحونة التي تُعرف بالرياح الشمسية.

حدث مئات المرات سابقاً


ثمة أدلة بالصخور القديمة تشير إلى أن هذا الانقلاب في حقلنا المغناطيسي قد حصل مئات المرات عبر تاريخ كوكبنا السحيق؛ فتحْت القشرة الأرضية الصلبة طبقة متموجة من الحديد السائل، يظل في حالته المذابة هذه بفعل الحرارة المتسربة إليه من لب الأرض. إن التيارات المتموجة التي توجد في كتلة المعدن الفلزية هذه، هي ما يشكل المغناطيس الكهربائي الضخم لكوكب الأرض.

ينشأ لدينا من ثمَّ مجال قوة مغناطيسية تمتد إلى عشرات الآلاف من الأميال في الفضاء، حيث يعمل مجال هذه القوة مثل درع طاقة واقية تحمينا من الإشعاعات الفتاكة الآتية من الشمس. تعتمد كل أشكال الحياة في كوكب الأرض على هذه الدرع الواقية، فلولاها لكان الحمض النووي للبشر والشجر والدواب والنبات في خبر كان، أمام الأشعة الشمسية التي ستفتك به بكل بساطة.

لكن تلك التيارات الموجودة ضمن كتلة الحديد السائل المتحركة تلك تحت أقدامنا ليست ثابتة، فعلى مدار آلاف السنين يمكن جداً للمجال الكهرومغناطيسي الذي تخلقه أن يقلب نفسه، في عملية يُعتقد أنها تستغرق عدة قرون من الزمن، أي عصوراً وحقباً بلُغتنا ومفهومنا نحن البشر، لكنها بالنسبة للزمن الكوني لا تستغرق سوى غمضة عين.

تشير الأدلة إلى أن الانقلاب التالي هو جارٍ حالياً، فالدرع المغناطيسية الأرضية آخذة في الضعف والاضمحلال أكثر وأسرع بـ10 مرات حالياً مما كان يُعتقد سابقاً، حيث تقدَّر وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، في بياناتها المستقاة بالقمر الاصطناعي، أن معدل الضعف الذي يصيب درعنا يبلغ 5% كل 10 سنوات.

وبشكل خاص، فإن الحقل المغناطيسي الأرضي آخذ في التآكل والتضعضع حول قارة أميركا الجنوبية بمنطقة يطلق عليها العلماء اسم "شذوذ جنوب الأطلسي"، فالأقمار الاصطناعية التي تحلّق فوق تلك المنطقة أُصيبت فعلاً هناك بأضرار وتلفٍ في داراتها، بفعل الارتفاع المحلي في نسب الإشعاع.

كذلك، كشفت بيانات وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) عن وجود "نشاط متقلب" وغير مستقر في تيارات الحديد السائل الواقعة تحت سطح الأرض، ما يشير إلى أن المجال المغناطيسي يوشك أن ينقلب.


الأرض قد تصبح غير قابلة للحياة


ويحذر علماء، مثل دانييل بيكر مدير مختبر فيزياء الفضاء والمجال الجوي بجامعة كولورادو في بولدر، من مغبة أن تصبح أجزاء من الأرض "غير قابلة للحياة" في حال صحت الإشارات الدالة على حدوث انقلاب.

ولن يكون هذا أصغر العواقب الناشئة عن اختلال مجال الأرض المغناطيسي وسماحه للأشعة المغناطيسية المدمرة بسحق شبكاتنا الكهربائية حول العالم والفتك بأقمار الاتصالات الاصطناعية، المستخدمة في أيامنا لتنظيم تلك الشبكات وداراتها؛ فقبل 3 سنوات شهدت الأرض صدمة مصغرة، أعطتنا فكرة عن نوع الضرر الذي قد يحدث في حال استمر درع الأرض -أي مجالها المغناطيسي- في الاضمحلال.

فعندما حدث ذلك، لم يدرك فداحة الوضع من خارج الأوساط العلمية إلا قلة قليلة، ذلك أن ما حدث هو أنه عام 2015، وعلى مدار ساعتين، تسببت "عاصفة كبرى" ضخمة من الأشعة الكونية الآتية من انفجار شمسي هائل في إحداث شروخ مؤقتة بغلافنا المغناطيسي.

إشعاع الطاقة الهائل هذا، الذي ينطلق في الفضاء بسرعة تقارب سرعة الضوء، تسبب في عاصفة جيومغناطيسية عنيفة بمجالنا الجوي؛ ما أدى إلى تشويش إشارات الراديو في أجزاء الأميركتين الشمالية والجنوبية الأقرب من القطبين.

ثم في العام الذي تلاه، اكتشفت دراسة على بيانات الأقمار الاصطناعية، أجراها علماء في معهد Tata للأبحاث الأساسية بالهند، أن ذلك الانفجار الشعاعي الكوني الذي هاجم الأرض قد أدى إلى إضعاف درع الأرض المغناطيسية الوقائية، حيث تقلص حجمها الطبيعي، البالغ 11 مرة ضعف نصف قطر الأرض، إلى حجم أصغر يبلغ 4 أضعاف نصف قطرها فقط. كذلك، فإن الضربة الشمسية فتحت ثغوراً في نقاط ضعف الدرع بشكل مؤقت، ما سمح للإشعاع الفتاك بالنفاذ والتغلغل دون تصدٍّ.

وقد حذر العلماء في دورية Physical Review Letters المرموقة، بالقول: "إن هذا يشير إلى ضعف عابر في درع الأرض المغناطيسية، لكن حدوث عواصف كبرى أخرى مستقبلاً قد يشل البنى التحتية التكنولوجية الحديثة على الأرض ويعرّض حياة رواد الفضاء للخطر".

وتاريخياً، فإن قطبي الأرض الشمالي والجنوبي المغناطيسيَّين قد انقلبا كل 200 ألف أو 300 ألف عام.


الانقلاب المدمر آتٍ


لكن الانقلاب التالي قد تأخر، فالبصمات المغناطيسية المطبوعة على الصخور البركانية القديمة تكشف لنا أن آخر انقلاب حدث قبل 780 ألف عام، عندما كان أجدادنا القدماء متناثرين هنا وهناك وقد اكتشفوا للتو أسرار إشعال النار، لكن السجلات الأحفورية لا تخبرنا بتأثير الانقلاب المغناطيسي على حياتهم، بيد أنهم نجوا بحياتهم.

أما الآن، فإن الانقلاب المغناطيسي الآتي سوف يواجه حضارة البشر بتحدٍّ جديد كلياً؛ وذلك لأن سكان الأرض المكتظين أعداداً يعتمدون على شبكات واسعة تقنية من البنى التحتية في حياتهم اليومية، وليست أيٌ من تلك الشبكات التي تمنحنا الكهرباء والماء اللازمَين للحياة مبنيّة بما يمكّنها من الصمود في وجه الأشعة الكونية الضارية.

إن حضارتنا العالمية ترتجف واقفةً في مهب تلك الرياح الشمسية الكونية التي تكاد لا تبقي ولا تذر، ما سيتركنا واهنين بلا هواتف أو حواسيب أو وسائط نقل أو تدفئة أو طعام.

وقد رصدت آلانا ميتشيل، صاحبة الكتاب الجديد The Spinning Magnet: The Electromagnetic Force That Created The Modern World And Could Destroy It (المغناطيس الدوار: القوة الكهرومغناطيسية التي خلقت عالمنا الحديث وقد تقضي عليه) – رصدت الخطر الذي تنطوي عليه الظاهرة، فتحذر قائلة: "إن العواقب ستكون وخيمة على البنى التحتية الكهربائية والإلكترونية التي تدير حضارتنا الحديثة".

وتوضح قائلةً: "على الأرجح، فإن نُظم توقيت الأقمار الاصطناعية التي تحكم وتدير الشبكات الكهربائية سوف تتلف، فقد تحترق محولات الشبكة، ونظراً إلى أن الشبكات شديدة الارتباط بعضها ببعض، فسرعان ما سيعمُّ الخراب الكوكب ويتسبب في سلسلة من انقطاعات الكهرباء قد تدوم عقوداً زمنية".

وعبّر ريتشارد هولم، أستاذ علوم الأرض والمحيطات والبيئة بجامعة ليفربول البريطانية، عن مخاوف شبيهة بمخاوف ميتشيل، فقال: "إن هذا أمر ذو جدية بالغة" في حديثه لـDaily Mail البريطانية، وتابع: "تخيَّلوا، وهلةً، أن إمدادات طاقتكم الكهربائية أصابها التلف والعطب بضعة أشهر، قليلة جداً هي الأشياء التي تعمل في أيامنا هذه بلا كهرباء".

ولن يكون الناجون من هذه الكارثة العالمية بمنأى عن أخطار أخرى محدقة بهم فيما ينبشون ويبحثون وسط أنقاض الحضارة عن الطعام والدفء والماء؛ ذلك لأن مستويات الإشعاع قد ترتفع كأن كارثة نووية قد حلّت بنا.

وتشير بعض التقديرات إلى أن مقدار تعرّضنا الكلي للإشعاع الكوني في أثناء عملية الانقلاب القطبي سوف يتضاعف؛ ومن ثم يتوقع الباحثون أن 100 ألف شخص سيلقون حتفهم في كل سنة من جراء أمراض كالسرطان.

لكن الخبراء منقسمون بين مؤمن بأننا فعلاً سنواجه كارثة كهذه ومشكِّك في ذلك؛ إذ يقول المسؤولون بوكالة ناسا الأميركية الفضائية إنه رغم الضعف الذي سيصيب درعنا المغناطيسية، فإن الزيادة الناتجة في مقدار التسرب الإشعاعي الشمسي إلى الأرض سوف تكون "صغيرة فقط وليست مميتة".

وأضافت وكالة ناسا: "كذلك، فحتى في ظل حقل مغناطيسي أضعف، فإن غلاف الأرض الجوي السميك يوفر حماية ضد الجزيئات الآتية إلينا من الشمس".

ويختم البروفيسور هولم بالقول إنه يعتقد أن أي ارتفاع في الإشعاع سيكون طفيفاً نسبياً، "وأقل بكثير من التشمس على شاطئ في فلوريدا طيلة نهار؛ ولذا إن حدث ذلك فستكون وسيلة الحماية -على الأرجح- هي ارتداء قبعة كبيرة عريضة".

علامات:
تحميل المزيد