جاءت القمة الثلاثية بين قادة الدول الثلاث (إثيوبيا والسودان ومصر) عقب الوصول لمرحلة تعتبر الأصعب فيما يخص العلاقات بين البلدان الثلاثة، فكانت العلاقة بين السودان ومصر قد وصلت لمرحلة الهجوم الإعلامي والشد والجذب، والعلاقة بين القاهرة وأديس أبابا قد وصلت لعراك خفي لم يكن يتوقع له سوى انقطاع العلاقة، والسبب هو تشييد سد النهضة الإثيوبي، في ظل تصعيد الخلاف – السوداني المصري، والخلاف الإثيوبي – المصري، تطور إلى دخول ملف حلايب وشلاتين في القضية، ووصلت إلى تدخلات لبعض الدول في المنطقة.
القمة الثلاثية قمة لم تستعرض الكثير
القمة التي التأمت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على هامش القمة الإفريقية الثلاثين لرؤساء وقادة الدول الإفريقية والتي سبقتها من قبل ذلك لقاءات بين كل من الرئيسين السوداني والمصري، والتي خرج عقبها وزراء الخارجية في البلدين بتصريحات مشتركة على أن الجانبين قد اتفقا على تخطي كافة الخلافات (دون تفصيلها رغماً عن تعددها وكان الحديث يدور عن اتفقنا لتخطي كل الخلافات وكل شيء)، والعمل معاً ودعوة الإعلام في البلدين للعمل على توطيد العلاقات بين الشعبين، ووصف للعلاقة بين البلدين بالمقدسة.
وجاء اللقاء الإثيوبي – السوداني الذي خرج بالعديد من النقاط حول مجمل العلاقات التي تخص البلدين في ظل تعتيم على العديد من النقاط الأخرى، وخاصة الأمنية والسياسية ومستقبل المنطقة خلال المراحل القادمة، والتي تعرضت للعديد من النقاط أهمها قضية سد النهضة الإثيوبي الكبير وكيفية مجابهة التحديات التي تواجه البلدين خلال المراحل القادمة، وما يثار من معلومات حول المخاطر التي تواجه الدولتين في ظل الحراك الذي يستهدف المنطقة، والتواجد الأجنبي في منطقة القرن الإفريقي.
كان اللقاء الثلاثي لرؤساء الدول الثلاث غاب قوسين أو أدنى من النجاح، ولم ترض جميع الأطراف، والذي وصفه النقاد بأنه دبلوماسي أكثر من كونه عملياً، وأنه لم يعمل على عرض العديد من النقاط، وهنالك نقاط تم تخطيها ومحاولة الدول الثلاث إقناع أنفسهم بأنهم قد توصلوا لنتائج إيجابية تحل كافة القضايا العالقة بين البلدان الثلاثة، وكان يتوقع أن يكون ملف سد النهضة هو الأهم، بالإضافة للخلاف بين السودان ومصر وقضية حلايب وشلاتين والحراك العسكري المصري في إريتريا، وجاهزية السودان له إلا أن مناقشات الرؤساء الثلاثة وعقب نهاية القمة وما توصلت إليه من نتائج توضح أن النتائج التي عرضوها لوسائل الإعلام غير مجدية، ولا تستحق اللقاء أصلاً، وهي عبارة عن تحصيل حاصل في ظل التعتيم على كافة النقاط المتداولة في القمة بين الزعماء الثلاثة.
وتظل العديد من التوقعات حول المراحل القادمة فيما يخص ملف مياه النيل عقب تكوين لجان ستعمل على تقديم تقارير فيما يخص ملف سد النهضة الإثيوبي الكبير، ولكن الشهر القادم كفيل بأن يوضح مدى جدية الحكومات الثلاث للتوصل لحلول سلمية تعمل على معالجة الخلافات السابقة، بما فيها ملف مياه النيل وسد النهضة، وهنا سيكون الدور الإثيوبي هو الأكبر مع إصرار إثيوبيا على توضيح أهمية سد النهضة بانه مشروع للتنمية، الشيء الذي كانت تثير هواجس القاهرة وتحاول أديس أبابا أن تطمئن القاهرة بخصوص المشروع الكبير، ولكن يظل موقف السودان إيجابياً تجاه السد خلال مواقف وتصريحات الحكومة السودانية في كافة المراحل السابقة، وما بين هذا وذاك يظل سد النهضة هو القضية الأساسية بين الدول الثلاث، وبنهاية الخلاف حوله تنتهي كل الخلافات بين إثيوبيا والسودان ومصر.
الاتفاق شمل العديد من النقاط، وأهمها العمل كدولة واحدة ونبذ الخلاف، وحديث الرئيس عبد الفتاح السيسي عقب اللقاء حول أن الدول الثلاث اتفقت للعمل كدولة واحدة، وفيما يبدو أن اللحظات القادمة تنتظر جدية الدول الثلاث لتنفيذ تلك الاتفاقيات التي خرج بها الزعماء على الملأ.
ولا يزال حبر الاتفاق لم يجف بعد، ولكن الأحاديث التي أثيرت حول النقاط التي تم تداولها داخلياً يشوبها نوع من عدم الوضوح، فهنالك موضوع لم يتم التطرق إليه بصورة كبيرة، وهو موضوع سد النهضة وتقارير اللجان الفنية ونقطة الخلاف الأخيرة المتمثلة في المقترح المصري، وهو إدخال البنك الدولي كوسيط الشيء الذي تم رفضه من قِبَل الحكومة الإثيوبية، وكان يتوقع الجميع أن تأخذ هذه النقاط وقتاً طويلاً، ولكن تم إجمالها في اللجان التي تتكون من وزراء المياه والخارجية، والتي ستعمل خلال شهر على تقديم تقرير مفصل حول كيفية التعامل مع هذا الملف.
ولم تتناول القمة أياً من الملفات الأمنية، وخاصة الخلافات حول دعم المعارضة وتمويلها، والكف عن العداء في وسائل الإعلام، بل شملت النقاط أن تعمل الدول كدولة، والتقارب في وجهات النظر بينهما وتأسيس وتمويل صندوق للتنمية من أجل خدمة المناطق الثلاث، وخاصة فيما يتعلق بتأهيل البنية وربط الدول الثلاث بعدد من المشاريع، مثل القطار والطرق البرية والمشاريع التكاملية، وهذه الاتفاقيات التي تعتبر الأقدم فيما يخص العلاقات، وهنالك العديد من المشاريع التي ظلت معلقة بين تلك البلدان، ولم تجد نصيباً من التنفيذ.
توجد العديد من الاتفاقيات التي وقّعت بين مصر والسودان وإثيوبيا ومصر، ولم تجد نصيبها من التنفيذ، مما يؤكد أن تلك الاتفاقيات تحصيل حاصل، وأن توقيعها مجرد حراك ونشاط دبلوماسي ليس إلا.
حضور إعلامي قوي ظل هاجساً أمام الحكومات
شهدت هذه القمة الإفريقية والثلاثية بصورة خاصة حضوراً إعلامياً كبيراً من كافة الدول، وخلال عدة أعوام لم تحضر وسائل الإعلام المصرية بهذه الصورة، وشهدت القمة هذه المرة حضوراً إعلامياً مصرياً مميزاً وكبيراً، وقدمت تغطيات متعددة لكافة الفعاليات وما زالت التغطيات تتواصل، وكانت تغطيات وسائل الإعلام العربية للقمة الإفريقية والقمة الثلاثية وكل ما يدور في إثيوبيا بصورة واسعة، بالإضافة لذلك وجد سد النهضة الإثيوبي صيتاً واسعاً في كافة التغطيات الإعلامية العربية، منها قناة الجزيرة والتلفزيون السوداني وقناة الشروق ووكالة السودان للأنباء، وعدد كبير من الصحف السودانية والمصرية والعربية والنيل، وأون لايف، وبقية القنوات المصرية المتعددة التي قدمت مع الوفد وقبل الوفد الرسمي، والتغطية الخاصة لاتحاد إذاعات الدول العربية التي كانت سباقة كل عام لتغطية فعاليات القمة وبقية تلفزيونات ووكالات الدول العربية والإفريقية.
ومن ناحية الإعلام تعتبر هذه القمة من أكثر النجاحات التي حققت خلال قمة أديس أبابا للاتحاد الإفريقي الأخيرة هي الانفتاح الإعلامي الكبير، ولأول مرة دخل عدد كبير من الإعلاميين العرب والمصريين بصورة خاصة لأديس أبابا، وبالرغم من هذا كان الجميع يرغب في أن يقوم بتسجيل حصيلة كبيرة من المعلومات، خاصة في القمة الثلاثية، الشيء الذي يوضح أن هنالك تعتيماً إعلامياً وحرصاً شديداً من الحكومات الثلاث على عدم تمليك المعلومات بصورة مفصلة للإعلام، بل ظل الإعلام هو الهاجس أمام كافة التحركات الداخلية من القمة وحتى اللقاء الثلاثي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.