عمّن هم وراء ظهري أتحدّث!

إن ديننا لراقٍ عظيم في أحكامه، فلم يعطك السماحية في كل ترهاتك السابقة ودافع عنّي قبل نفسي، واعلم أن الله كبير، ولا شيء أكبر منه، أعطانا سلاحاً عظيماً وهو "دعوة المظلوم"، نصراً لكل المستضعفين في الأرض.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/02 الساعة 04:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/02 الساعة 04:02 بتوقيت غرينتش

لأولئك الذين يتهامسون خلفنا أودُّ أن أوجّه بضعة أسئلة:

يا تُرى مَن أعطاك الحق في انتقاد أسلوبي في الحياة، في العيش أو في الضحك، أو في الحديث، أو في انتقاء علاقاتي، أو طريقة أحلامي، أو حتى في سفاسف أموري؟ ثم تأتي ضاحكاً في وجهي.

مَن أعطاك الحق في التكلم عني؟ أو أن تسخر من شخصي؟ أو أن تطلق أحكاماً على هواك عني بتحليلاتك السلبية؟ ثم تأتي ضاحكاً في وجهي.

مَن أعطاك الحق بأن تتبّع عثراتي وتحلل حركاتي وسكناتي بالطريقة التي تروق لك؟ ثم تأتي ضاحكاً في وجهي.

مَن أعطاك الحق بأن تكون ظالمي بالقول أو تشغل لسانك بأَذيّتي؟ ثم تأتي ضاحكاً في وجهي

لحظة أنا سأجيبك عن تساؤلاتي تلك، لم ولن يكون لك الحق يوماً، ولا تظن أن الله غافل عمّا تحدثت به عنّي؟!

إن ديننا لراقٍ عظيم في أحكامه، فلم يعطك السماحية في كل ترهاتك السابقة ودافع عنّي قبل نفسي، واعلم أن الله كبير، ولا شيء أكبر منه، أعطانا سلاحاً عظيماً وهو "دعوة المظلوم"، نصراً لكل المستضعفين في الأرض.

فالغيبة والنميمة كبيرتان من كبائر الذنوب، والأوجب أن تحذر منهما، يقول الله سبحانه: "وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضا" (سورة الحجرات: 12).

(ممممم) الآن، ماذا لو كان كلامك خاطئاً؟ ماذا لو أنك أنت الشخص الذي يعجّ رأسه بالأحكام السلبية تجاه الناس؟ ماذا لو كان صحيحاً ولا أريدك أن تتحدّث بشيءٍ يخصّني؟ ماذا لو أن الطريقة التي تحدثت بها آذتني ومسّت شيئاً بداخلي؟ ماذا لو كان لسانك أحدّ من سيف تضعه في صدري؟ ماذا لو وضعك الله بذات الموقف.. وذات الشعور؟

ماذا لو أنّك أثَرْت شيئاً لا أصل له من الصحة، يعني ماذا لو أنّك ظلمتني مثلاً؟!

ألهذه الدرجة كنت أضعف من أن تكمّم فاهك؟
أمّا السؤال الأهم: ماذا لو أنك استطعت وشاية علاقات كنت تطمح لها فوصلت إلى الذروة في ذنبك؟

ما أحلاها فرحة شيطانك اليوم!
غيبة قادتني إلى نميمة، يا سلام!
قال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة فتّان"، وقال يحيى بن أبي كثير: ‏يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد السّاحر في شهر.

تخيّل أنك لن تستبرئ لنفسك من إثم الغيبة ما لم تتحلل ممن اغتبته! تخيل فقط.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) رواه البخاري (2449).

ثم هل لديك الجرأة والشجاعة بالحديث معي وجهاً لوجه وبنفس اللهجة والأسلوب الذي اتّبعته بالحديث عنّي دون علمي؟!
هيهات لا أظنُّ أنّ بمقدورك فعل ذلك؛ لأن قلة ثقتك بنفسك لن تسمح لك ونقدك لي لا يتعدى عن كونِه جائراً! فمن يمتلك عقدة النقص يعالجها بالانتقاص من قدر الآخرين، وكما قال أبو الطّيّب المتنبّي:

وإذا أتتك مذمّتي من ناقص ** فهي الشهادة لي بأنّي كامل

بالمناسبة.. أنا لا أجبرك على محبّتي أو التودّد لي، لكن انطق خيراً أو تجمّل بالسكوت، وهناك الكثيرون ما زالوا في محيطي الإيجابي.. صدّقني المشغول لا يُشغَل!

لا وقت لديه ليتحدّث عن لون قميصك أو شكل لباسك أو طريقة شربك للشّاي أو كيف تصلي أو كيف هو أسلوب عيشك أو مقدار الوقت الذي تقضيه على جوالك، أو كيف هي علاقتك بالناس أو حتى إن الحديث قد يصل للون جوربك وغيرها الكثير من تلك التفاهات!

فلانة ليس لديها ذوق في اللباس؛ لأنها كذا، أو فلانة تطلّقت بسبب كذا، أو لم تتزوج لأنها كذا، أو فلانة لم تلد بسبب كذا الله يعوض عليها، لا والله يا أختي تلك قد يكون الله عوّضها بالكثير دون أن ندري، وأنت التي تحتاج العوض في حياتها، ولكنك لَم تدركي بعد!

أو فلان لا يصلي لأن أباه فاسق، أو تصرف معي فلان هكذا بسبب مشاكله مع عائلته أو بسبب ظروفه المادية، أو فلان رسب لأنه محسود، أو فلان مات لأن امرأته تشكو كثيراً أو فلان كُسِرت ساقه خطيّة (خطيئة) علان، أو فلان لم يوفق بوظيفته عقاباً له من الله.. ولَو علِم الخشبُ ما فوق المسمار لعذره!

يا أخي من أنتَ حتى تحكم وتحلّل؟! من أنت؟!
أين أنت من الله؟!

وكن على علم أن الذي تحدث لك عن غيرك سيحين يوماً فيه دورك، لكن انتظر فاسمك مدرج في القائمة إلى إشعار آخر.

ثم هل تدرك حجم الأذى الذي تسببه لغيرك؟ أو حجم السوء الذي تراكم في قلب من تشاركهم الحديث تجاه فلان وعلان؟ هل تدرك حجم التنافر الذي أوجدته بين شخصين بل ربما قد يصل للقطيعة؟ ماذا لو كان كلامك أنت هو القشّة التي قصمت ظهر البعير؟ هل كنت تريد ذلك؟

متى سنقمع هذه الظاهرة التي لا فحوى منها سوى تخريب علاقات الناس ببعضها وتقليل الرصيد العاطفي لمن اغتبته في محيطه؟

أنا عنّي لن أسامح!
(رغم أنك أنت كمن يأكلُ لحمي ميّتاً وتنهشه، وأنا الحسنات تأتيني دون تعب وعلى طبق من ذهب)، وهو جلّ في علاه من أعطاني ذلك الحق وخيّرني وأنا اخترت: "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" [الشورى: 40].

ولا تنسى فإن الظلم ظُلمات يوم القيامة، وكُثر هم من ينتظرون ذلك اليوم!

لحظة من فضلك: لا تقارن قلبي بقلبك.
جُبلت القلوب بالقدر الذي تستطيع احتماله.

إن سلامة الصدر شيء جميل جداً، وهي نعمة كبيرة من الله، فصدري سليم ولله الحمد.
لن أتمنى لك الشر، ولن أؤذيك، ولن أتحدث عنك بالمثل، وليس بالضرورة أن أقطعك، لكنّي لن أسامحك فقط، سأستخدم جمال قلبي في الحالات التي تستحق، فلن أفسد جماله ليتمادى المفسدون في الأرض.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لست بِخِبٍّ ولا يخدعني الخِبُّ"، يعني لست من الخُبث بحيث أَخدَع، ولا من السذاجة بحيث أُخدَع، هكذا يجب أن يكون المؤمن كيّساً فطناً!

قم فقد خلقك الله في هذه الأرض لغاياتٍ أسمى من الحديث خلف البشر، ستبقى خلْفهم دائماً إن بقيت خلْف لسانك.

وإن لم تستطِع أن تتقدّم على لسانك تصدّق كثيراً أعانك الله على إصلاح قلبك.

إنّي لستُ بهذه القسوة، لكن استهانة الناس في الحديث عن الغير كما العلكة يلوكونها بين فكوكهم دون أدنى تأنيب ضمير، والحال السيّئ الذي وصلت له مجتمعاتنا مؤلم، مؤلم جداً.. فواأسفاه!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد