فيلم أميركي جديد: الملكة فكتوريا والطباخ الهندي عبد الكريم

وفوجئت بأن واحداً من الأحفاد في كراتشي يحتفظ بمذكرات ضخمة كتبها عبد الكريم عن سنواته في بريطانيا، وفيها قوله للملكة، بعد أقل من عام، إنه اشتاق إلى الهند وإلى زوجته، ويريد أن يعود إليها، لكن، رفضت الملكة طلبه، وأمرت بأن يحضر الزوجة (ووالدتها) إلى بريطانيا؛ ليكونا ضيفين دائمين في القصر الملكي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/27 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/27 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش

تعرض كثير من دور السينما الأميركية الفيلم الأميركي الجديد: "فكتوريا وعبدل" (الملكة فكتوريا، ملكة بريطانيا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وعبد الكريم، موظف هندي مسلم، ساقته الأقدار إلى بريطانيا، خلال استعمار بريطانيا للهند؛ حيث قابل الملكة إليزابيث، التي أعجبت به أيما إعجاب).

لكن توجد قصة وراء قصة الفيلم، وربما لا تقل إثارة عن قصة الفيلم.
في عام 2003، زارت شرباني باسو، صحفية هندية هاجرت إلى بريطانيا، قصر الملكة فيكتوريا في جزيرة وايت، وشاهدت صوراً لهندي كان يعمل طباخاً وخادماً للمملكة.

حسب اللوحات، اسمه عبد الكريم، وكان يطبخ للملكة طعامها المفضل: "كاري دجاج مع خبز دال".

تذكرت الصحفية أنها كانت قرأت عن هذا الطباخ في كتاب عن فنون الطعام في قصور الملكة فيكتوريا، لكن، لاحظت الصحفية أن صور الطباخ لرجل وسيم وأنيق (وليس في ملابس طباخ).

وفي صحبة الملكة (وليس في المطبخ)، ويشرف على الحفلات (وليس طباخاً عادياً)، وأحياناً تخدمه بريطانيات (وليس هو الذي يخدمهن)، وغمرتها الدهشة والإثارة.

زارت الصحفية الهند مرات كثيرة، وزارت قصوراً في بريطانيا، ومتاحف، ومكتبات، وجمعت معلومات عن "عبد الكريم"، وعرفت أنه كان موظفاً في الهند، (عمره 24 عاماً)، عندما اختير ليسافر إلى بريطانيا؛ ليشترك في إعداد مهرجان عن الإمبراطورية (التي لم تكن الشمس تغرب عن أراضيها).

لكن خلال فترة قصيرة، وبسبب إعجاب غير عادي من جانب الملكة، صار عبد الكريم مقرباً جداً منها، وأثار استغراب وحسد ابن الملكة (الملك إدوارد السابع في وقت لاحق)، وأثار استغراب، وغضب، الخدم والحشم، بل ذات مرة هددوا الملكة بأنهم سيقدمون استقالات جماعية إذا لم تطرد عبد الكريم من القصر، وتعيده إلى الهند.

لكن رفضت الملكة وهددت بفصلهم هم، وكان عبد الكريم بجوارها عندما توفّيت (عام 1901)، لكن سارع الملك الجديد وطرد عبد الكريم (وزوجته، وأمها) ليس من القصر فقط، ولكن أيضاً من بريطانيا، وأعادهم إلى الهند، وأحرق كل شيء له صلة بهم.

تقول الصحفية: "ربما لهذا لا توجد معلومات كثيرة عنه، حرق الملك إدوارد كل شيء عنه، ومنع الإشارة إليه، خيراً أو شراً، وأمر بشطب اسمه من مذكرات الملكة، ومن سجلات القصور الملكية، وحرق خطابات كانا يتبادلانها".

لهذا حتى اليوم لا توجد معلومات عن عبد الكريم في الوثائق الملكية البريطانية، وإذا وجدت، تصفه بأنه هندي مسلم فاسد، وانتهازي، واستغل عطف الملكة عليه.

لكن واصلت الصحفية جهودها لجمع مزيد من المعلومات عنه، وذهبت إلى قصر وندسور (حيث بعض وثائق الملكة فكتوريا)، وقرأت ما تسمى "ملفات الملكة فكتوريا الهندية"، وهي أوراق وكتب عن دراستها لثقافات الهند، وخاصة محاولاتها إجادة اللغة الأردية.

وفي الأوراق إشارة إلى أن مدرس الملكة كان اسمه عبد الكريم ("الطباخ").

وتوجد صورة للملكة (عام 1880) جالسة تكتب في مكتبها، وعبد الكريم واقف قربها (بدين، وبلحية كثيفة).

وقالت الصحفية: "كنت أول من درس هذه الأوراق الهندية، ويبدو أن أحداً لم يفتحها منذ 100 عام، ربما لأنها باللغة الأردية، وكل الذين كتبوا عن الملكة فكتوريا لم يكونوا يعرفون اللغة الأردية، فتحاشوها".

لكن، كانت هناك أوراق كتبتها الملكة فكتوريا عن مدرسها، في الحقيقة، أوراق كثيرة جداً، تتكون من 13 جزءاً، عن مدرسها، وعائلته، وتبادل أحاديث بينهما، وزيارتها له في المستشفى عندما مرض، وحفلات شاي لها أعدتها زوجة عبد الكريم.

قالت الصحفية: "لم يهمل المؤرخون البريطانيون فقط علاقة الملكة فكتوريا بهذا الهندي المسلم، بل أيضاً، أهملوا الجانب الإنساني فيها، أهملوا حبّها للهند (طبعاً، رغم استعمار بريطانيا لها)، وأهملوا نظرتها إلى عبد الكريم كرجل يتساوى معها. أيضا، نظرتها إلى زوجته، التي لم تخلع النقاب، ولم تكشف وجهها (أيضاً في الفيلم)".
ذهبت الصحفية، في واحدة من زياراتها إلى الهند، إلى أغرا، التي وُلد فيها عبد الكريم، ثم عاد إليها بعد أن طرده الملك، ثم دفن فيها، لم ينجب عبد الكريم، وترك أولاد أخ. وتابعت الصحفية الأحفاد حتى كراتشي، تسأل عن عبد الكريم.

وفوجئت بأن واحداً من الأحفاد في كراتشي يحتفظ بمذكرات ضخمة كتبها عبد الكريم عن سنواته في بريطانيا، وفيها قوله للملكة، بعد أقل من عام، إنه اشتاق إلى الهند وإلى زوجته، ويريد أن يعود إليها، لكن، رفضت الملكة طلبه، وأمرت بأن يحضر الزوجة (ووالدتها) إلى بريطانيا؛ ليكونا ضيفين دائمين في القصر الملكي.

وهناك خطابات بخط الملكة فكتوريا إلى "صديقي العزيز"، ومن "والدتك المحبة".

نفت الصحفية وجود أي إشارة إلى علاقة جنسية بين الملكة وعبد الكريم، وقالت: إن العلاقة كانت إنسانية جداً، أظهرت الملكة حبّها له كامراة في عمر والدته، ولم يهَبها عبد الكريم، وعاملها وكأنها، نعم، والدته".

جاء في واحد من خطابات الملكة إلى عبد الكريم عن عدم قدرته وزوجته على الإنجاب: "أنصحكما أن تنتظرا ذلك اليوم من الشهر (وقت العادة الشهرية) لتضمنا أنكما ستنجبان".
لم ينجبا، لكن، لا بأس، احتفظ باكستاني من أحفادهما بالوثائق التي كذبت عمالقة المؤرخين البريطانيين.

وأخيراً، انتقد الفيلم عدداً من المعلقين، وقال بعضهم إنه أهمل حقيقة أن الهند كانت مستعمرة بريطانية، لكن قال آخرون: إن ذلك لا ينفي وجود هذه العلاقة الإنسانية القوية بين الملكة وطباخ مسلم من الهند. ويعود الفضل في كشفها ونشرها لهذه الصحافية، ولهذا الفيلم.
==============

short video from the movie

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد