أنا وجارتي تاجرة الحشيش!

أعلم أنه لا ينبغي للمرء أن يعامل الناس بما يعاملونه، ولكن عليه أن يعاملهم بما يريدهم أن يعاملوه، ولكن في لحظة غضب سينهار كل ما تؤمن به

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/05 الساعة 08:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/05 الساعة 08:32 بتوقيت غرينتش

كانت ضخمة الجثة، لها هيبة، صوتها كصرير الباب في أذني، السجائر في فمها كالعلكة في فم فتاة تعشق السكاكر، عبارات السب واللعن تجري على لسانها كما يجري اللعاب.. طيلة عامين لم تبادلني التحية ولم ترفع عينها لعيني، وكأني "بحجابي" كومة قمامة!

وطالما هذا هو الحال، فلم أبادر أبداً بإلقاء التحية أو ما شابه من عبارات "صباح الخير" و" مساء الخير" المعهودة بين جيران البناية.. وكأننا اتفقنا على ألا نتفق.

وبمرور الوقت صار خوفي منها في زيادة، خصوصاً بعدما رددت جارتي الأوروبية أن جارتنا هذه من الأميركان العنصريين المتغطرسين وتفتقر للذوق؛ حيث أمرت بناتها بالانصراف عن بنات الأوروبية "التي تتحدث الإنكليزية الركيكة"؛ لأنهما ليستا أميركيتان مثل بناتها.. هكذا نهرت الفتاتين أمام أُمهما دون أن يرمش لها جفن؛ ناهيك عن زوار الليل كل مساء أمام بابها يحتسون الخمور ويدخنون الماريغوانا ويتبادلون النكات بصوت يرجرج سكون الليل حتى في أشد ليالي الشتاء برودة.

حكوا لي مرة أن الإسعاف أتى ليلاً ذات مره لحمل زوجها بعد شجار عنيف بينهما وزعموا أنها انهالت على زوجها ضرباً حتى كسرت ذراعه، مما زاد رعبي منها، كنت حتى أتحاشى النظر إليها، بل كنت أخاف المروق إلى شرفتي التي تطل على مكان وقفاتها وزبائنها المفضل.. هل هذا عدل يا ناس؟!

وذات مرة كنت أعبر الشارع بصغاري، وبحكم قانون المرور فإن المترجلين لهم أولوية الطريق، ومع هذا عبر زوجها الشارع وكاد يدهس صغيري، ولم ينظر ولم يتأسف أو حتى يلوح بيده معبراً عن أسفه.. أبداً لم يحدث.

زاد حنقي وشعرت بالمهانة، فهي لا تسمح لأي من سكان البناية بالمرور أمام منزلها "حيث تمتطي فتياتها الدراجات" بسرعة أكثر من خمسة أميال في الساعة ولو غفل أحدهم وتجاوز السرعة "التي سمحت بها هي" كالت له السباب بأقذر الألفاظ، وكان سؤالي: من أين تكسب تلك المتسكعة رزقها كي تدفع إيجارها في منطقة راقية كهذه؟ وكيف تسمح لنفسها بسباب الناس ولعنهم دون رادع لها؟

لا أنكر أنه بعد ما كاد زوجها يدهس صغيري كنت أحلم باليوم الذي أقتلها أو أضربها أو أسبها فيه، وأعلم أني كل ما أملكه هو فقط الحلم ولا أكثر من ذلك.

ومرت أيام قليلة وخرجت إلى شرفتي.. وهي كالعادة مع زبائنها بالشارع يد بها سيجارة تنفث دخانها في مزيج من الكبر والامتعاض، ويد أخرى بها مشروب طاقة أو ربما مشروب روحي.. خليط جعلها تهذي بوابل من الشتائم لجارنا المسكين الذي أخطأ وتجاوز السرعة المسموحة وهو يمرق الجراج.

كدت أتميز من الغيظ.. حاولت التجاهل وساعدني في ذلك أن صغيري دلف إلى الشرفه خلفي وراح يلقي ما بيده من لعب وورق من الشرفة، وبينما التفتّ له كي أوقفه ندهتني لأول مرة منذ عامين؛ لتقول لي بلهجة آمرة تخلو من الأدب قبل الذوق: "ألن تأتي لتلملي ما ألقاه ابنك؟".. نظرت لها شذراً ولم أعلم من أين أتيت بتلك القوة "الزائفة" فأنا شخص في حالي و"أعيش جنب الحيط" كما يقولون، ولكني رددت لها اللكمة ورددت بأسلوب فج وأكثر فظاظة: "وما شأنك أنت؟".

أعلم أنه لا ينبغي للمرء أن يعامل الناس بما يعاملونه، ولكن عليه أن يعاملهم بما يريدهم أن يعاملوه، ولكن في لحظة غضب سينهار كل ما تؤمن به، وصدقاً أنا لست من ذاك النوع من النساء اللواتي يتتبعن الأخريات ولم أكن أعلم صدقاً أن ابني ألقى بلعبه وأوراقه أمام باب بيتها، الذي هو أسفل شرفتي بالضبط "هذه ما اكتشفته لاحقاً"!

وشكانا الجيران أننا تعاركنا وتبادلنا السباب مع أنه فقط كل ما قلته: "إن كنتِ تريدين أن ألملم ما ألقي ابني فسأعطيك خمسة دولارات ولتفعلي أنت ذلك".. ويُهيأ لي أني كنت وقتها مثلي مثل ذاك الضعيف ذي الجسد الواهن الذي اعترض طريق محمد صبحي الممثل طويل القامة عريض المنكبين في مسرحية الهمجي، وقال له "ما تقدااااااررررررشششششش"..

كم كانت شاقة ومستحيلة تلك الـ"ما تقداااااارررررششششش".. كم ذرفت من دموع الندم بعدها وكم انتابتني القشعريرة وأنا يُخيّل إليّ أنها آتية لا محالة لتقتلني وأنا مستلقية ونائمة في مضجعي، أو ربما اعترضت طريقي وأنا عائدة من المتجر وكتمت أنفاسي حتى ألفظ آخرها.. أو ربما رشقتني برصاصة طائشة وأنا في طريقي للمسجد جوار بيتي، وإن فعلت فليس لي دية.. فقد أخبرتني مديرة البناية أن تلك الجارة لها صلات جيدة بشرطة المنطقة، وأبلغت أكثر من مرة عن حادث سرقة بالبنك على ناصية الشارع وأفشلوا المحاولة بفضل جهودها ومراقبتها، والبديهي لمن يقرأ قصتي أنها تُبلِغ عن شركائها وأصدقائها "السابقين".

وما توقعته قد كان، كنت عائدة ذات يوم من المتجر ورشقوني "ليس برصاصة.. حمداً لله" ولكن بحجارة صغيرة ألقوها بنبلة.. لم ألتفت ورائي، ولكن عزمت أن أؤمّن نفسي فكان لديّ بريد إلكتروني خاص بأحد ضباط شرطة المنطقة وجدته في صفحة فيسبوك الخاصة بهم، وأرسلت له رسالة عن نفسي وعن جارتي وعن مشاجرتنا وعن خوفي منها وعن احتمال أن تضرني.. ولم أكن أتوقع أن يرد على خطابي أصلاً، لكن رددت لنفسي أنه على الأقل إن لم يساعدني فسيعرف حكايتي وربما يعلم فيم قُتِلت "إن قتلتني تلك الخنزيرة"!

وعلى عكس المتوقع رد عليّ الضابط، ولكنه قال لي: "أنا لا أفهم من روايتك شيئاً.. ولا ينبغي عليك القلق أصلاً".

وبعدها ولأول مرة منذ عامين وجدت سيارة لا تتزحزح من أمام شرفتي.. ولأول مرة منذ سكنت تلك البناية اللعينة قرع أحدهم بابي ليبيعني الجرائد، وهذا شبه مستحيل مع الأبواب الموصدة إلكترونياً على بوابات البناية.

وصادف أن عقد الإيجار خاصتي قد انتهى وشبه تلميحات أنه لن يتم تجديد العقد، ورغم ما في ذلك من " لخبطة" لحياتي وروتيني المعتاد، إلا أنه حتماً الحل الأفضل في تلك المرحلة الغامضة والمريبة من حياتي، ولكن بعدها بأيام قلائل انقطعت الضحكات أمام شرفتي؛ إذ لم تعد تتسكع مع زبائنها أمام بيتي، بل والأدهى من ذلك أنني وجدتها هي من تنقل أغراضها وتستعد للرحيل بينما أنا جددوا لي العقد لعام آخر مع رفع الإيجار مبلغاً ليس بالكثير نسبياً، وكل ما أذكره لطف مديرة البناية بعدما شكوت لها كل ما حدث، واستشعرت خوفي الشديد من وجود تلك الجارة في البناية.. وكل ما قالته: "أنتم نزلاء طيبون وجيدون حقاً".. لأجد بعد شهور قليلة أن بنايتنا قد زاحمنا فيها جيران مسلمون آخرون ممن يعيشون "جنب الحيط".. ولكن لا أعتقد أن لديهم الشجاعة ليقولوا تلك الـ"ما تقداااااررررررشششششش"..

قليل من الشجاعة قد يضر حيناً، ولكنه حتماً سيفيد في كثير من الأحيان.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد