علموا أنه يصيب بأمراض القلب وسرطان المثانة.. مصنعو السكر يبذلون جهداً لإخفاء الآثار الصحية له

قبل حوالي 50 عاماً، أوقف القائمون على صناعة السكر تمويل الأبحاث التي بدأت تُظهِر شيئاً أرادوا إخفاءَه: وهو أنَّ تناول الكثير من السكر يرتبط بالإصابة بأمراض القلب.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/26 الساعة 07:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/26 الساعة 07:29 بتوقيت غرينتش

قبل حوالي 50 عاماً، أوقف القائمون على صناعة السكر تمويل الأبحاث التي بدأت تُظهِر شيئاً أرادوا إخفاءَه: وهو أنَّ تناول الكثير من السكر يرتبط بالإصابة بأمراض القلب.

السكر أحد أكثر المكونات ضرراً بالجسم؛ ليس فقط لاحتوائه على كمية هائلة من السعرات الحرارية، بل لتأثيره السيئ في عملية التمثيل الغذائي، ورفع نسبة الكوليسترول بالدم ومقاومة الإنسولين وتراكم الدهون في مناطق خطيرة، منها الكبد والبطن، ما يؤدي للإصابة بأمراض كثيرة، منها أمراض القلب والسكري والسمنة والسرطان.

اهتم المسوقون باحتياجات المستهلك، فلجأوا إلى إيجاد بدائل للسكر بعد موجة التوعية بمخاطره، بحسب موقع Health line ،ثم أوهموا المستهلك بأنها أكثر فائدة باعتبارها المخلّص من مخاطر السكر المتعددة

وتكشف دراسة جديدة نشرها موقع The verge الأميركي عن الجهد الذي يبذله القائمون على صناعة السكر منذ عقود لإسكات صوت الأبحاث الناقدة له.

حلل باحثون في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو حديثاً وثائق تاريخية تتعلق بدراسة أُجريت على فأر تحمل اسم "مشروع 259" تم تدشينها عام 1968.

وقد جرى تمويل الدراسة من جانب مجموعةٍ تجارية تعمل في صناعة السكر تُسمَّى "المؤسسة الدولية لبحوث السكر"، وتُسمى اختصاراً ISRF، أجراها الدكتور دبليو. إف. بوفر بجامعة برمنغهام.

حين بدأت النتائج الأولية المنبثقة عن الدراسة تُظهِر أن تناول كميات كبيرة من السكر يمكن أن يكون ذا صلة بالإصابة بأمراض القلب، بل وحتى سرطان المثانة، أوقفت المؤسسة تمويل البحث، مما أدى إلى إنهاء الدراسة ولم ترَ نتائجها النور أبداً، وذلك وفقاً لدراسة نُشِرت الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، في دورية PLOS Bioogy.

وفي 2016، أظهرت نفس مجموعة الباحثين في جامعة كاليفورنيا أنَّ المؤسسة الدولية لبحوث السكر دفعت في الستينيات أيضاً أموالاً لعلماء في جامعة هارفرد لإضفاء الغموض على العلاقة بين السكر والإصابة بأمراض القلب، ودفعتهم إلى تحميل مسؤولية الإصابة بأمراض القلب إلى الدهون المشبعة بدلاً من السكر.

وتضيف الدراسة التي نُشِرَت في دورية "PLOS Biology" المزيد من الأدلة على أنَّ القائمين على صناعة السكر، بأموالهم التي يخصَّصونها للأبحاث، قد ساعدوا في صرف انتباه الرأي العام عن الآثار الصحية السلبية المحتملة التي قد تنتج عن استهلاك السكريات المضافة.

وفي هذا السياق، يقول ستانتون غلانتز، أستاذ الطب في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو وأحد المشاركين في تأليف الدراسة: "لو كان مشروع 259 قد اكتمل ونُشِرت نتائجه لكان قد أعطى دفعةً للنقاش العلمي العام حول العلاقة بين السكر والإصابة بأمراض القلب، لكنَّ القائمين على صناعة السكر حالوا دون ذلك؛ وهو ما ساعد في حرف مسار هذه القضية لفترةٍ طويلة جداً".

ويعَد البحث في الآثار الصحية لبعض الأطعمة أمراً حيوياً؛ إذ يساعد في تشكيل المبادئ التوجيهية الغذائية للحكومات الفيدرالية، التي تُورِد التوصيات حول ما ينبغي للأميركيين تناوله للوقاية من الأمراض.

لكنَّ علم التغذية يتأثر أحياناً بالمجموعات الصناعية التي لها مصلحة في النتائج؛ ففي عام 2015، أفادت صحيفة نيويورك تايمز أنَّ كوكاكولا قدَّمت أموالاً لعلماء من أجل صرف أنظار الرأي العام عن الصلة بين المشروبات السكرية والسِمنة.

وذكرت وكالة أنباء أسوشيتد برس في 2016 أيضاً أنَّ صُنَّاع الحلوى موَّلوا هم أيضاً أبحاثاً وهمية، فأظهرت إحدى الدراسات أنَّ الأطفال الذين يتناولون الحلوى يكون وزنهم أقل ممن لا يتناولونها.

وترى ماريون نستله، أستاذة التغذية ودراسات الغذاء والصحة العامة في جامعة نيويورك، أنَّ الأبحاث المُموَّلة من القائمين على الصناعات غالباً ما تُظهِر نتائج تتسق مع مصالح الممولين، وتؤلِّف ماريون كتاباً في الوقت الراهن عن هذا الموضوع. ووفقاً لماريون، ينطبق هذا أيضاً على الشركات الدوائية المعروفة بعملها على منع انتشار الأبحاث التي تُظهِر نتائج غير مرغوبة لها.

وتبحث الدراسة محل النقاش العلاقة بين السكريات وبعض دهون الدم التي تُسمى الدهون الثلاثية، والتي تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب.

وقد أشارت النتائج الأولية للبحث المُسمَّى "مشروع 259" إلى أنَّ الفئران التي تتبع نظاماً غذائياً به نسبة سكر عالية، بدلاً من نظام يحتوي النشا، كان لديها مستوى أعلى من الدهون الثلاثية. وكان لدى الفئران التي تناولت كميات كبيرة من السكر أيضاً مستويات أعلى من إنزيم يُسمَّى بيتا غلوكورونيداز في البول، والذي كان يُعتقَد حينها أنَّه ذو صلة محتملة بسرطان المثانة، وذلك وفقاً لكريستين كيرنز، الأستاذة المساعدة في كلية طب الأسنان بجامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، والتي شاركت في كتابة الدراسة.

وقد وُصِفَت النتائج بأنَّها "واحدة من أولى تجليات وجود فرق بيولوجي بين الفئران التي جرت تغذيتها بالسكروز والتي جرت تغذيتها بالنشا"، وفقاً للوثائق الداخلية التي راجعها باحثون من جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو.

ووفقاً للباحثين، أوقفت المؤسسة دعم الدراسة بعد تمويلها لمدة 27 شهراً، وبذلك لم تكتمل الدراسة أبداً ولم تُنشَر نتائجها،. وقد صرَّحت ماريون لموقع The Verge قائلةً: "لماذا تراهم سيرغبون في تمويل بحثٍ من شأنه أن يعارض مصالحهم؟ ليس ثمة ما يدفعهم لذلك".

وفي تصريحٍ للموقع ذاته، انتقدت المؤسسة الورقة البحثية التي نشرتها الدورية، ووصفتها بأنَّها "وجهة نظر" وليست دراسة. وقالت المؤسسة إنَّ مشروع 259 قد انتهى لأنَّه تأخَّر بشكلٍ كبير ما أدى إلى خروجه عن الميزانية المرصودة له. وأضافت المؤسسة أنَّ تبنَّت نهج البحث العلمي والابتكار طوال تاريخها في محاولةٍ لتعلم أكبر قدرٍ ممكن عن السكر، والنظام الغذائي، والصحة.

ومن المستحيل الجزم بما إذا كانت النتائج الأولية التي توصل إليها المشروع ستتأكَّد في حال استمر البحث. فنحن نعرف اليوم أنَّ تناول الكثير من السكريات المضافة في المشروبات الغازية والحلوى والحبوب على سبيل المثال يزيد من خطر الموت جرَّاء الإصابة بمرض القلب.

ومع ذلك، "لم يظهر بعد أي دليل بارز على أنَّ السكر سبب لسرطان المثانة أو غيره من أنواع السرطان لدى البشر"، كما قال لوالتر ويليت، بروفيسور علم الأوبئة والتغذية في كلية تي إتش تشان للصحة العامة بجامعة هارفارد، والذي لم يشارك في الدراسة. وقال ويليت في بريد إلكتروني أرسله إلى The Verge: "هذا البحث الذي أُجري على الفئران يتعلق بصورة غير مباشرة جداً بالسرطان لدى البشر، ولا يمكن أن يكون قد أثَّر على النتائج بصورة ملموسة حينها أو الآن".

ومع ذلك، وفي الوقت الحالي، كانت النتائج الأولية مثيرة بما يكفي لتبرير إجراء المزيد من البحث. لكن وفقاً لمزاعم الباحثين في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، سحب لقائمين على صناعة السكر البساط من تحت الدراسة لأنَّهم لم يكونوا مرتاحين للاتجاه الذي تسير فيه النتائج. وتقول ماريون موافقةً على هذا الرأي: "الأمر لا يتعلق بالعلم، وإنما بالتسويق. فلو كان الأمر ذا صلة بالعلم، لكانوا أكملوا الدراسة".

علامات:
تحميل المزيد