أغلب ضحاياها من القُصَّر.. غرق السفينة المصرية يقضي على أحلام أطفال رغبوا في الانضمام لمدارس أوروبا

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/23 الساعة 09:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/23 الساعة 09:07 بتوقيت غرينتش

"أنا اللي كتبت شهادة وفاة ابني وعياله"، تقول والدة أحد ضحايا "موكب الرسول1″، مركب الهجرة غير الشرعية الذي غرق الأربعاء 21 سبتمبر/أيلول 2016 قبالة سواحل مدينة رشيد المصرية بينما كان يحمل نحو 650 شخص، وهي تبكي ابنها الذي كان معه زوجته وأبناؤه الثلاثة.

"أنا اللي رحت ومضيت على الشيكات حتى يسافر، ولم أقدر على منعه بعد أن عجز عن توفير مصاريف أسرته منذ أكثر من سنة، فهو يعمل نقاشاً والحال واقف، وقال لي يا أمي أنا كده كده ميت، خليني أجرب السكة دي وخفت على زعله"، تحكي زوجة الحاج جمال علي لـ"عربي بوست" وهي تنتظر معرفة مصير باقي أفراد الأسرة المنكوبة.. لكن لماذا كان فوق المركب أطفال كثر؟

محمد إبراهيم، أحد الباحثين عن ذويهم من محافظة المنوفية، قال لـ"عربي بوست"، إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا أصبحت منتشرة في مصر بين صغار السن ممن هم دون الثامنة عشرة، "وحتى من هم أكبر من هذا السن دائماً ما يصطحبون معهم أبناءهم الصغار، للاستفادة من تصاريح الإقامة المؤقتة التي تمنحها إيطاليا للأطفال".

وأضاف أنه علم أن هناك مدارس تابعة للاتحاد الأوربي مخصصة للأطفال المهاجرين واللاجئين، حيث يتم منح الطفل إقامة داخل أوروبا حتى يصل إلى سن الـ18 عاماً، ثم يتم بعد ذلك تركهم فترة للبحث عن عمل يتم نقل الإقامة عليه.

وتابع إبراهيم: "يتم منح كل طفل 50 يورو شهرياً، غير تحمّل الاتحاد الأوربي كل تكاليف الإقامة من مأكل ومشرب وملبس ومصاريف دراسة، بل ويتم منح والد ووالدة الطفل إذا ما تواجدوا معه مسكناً خاصاً بهم وتصريح إقامة حتى بلوغ أطفالهم سن الـ18 عاماً، وما ينشره من نجح في الوصول إلى إيطاليا من صور على صفحات فيسبوك وغيره تغري الشباب من القرى، وتجعل السفر حلم حياتهم، ولو عبر طريق الموت".

هجرة الأطفال

محمد سعيد، نائب مأمور مركز رشيد، كشف أثناء حديثه مع ذوي الضحايا المنتظرين لانتشال جثث ذويهم، أن "90% من ضحايا المركب من المصريين هم أطفال لا تتجاوز أعمارهم 16 عاماً"، وهو ما تطابق مع روايات أهالي الضحايا الموجودين عن أعمار ذويهم، حيث أكدوا أن هجرة الأطفال منتشرة بكثافة لسهولة حصولهم على أوراق إقامة مؤقتة داخل إيطاليا.

وأسفرت رحلة بحث زوجة الحاج جمال علي عن أسرة ابنه علي وزوجته غادة وأبنائهم الثلاثة: جمال (6 سنوات)، وميادة (سنتان)، وأحمد (4 سنوات)، عن العثور على جثة الزوجة غادة داخل مشرحة رشيد، ثم وجد جثة ميادة بأحد مستشفيات البحيرة.

ورغم مرور 48 ساعة على حادث غرق مركب "موكب الرسول1" الذي كان يحمل على متنه نحو 650 من المهاجرين بطريقة غير شرعية، فإن ملامح المأساة لا تزال لم تتضح لأكبر كارثة غرق من نوعها بمصر خلال الفترة الأخيرة.

مات الصبي اليتيم

أمام مركز خفر السواحل بقرية برج رشيد التابعة لمحافظة البحيرة( على ساحل البحر المتوسط) حيث آخر نقاط حرس الحدود قبل اتصال مياه نهر النيل مع البحر، وقبل أمتار من بوغاز رشيد الذي غرق المركب على بعد 12 كيلومتراً منه داخل مياه البحر، وجدنا أهالي الضحايا من مختلف محافظات مصر، بين انتظار معرفة مصير ذويهم والتعرف على الجثث التي تم انتشالها حتى الآن، واستلام الجثامين من المشرحة.. وقد رووا لنا قصصاً ترسم ملامح المأساة.

"عاش يتيما ومات وحيداً".. يقول جد حزين عن حفيده الصبي محمد محمد معوض من المنوفية، الذي لم يكمل عامه الـ16، "توفي والده منذ أعوام طويلة، وأمه تركته لي بعد أن تزوجت من رجل آخر، فعاش حفيدي طوال حياته يحلم بالسفر إلى إيطاليا بعد أن شاهد أبناء قريته ينشرون صورهم من هناك، وأنا كنت أعمل قدر ما أستطيع معه، ولكن ظروفي وإمكانياتي محدودة".

ضحية حلم

وبجوار نقطة حرس الحدود جلس محمد حسين، من إحدى محافظات الصعيد، يبكي إخوته الأربعة الذين فقدهم مرة واحدة على متن المركب، ولكنه لم يتمكن من الحديث عن تفاصيل ما حدث، فقد غلبته الدموع.

المفاجأة التي فجّرها محمد سعيد، نائب مأمور مركز رشيد، أثناء حديثه مع ذوي الضحايا المنتظرين لانتشال جثث ذويهم، هي أن 90% من ضحايا المركب من المصريين أطفال لا تتجاوز أعمارهم 16 عاماً، وهو ما تطابق مع روايات أهالي الضحايا الموجودين عن أعمار ذويهم، حيث أكدوا أن هجرة الأطفال منتشرة بكثافة لسهولة حصولهم على أوراق إقامة مؤقتة داخل إيطاليا.

حجم الكارثة

ملامح المأساة على وجوه الجميع في قرية برج رشيد، حيث يفترش أهالي الضحايا الأرض انتظاراً لوصول جثامين جديدة للتعرف عليها، لم يجدوا ذويهم بين الناجين، أو بين الجثث التي تملأ ثلاجات مستشفيات محافظة البحيرة.

وقد أخبرهم محمد سعيد، نائب مأمور مركز رشيد، بأن "الكارثة ليست من محافظة واحدة فقط، لكن الضحايا من محافظات كثيرة، ونحن نقوم بتصوير جميع الجثث التي لدينا من المصريين بعد أخذ عينة الحامض النووي لها، ونقوم بتوزيعها على مديريات الأمن للمحافظات التي نما إلى علمنا وجود ضحايا منها".

وعن الحجم الحقيقي للكارثة وعدد الضحايا يقول أحد رجال الأمن بقسم رشيد، محمد سمير أمين: "ليست لدينا قائمة كاملة لمن كانوا على المركب، إلا أننا قمنا بتسجيل أسماء الناجين الـ163، كما سجلنا أسماء الضحايا الذين تم التعرف على جثثهم من قبل ذويهم من بين 133 جثة تم انتشالها حتى الجمعة 23 سبتمبر/أيلول 2016، وكذلك نقوم بحصر أسماء الضحايا الذين كانوا على المركب عن طريق الأهل الذين حضروا للبحث عن أبنائهم، وحتى الآن إجمالي من تم حصره 450 اسماً، بينهم 110 من الأفارقة الذين تم التعرف عليهم من خلال 34 ناجياً إفريقياً".

الغرق بعد خلاف بين المهربين

وأكد أمين في تصريحات لـ"عربي بوست"، أن المتهمين الأربعة الذين تم القبض عليهم على متن السفينة الغارقة أكدوا أن إجمالي من كان على المركب يصل عددهم إلى 650 راكباً أغلبهم من المصريين، وهو ما يعني أنه لايزال هناك حوالي 200 اسم من ضمن ضحايا المركب لا نعلم بياناتهم، والأقرب أن يكونوا من الأفارقة الذين ليس لديهم أقارب من الناجين أو الباحثين عن ذويهم".

وذكر رجل الأمن أن جميع شهادات الناجين والمتهمين الذين تم القبض عليهم، أكدت أنه كان هناك مركبان يحملان هذا العدد من راغبي الهجرة، إلا أنه حدث خلاف بين صاحب أحدهما مع منظمي رحلة الهجرة غير الشرعية فرفض إكمال الرحلة، وقام بإنزال الركاب الذين معه على متن المركب الآخر، الذي لم يستطع الصمود داخل البحر بهذا العدد من الركاب وغرق بعد نصف ساعة تقريباً من إنزال الركاب الجدد عليها.

مصر أصبحت البوابة الأولى للهجرة

ويبدو أن ما يتم الإعلان عنه من قبل الأجهزة الأمنية من إفشال رحلات الهجرة لا يمثل إلا جزءاً يسيراً من الصورة، وهذا ما ذكره أحد ضباط مباحث شرطة رشيد – رفض الإفصاح عن اسمه – مشيراً إلى أن مصر باتت البوابة الأكثر رواجاً لخروج السفن المهاجرة، حيث قال: "نحن نحبط أكثر من 20 رحلة هجرة في الشهر الواحد تقريباً، وهذا لا يمثل أكثر من 50% على الحد الأقصى للرحلات التي يتم تنظيمها من محيط بوغاز رشيد الذي يعد النقطة الأسهل في السفر".

وأكد ضابط المباحث لـ"عربي بوست" أن دور الشرطة يقتصر على محاربة تلك الظاهرة من البر، حيث "نقيم العديد من نقاط التفتيش في طرق شحن المهاجرين إلى المناطق الساحلية، لكن هناك العديد من تلك النقاط تحت سيطرة قوات حرس الحدود، بجانب أن جميع النقاط البحرية والمسطحات المائية ليست لنا مسؤولية عليها، وتخضع جميعها لرقابة وإدارة الجيش".

وأوضح الضابط أن تلك الظاهرة تفشت بقوة مع بدء عودة المصريين العاملين بليبيا، حيث خطط أباطرة الهجرة غير الشرعية من العصابات الدولية لنقل سوق الهجرة إلى مصر، وذلك بعد فقدان النفوذ على سواحل ليبيا في ظل الحرب الدائرة هناك، وتخوّف راغبي الهجرة من الذهاب إليها خشية الموت على يد تلك القوات، مشيراً إلى أن المصريين العائدين من ليبيا كانوا النواة الكبرى لتفشي تلك الظاهرة خلال السنوات الأخيرة، وأصبح هناك مئات من العصابات المنفصلة عن بعضها بعضاً، تضم كل واحدة العشرات من المندوبين داخل محافظات مصر المختلفة.

علامات:
تحميل المزيد