اغتصاب الشِّعر !

الشاعر تبقى له حساسيته المفرطة حيال ما يكتنزه من قيم إنسانية، وصور وجدانية. وكما أظن، ويعلم الكثيرون من أبناء جيلي، وغيرهم، أن ذلك يختلف كليةً عن الكثيرين، وتظل دخيلته، لها مزاجها الخاص، ووحده القادر على توظيف ما يجول بخاطره من إبداع شعري يُحقّق الهدف والغاية مما يريد أن يوصله إلى القارئ

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/10 الساعة 04:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/10 الساعة 04:40 بتوقيت غرينتش

تُطالعنا بين حين وآخر، منشورات لأشخاص باتت تعد بعرف مدوّنيها على أنّها من عيون الشعر، ما يمكن أن يطلقوا على أنفسهم بالشعراء المحدثين، أو شعراء التفعيلة، وبالكاد فإن البعض منهم يعرفون كيف يصوغون مفردة شعرية جميلة تبهج القلب، ما يعني أنهم يوهمون العامّة على أنهم شعراء، وبصورةٍ خاصة، السذّج منهم، والانغماس في هذه الموهبة المجروحة وتحولهم بين ليلة وضحاها إلى شعراء باتوا يعتلون منصات التتويج ويخالون أنفسهم أنهم شعراء، يشار لهم بالبنان، ومقدرتهم في إطلاق الشرارة الأولى التي يمكنها أن تقرّبهم إلى قلوب الناس، واهمين بأنهم سيحققون حظوة ستخلّد تاريخهم كشعراء، وتحقّق مرادهم كمبدعين، والتحليق بطيف أحلامهم لمجرد كتابة بعض المفاهيم والمفردات التي أطلق عليها تسمية مفرّدات شعرية، وهي في الحقيقة تشبه كل شيء إلاَّ الشِعر!

وهذا ما صار يُظهر لنا العديد من الشباب والمتصحّفين الذين يكتبون في الصحافة المحلية، وممن يشكلون صلة وصل بين العمل الوظيفي، الذي يتكسبون منه قوت يومهم، وإبداعهم الشعري، ما دفع البعض ممن يستكتبونهم بنشر ما طاب لهم من مواد صحفية لمجر التمجيد بهم، والتفاخر بإنجازهم، وإجراء الدراسة المطلوبة عن الشعر الذي يقرضون، وما خطته أيديهم وأبدعته، وهو في حقيقة الأمر ما يُشكلُ خطورةً وتصعيد غير مسبوق بحق فحول الشعر، ومحترفيه، والذين يُعدون من رواده، ومن قاماته المبدعة، والقائمة تطول..

ومنذ فترة قصيرة، جمعتني علاقة غير مباشرة، عبر شبكة التواصل الاجتماعي، مع أحد منتجي الشعر، وطلب مني إبداء رأيي الشخصي حول مقطع شعري، سبق وأن نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعية، وفي الواقع ليس لدي من الخبرة الكافية ما يجعلني قادرا على نقد أو تقييم أعمال الآخرين الشعرية، فاكتفيت بالسكوت، ولم أدلِ بدلوي، تحسباً من أن يكون له موقف ما حيال ما سأعلق عليه، ولكن في قرارة نفسه يعي بأن ما كتب ليس له أية علاقة بالشعر، وبفحوله الذين نذروا أنفسهم في حبّه، وفي انفعالاته وفي تحسين الصورة التي بدت في طور جديد، وأخذت نبض آخر ساهمت في تجديده، وإن ظل الأغلبية من الأفراد نبذوا هذا النوع من الشعر الذي لم يكن سوى تجميع صور، وتسويق همّ يومي، وحالة عاشها الشاعر لمجرد موقف ما، ومنه من أبدع وترك إرثاً يُحسد عليه، وفي هذا من أثبت مكانه بين الشعراء، ومثالهم ما زال اسمه يتداول وبشوق، وبحب جارف، وإن ارتحل إلى الحياة الدنيا لأنه أطرب الأفئدة، وحلّق بنا بعيداً في عالم من السحر.

وما تناوله البعض مجرد كلمات تعبّر عن مكنون داخلي، ومن غير اللائق أن نطلق على ما كتبه له أية علاقة بالشعر، وهذا مثاله كثير ومنتشر في الصحافة المحلية، والكل يعلم، أنّ هذا المجال من فنون الإبداع بات يلفّه ترّهات معيّنة، وقادر على اختراق القلوب لمجرد سماع كلماته المخملية التي تحاكي الضمير والوجدان، ويختصر الكثير من الرؤية التي يراها الآخرون من البشر.

بالمختصر. الشاعر تبقى له حساسيته المفرطة حيال ما يكتنزه من قيم إنسانية، وصور وجدانية. وكما أظن، ويعلم الكثيرون من أبناء جيلي، وغيرهم، أن ذلك يختلف كليةً عن الكثيرين، وتظل دخيلته، لها مزاجها الخاص، ووحده القادر على توظيف ما يجول بخاطره من إبداع شعري يُحقّق الهدف والغاية مما يريد أن يوصله إلى القارئ الذي صار رهين ما يقرأ، وما يُرْسَمُ له من صور شعرية بحاجة إلى التقشير بالسيف البتّار حتى يمكن أن يفهمها ويعيها القارئ المتابع الذي صار قادراً على تقييم ما يمكن أن يخدم أكبر شريحة من الرواد، محبّي الشعر، بصورةٍ عامة، ما يعني انتحار الشعر واغتصابه، والذي سمح لكل من هبَّ ودب أن يتطاول على مبدعيه ورواده.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد