صيدنايا: النظام السوري وجه آخر لـ”داعش”.. ومؤيدوه أبواق دعاية ملطخة بدماء المسلخ البشري

وجرى منذ عام 2011 إعدام آلاف الأشخاص خارج نطاق القضاء في عمليات شنق جماعية تُنفذ تحت جنح الظلام، وتُحاط بغلاف من السرية المطلقة. وقُتل آخرون كثر من المحتجزين في سجن صيدنايا جراء تكرار تعرضهم للتعذيب والحرمان الممنهج من الطعام والشراب والدواء والرعاية الطبية

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/16 الساعة 01:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/16 الساعة 01:50 بتوقيت غرينتش

اندلعت شرارة الثورة السورية في مارس/آذار 2011 بدرعا، عقب اعتقال وتعذيب 15 شاباً كانوا قد رسموا على جدران مدرسة شعارات مناهضة للحكومة، والذين خرج أهلهم وأصحابهم احتجاجاً على ذلك لتنشر الاحتجاجات والمظاهرات بعد إطلاق قوات النظام السوري النيران على المتظاهرين العزل في أرجاء البلاد مطالبة برحيل بشار الأسد.

منذ ورود تقارير تفيد بقمع المتظاهرين السلميين واستعمال قوات النظام في سوريا النار لإخماد الاحتجاجات، سواء من قِبَل وسائل إعلام أوردت مقاطع فيديو وشهادات ناشطين سوريين، أو من منظمات تُعنى بحقوق الإنسان وجرائم الحرب، ارتفعت أصوات تكذب ما ورد من جرائم في حق المتظاهرين متحجِّجين بما اعتبروه مؤامرة ضد نظام الأسد "القومي"، ومعتبرين ما قام به النظام السوري من قتل واختطاف وحجز قسري وتعذيب مجرد افتراءات وتعلات لإسقاط النظام المقاوم الذي اعتبروه آخر القلاع القومية في مواجهة الكيان الصهيوني الغاشم، وتفننوا في مهاجمة كل مَن ساند الشعب السوري الثائر وحقه في تقرير مصيره خاصة بعد أن تم تسليح المعارضة السورية، وتعقد الوضع على الميدان بعد ظهور التنظيمات الإرهابية المسلحة، وانتشار تنظيم داعش في مناطق عدة، وهو ما جعلهم يلمّعون صورة النظام السوري، ويسوقون للصورة الممجوجة للنظام الهمام حامي حمى الوطن والأمة والواقف في وجه الإرهاب، وإلصاق صفة الإرهابي لكل مَن ساند الشعب الثائر في مطلبه بإسقاط النظام.

الحقيقة أن طريقة تعامل النظام السوري مع السوريين الداعين لإسقاط النظام في 2011 لم تكن أمراً جديداً أو ممارسة مستحدثة، ذلك أن نظام بشار الأسد هو امتداد لنظام والده حافظ الأسد، الذي كان يتعامل بنفس الطريقة مع معارضيه، إذ يشير تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في 7 شباط/فبراير 2017 إلى أن "حكومة الرئيس السابق حافظ الأسد مسؤولة خلال الفترة بين عامَي 1980 و2000 عن اختفاء نحو 17 ألف شخص في سوريا"، كما وثَّق تقرير آخر لها سنة 1987 حصول "اعتقال تعسفي ووفيات في الحجز علاوة على استخدام السلطات السورية 35 أسلوباً من أساليب التعذيب وطرقه"، وأكد التقرير أن الهدف من هذه الممارسات هو قمع المعارضة.

بعد أن تولَّى بشار الأسد رئاسة سوريا خلفاً لوالده في يوليو/تموز 2000 بدأ الحديث عمّا سُمي آنذاك بربيع دمشق الذي انتهى في أغسطس/آب 2001 ليعود النظام لما كان عليه من ممارسات تجاه المعارضين، لكن هذه المرة لم تكن عمليات الإخفاء والقتل خارج نطاق القضاء كما كان في فترة الثمانينات، وقد جاء في تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر في 1 يوليو/تموز 2010 شهادة لأحد المعارضين يقول: "في الثمانينات، تم سجننا دون محاكمة، اليوم نحصل على محاكمة، لكننا لا نزال نذهب إلى السجن"، وفي الملحق لنفس التقرير وردت أسماء 92 ناشطاً سياسياً وحقوقياً تم اعتقالهم منذ وصول الأسد للسلطة، كما أشار التقرير إلى أن حالة الطوارئ التي فرضت منذ 1963 ما زالت مطبقة وتعتمد عليها الأجهزة الأمنية، وللمخابرات لاحتجاز المواطنين دون مذكرات اعتقال وتعذيبهم بانتظام.

خضع إذاً السوريون في الفترة الممتدة من سنة 2000 إلى غاية 2010، حسب ما أورده التقرير المعنون بـ"العقد الضائع.. حالة حقوق الإنسان في سوريا خلال السنوات العشر الأولى من حكم بشار الأسد" للقمع السياسي والحقوقي وقيود على حرية التعبير والتعذيب وإساءة المعاملة والاختفاء القسري وقمع للأكراد.

هذه الممارسات يبدو أنها هي السياسة الرسمية لنظام بشار الأسد؛ إذ يشير تقرير لوزارة الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان لسنة 2004 إلى أن جهاز المخابرات السوري ارتكب خروقات خطيرة لحقوق الإنسان، تشمل الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والاحتجاز لمدة طويلة دون محاكمة، كما أن أجهزة أمن الدولة كانت هي المشرف على المحاكمات التي لا يمكن الطعن في أحكامها، وتقول المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش، سارة ليا ويتسن: "باسم حماية الشعور القومي تسجن محكمة أمن الدولة العليا أكثر من 100 سنوياً".

انتهاكات نظام الأسد وقمعه للمعارضة قبل الثورة غطَّى عليها مؤيدوه خارج سوريا ممن يسمون أنفسهم بالممانعين، واعتبروا نظام الأسد نظام مقاومة للسياسة الأميركية والكيان الصهيوني، وامتداداً للحركة القومية في قلب الصراع العربي – الصهيوني، وقد نجحوا نسبياً في ذلك، لكن اندلاع الثورة في تونس ثم في مصر وليبيا ثم سوريا كشف عن توق المواطنين العرب للحرية وتعاطفهم مع كل التحركات الداعمة للتحرر من ضيم الديكتاتورية، كما كشف للجميع الوجه البشع لنظام الأسد، حين أطلقت قواته النار على المتظاهرين السلميين في درعا.

كانت تونس، زمن رئاسة محمد المنصف المرزوقي، أول الدول التي عبَّرت عن مساندتها لثورة الشعب السوري وحقه في تقرير مصيره، وأدانت المجازر التي قامت بها قوات النظام السوري في حق مواطنين عزل، وقامت بقطع العلاقات مع سوريا، وطرد السفير السوري في تونس، عقب مذبحة حي الخالدية في حمص، واستضافت مؤتمر أصدقاء سوريا في 24 فبراير/شباط 2012، الذي ختم بإعلان يدعو النظام السوري لوقف إطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وفرض مزيد من العقوبات على النظام السوري، وحظر توريد السلاح.

لقي الموقف التونسي من النظام السوري معارضة بعض الأحزاب التي لم ترَ فيما يجري في سوريا سوى مؤامرة على سوريا، وعلى سيادتها، لتحقيق الأجندة الأميركية الصهيونية، قصد إقامة نظام عميل في سوريا وعزل المقاومة في لبنان، وساندتهم في ذلك وسائل الإعلام وقوى الثورة المضادة في تونس، مستهدفة الفكرة الأساسية التي قامت عليها الثورة، وكتب بروحها دستور 27 يناير/كانون الثاني 2014 "الشعوب هي من تقرر مصيرها والحرية حق من حقوقها".

الغاية الأساسية لموقف كهذا لا مجال لفهمها خارج سياق الدافع الأيديولوجي الضيق والمصلحة الحزبية الذاتية، رغم الكلام المنمق في الخطابات حول الحرية ومساندة الشعب السوري، والحاملة في ثناياها خفية الدعم للنظام السوري، خاصة أمام تكذيب التقارير الإخبارية لقناة الجزيرة واتهامها بالتآمر مع القوى الغربية لإدخال سوريا في دوامة الفوضى.

وبعد تعقد الوضع على أرض الميدان في سوريا، وتسليح المعارضة، ودخول الجماعات الإرهابية المسلحة الصراع، وسيطرة تنظيم داعش على مناطق عديدة من سوريا، أصبح دعم نظام بشار الأسد علنياً، وكان موضوع العلاقة الدبلوماسية مع سوريا أحد أركان الحملة الانتخابية لأحزاب كنداء تونس والجبهة الشعبية، ووصل بهم الأمر لاتهام الترويكا والرئيس المرزوقي بدعم الإرهاب في سوريا، لمجرد دعمهم الشعب السوري الثائر وحقه في تقرير مصيره، ودعت هذه الأحزاب لإعادة العلاقات مع النظام السوري، غاضة النظر عما يقوم به من جرائم ومذابح يومية.

بإمكان هؤلاء إيجاد تبريرات لما يحدث في سوريا من طرف نظام الأسد، واعتبار جرائمه في حق المدنيين خسائر جانبية في سبيل الدفاع عن الوطن ضد تنظيم إرهابي، وتشويه الأحزاب الداعمة للثورة السورية ووسائل الإعلام الناقلة لمعاناة السوريين واتهامها بالعمالة، وإقناع جزء غير هيّن من الشعب بذلك، ولكن هل بإمكانها تكذيب ما ورد في تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في 7 شباط/فبراير 2017 واعتبارها منظمة إرهابية؟

عنونت منظمة العفو الدولية تقريرها "سوريا: المسلخ البشري: عمليات الشنق الجماعية والإبادة الممنهجة في سجن صيدنايا بسوريا".
وحده العنوان يحرك في النفس مشاعر متداخلة من الحزن العميق والتضامن والغضب والرغبة في إنهاء معاناة الشعب السوري في أقرب الأوقات، فهل يثير مشاعر الخجل والعار والندم في نفوس مؤيدي نظام الأسد الدموي في تونس؟ أم أنهم بحاجة إلى بعض المعطيات والمعلومات الواردة بالتقرير ليتحرك فيهم الضمير الإنساني؟

أجرت منظمة العفو الدولية بحوثاً للكشف عن الانتهاكات المرتكبة في سجن صيدنايا العسكري في الفترة الممتدة من ديسمبر/كانون الأول 2015 إلى الشهر نفسه من سنة 2016، وتم خلالها لقاء مع 84 شخصاً، منهم موظفون وحراس عملوا في سجن صيدنايا، وقضاة سابقون، وأطباء عملوا في مشفى تشرين العسكري، ومحامون وخبراء دوليون ومحليون في موضوع الاحتجاز في سوريا، وأفراد من عائلات محتجزون سابقون وحاليون في سجن صيدنايا.

يقول أحد الحراس السابقين في صيدنايا: "يمثل صيدنايا نهاية الحياة، ونهاية الإنسانية" ذلك أن سجن صيدنايا العسكري، حسب ما ورد في التقرير "هو المكان الذي تقوم الدولة السورية فيه بذبح شعبها بهدوء. ويشكل المدنيون، الذين تجرأوا على مجرد التفكير بمعارضة الحكومة، الغالبية الساحقة من الضحايا. وجرى منذ عام 2011 إعدام آلاف الأشخاص خارج نطاق القضاء في عمليات شنق جماعية تُنفذ تحت جنح الظلام، وتُحاط بغلاف من السرية المطلقة. وقُتل آخرون كثر من المحتجزين في سجن صيدنايا جراء تكرار تعرضهم للتعذيب والحرمان الممنهج من الطعام والشراب والدواء والرعاية الطبية. ويُدفن قتلى صيدنايا في مقابر جماعية. ولا يمكن لأحد أن يزعم أن مثل هذه الممارسات المنهجية والواسعة النطاق تُرتكب بدون تفويض من الحكومة السورية على أعلى مستوياتها".

قدرت منظمة العفو الدولية أن عدد الذين تم إعدامهم خارج نطاق القضاء في صيدنايا خلال الفترة بين سبتمبر/أيلول 2011 وديسمبر/كانون الأول بلغ ما بين 5 آلاف و13 ألف شخص، ومن المرجح أن آلافاً آخرين قد أعدموا منذ ذلك التاريخ. كما قدرت منظمة تحليل بيانات حقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية، ومنظمة العفو الدولية أن عدد الذين قتلوا في الحجز لدى الحكومة نتيجة ما يقاسونه من تعذيب وظروف حجز متردية لا يقل عن 17723 شخصاً خلال الفترة ما بين مارس/آذار 2011 وديسمبر/كانون الأول 2015 أي بمعدل 300 وفاة شهرياً. ومن المرجح أن يكون العدد الفعلي للقتل داخل سجون نظام الأسد أكثر من ذلك بكثير.

وضع نظام الأسد الدموي سلسلة من الإجراءات والقواعد والعقوبات الثابتة التي طُبقت بحق المحتجزين منذ عام 2011 قصد إذلالهم والنيل من كرامتهم، وإمراضهم، وتجويعهم، وقتلهم في نهاية المطاف وهي عملية إبادة ممنهجة، وقد خلص التقرير إلى "أن هذه الممارسات قد ارتُكبت ضمن سياق هجوم على السكان المدنيين عملاً بسياسة رسمية للدولة، وعلى نطاق واسع وبشكل ممنهج، وعليه، فترى المنظمة أن هذه الجرائم تصل إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية".

بهذا المعنى وانطلاقاً مما قامت به منظمة العفو الدولية، واللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في سوريا، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، ومنظمة هيومان رايتس ووتش من تقصٍّ وأبحاث، فإن الأفعال الموثقة في تقرير منظمة العفو الدولية التي ارتكبها نظام الأسد بحق المحتجزين لديه تشكل انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي.

فهل نأمل بعد كل هذا أن يتخلى البعض من مؤيدي بشار في تونس والعالم ممن تحركهم إنسانيتهم عن دعم نظام الأسد الوجه الآخر لداعش والتخلي عن لعب دور بوق الدعاية الملطخ بدماء الأبرياء؟ أم أنهم من قوم عميت قلوبهم ونطقت ألسنتهم "معيز ولو طاروا؟".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد