لماذا ينبغي على الصحفي أن يتعاطف مع نقيب الصحفيين والحرم النقابي الذي اقتحمه الأمن؟!
لم يفرق كثيراً اقتحام الأمن لحرم النقابة، فالأمن مقتحم للصحافة نفسها منذ سنوات، وكل ما يدور داخلها إنما هو بتوجيهات وإرادة الجهات الأمنية وأصحاب النفوذ والمصالح.
الصحافة المصرية من أسوأ أنواع الصحافة في العالم، إن لم تكن الأسوأ، فعلى المستوى المهني قلما تجد من يحترم التخصص والأصول الصحفية، وابحث عن مؤهلات العاملين بالصحافة وستعلم ما أعني قوله.
آلاف الصحفيين الصغار يتم استنزاف طاقاتهم وأعمارهم دون مقابل، أو مراعاة لأدنى حقوقهم، تحت مسمى صحفي تحت التمرين.
يمكنك أن تسأل عن سمعة الصحفي خارج مجال الصحافة لتسمع الإجابة "بتوع السبوبة"، وترى مشهداً ساخراً يقدمه الفنان أشرف عبد الباقي، في أحد عروضه بمسرح مصر، عندما جاءه من يرغب بالعمل داخل مؤسسته الصحفية، فسأله لماذا تريد العمل صحفياً؟، فأجابه: "كي آكل ببلاش".
لا تدري لماذا يقلل الصحفي من شأنه أمام المصادر أو الشخصيات المعروفة إعلامياً؛ كي يصل إلى معلومة، دون تقدير بأن هذا الصحفي يمارس عمله، ولكن حال الصحفي والصحافة المصرية هي ما وصلت به إلى هذا المستوى من الانحدار والتدني.
نقيب الصحفيين يعلم جيداً أن الصحف عبارة عن أجندات موجهة أشبه بأماكن "السهر الحمراء"، كلما دفعت أكثر، حصلت على ما تريد، ولم يغير من حال الصحافة أو يسعى في الدفاع عن حقوق الصحفيين وحرية الصحافة وشرف المهنة والضمير الصحفي الذي انعدم بفعل "الأمنجية".
أتعجب كثيراً عندما أجد شاباً يبدأ طريقه بالصحافة يطأطئ رأسه ويتقبل الإهانة و"المرمطة" ويضيع أجمل سنوات عمره كي يصل إلى مكاسب في ظاهرها كبيرة، ولكن في حقيقتها ليس لها قيمة في ميزان الإنسانية والأخلاق.
أجد الكثير من الكفاءات والمواهب تفوق رؤساء تحرير الصحف المصرية، الذين إن قرأت لهم مقالاً تعجبت كيف أصبح هؤلاء رؤساء تحرير، ثم تفهم بعد ذلك إذا تعمقت قليلاً وتعرفت على حقيقة كل منهم؛ لتدرك كيف وصلوا لمناصبهم.
الشرف هو الألماس الذي تضعه الفضيلة في إصبعها، يقصد فولتير أن الفضيلة ليس لها قيمة إن لم تكتمل بالشرف، فمن لا يملك الشرف لا يملك الفضيلة، وقد قسم الدكتور مصطفى محمود هذا الشرف إلى مراتب، فهناك رجل يصنع نفسه، وهناك رجل يصنع أولاده، وهناك رجل يصنع المجتمع، وهناك رجل يصنع التاريخ، وهو أشرف الشرفاء جميعاً.
وإذا أردت أن تعرف نصيبك من الشرف، فاسأل نفسك يوماً: ماذا صنعت لأصبح أحسن من الأمس؟
التاريخ -عزيزي الصحفي- هو ما يصنعه أرشيفك، فانظر إلى مراتب الشرف، وقيّم نفسك ومهنيتك، حتى لا يأتي عليك يوم تجد أن تاريخك الصحفي ما هو إلا حلقات من "انعدام الشرف".
إن قلمك أخي الصحفي هو سلاحك الذي تواجه به الفساد، وتحارب به دون خوف أو مواراة كل من تسول له نفسه أن يتلاعب بالعقول، أو يظلم أو يخدع أو يزيف، فأنت الحقيقة التي إن فقدت مصداقيتها أصبحت مجرد أداة بيد من يتحكم فيها.
قلم الصحفي أمانة تماماً كمشرط الجرَّاح، إن أساء استخدامه أزهقت أرواح، وإن لم يكن الصحفي متحملاً للأمانة أفسد عقولاً وقتل ضمائر، وساهم في خروج أجيال ذات وعي زائف، فالجرَّاح قد يتسبب في مقتل إنسان واحد، أما الصحفي فقد يفسد ملايين البشر حتى بعد موته.
لا قيمة لصحفي بلا شرف، والشرف لا يأتي من فراغ، ولكنه تاريخك تضع فيه ما سيصبح لك فخراً وسيرة حسنة تمتد إلى أجيال، أو ما يفضي بك إلى خالد صلاح، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
الصحفي لا يليق به أن يكون تابعاً خاضعاً ذليل لقمة العيش وانتظار البدل النقابي، واللهث خلف دخول النقابة، يتسول هذا، ويرشي هذا، ويقبل عطايا هذا، ويسعى لأخذ الصور التذكارية مع المشاهير، ويتملق أصحاب السلطة والمناصب والمال، ويحضر المؤتمرات والاحتفاليات في انتظار الامتيازات والهدايا أو حتى انتظار موعد الغداء المفتوح، أو تقديم التنازلات من أجل إغراءات رؤساء تحرير العصور البائدة.
الحقيقة أن الصحفي الذي لا يملك "الحرية" المؤسسية والمهنية والفكرية والأمنية والمجتمعية والذاتية، بضمير يقظ يتحمل المسؤولية، فهو مجرد موظف وأداة يعمل لصالح هذا ولتنفيذ أغراض هذا، يخون قواعد وتعاليم صاحبة الجلالة؛ ليتحرك فقط كيفما شاء صاحب المصلحة؛ ليصبح جثة هامدة يستنزف سنوات من عمره لا حياة فيها ولا روح داخل مقبرة الصحافة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.