قام الزعيم الشيعي العراقي واسع النفوذ مقتدى الصدر بزيارةٍ هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عقدٍ كامل للمملكة السعودية، في إطار سعي الرياض إلى تعزيز نفوذها في العراق، ومقاومة دور إيران، غريمها الإقليمي.
كان في استقبال الصدر في جدة ولي العهد السعودي المُعيَّن حديثاً، الأمير محمد بن سلمان، والذي يقود سياسة المملكة السُنيَّة الخارجية الأكثر تدخليةً، حسب وصف تقرير لصحيفًة فايننشيال تايمز البريطانية.
ووفقاً لوكالة الأنباء الرسمية السعودية، فقد ناقشا "شؤوناً ذات اهتمامٍ مشترك" في اجتماعهما يوم الأحد 30 يوليو/تموز 2017.
تغيرات في مسيرة الصدر
وقد صَعَدَ نجمُ مقتدى الصدر كقائدٍ للميليشيات التي حاربت القوات الأميركية، والتي تُعتَبَر مدعومةً من إيران.
غير أن علاقته بطهران، والتي كان لها تأثيرٌ بارزٌ في العراق، وفي دعم الميليشيات الشيعية في البلاد، لا تزال غامضةً.
فوفقاً لوسائل الإعلام العراقية، كان مقتدى الصدر ناقداً للدور الذي لعبته الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في الحرب ضد تنظيم (داعش) خلال السنوات الفائتة.
وكانت العلاقات بين السعودية والعراق تتطوَّر وفق منوالٍ ثابتٍ منذ أن أعادت الرياض فتح سفارتها في بغداد أواخر عام 2015.
وفيما تأخذ الرياض دوراً استباقياً أكثر في سياستها الإقليمية، فقد بات بناء علاقاتٍ أقوى مع القادة العراقيين أولويةً لتقويض النفوذ الإيراني في البلاد، حيث تربط طهران صلاتٌ بجماعاتٍ شيعيةٍ تسيطر على السياسات العراقية منذ سقوط صدام حسين.
وقال نيل بارتريك مُحرِّر كتاب "السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية: النزاع والتعاون": "لطالما كانت السعودية مهتمةً باستكشاف خيارات الشيعة في العراق، ولقد حاول الصدر مراراً تقديم نفسه كقوميٍ عراقيٍ لا كقائد ميليشياتٍ شيعيةٍ عراقي".
وقال العقيد السعودي المتقاعد إبراهيم آل مرعي، وهو مُحلِّل أمني مقيم في الرياض، عبر شبكة تواصلٍ اجتماعيٍ، إن تطوُّر العلاقات بما فيه زيارة الصدر كان خطوةً في الاتجاه الصحيح، حتى وإن أتت متأخرةً.
وأضاف: "لا يعني التطور الملحوظ في العلاقات السعودية الإيرانية على المستويين الرسمي وغير الرسمي أن النفوذ الإيراني تراجع أو سيتراجع، والتعامل مع كل التيارات السياسية في العالم العربي هو المُتوقَّع من دولةٍ بحجم ومكانة المملكة".
رد الفعل الإيراني
وفي رد فعل إيراني غير رسمي على هذه الزيارة، استضافت قناة "خبر" الإيرانية، اثنين من كبار المحللين السياسيين الإيرانيين لبحث أهداف زيارة الصدر إلى المملكة.
واعتبر المحلل السياسي المقرب من التيار الإصلاحي، صباح زنكنه، أن "زيارة الصدر للسعودية مهمة للغاية في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة نتيجة التوترات الحاصلة"، معرباً عن أمله في أن تكون رحلة الصدر للسعودية حافلةً بالإنجازات، مضيفاً أن "الظروف ممهدة لكي تعفو السعودية عن عشرات المحكومين بالإعدام"، وفق ما ذكرت وكالة sputniknews.
بدوره، وصف الكاتب والمحلل السياسي الإيراني، مصدق مصدق بور، زيارة الصدر للسعودية واستقباله من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بأنها "خطوة جرحت مشاعر المسلمين".
وقال مصدق إن "زيارة الصدر للسعودية واستقباله من قبل بن سلمان جرحت مشاعر المسلمين"، مستبعداً أن "يكون الصدر مفوضاً من قبل إيران للتوسط بينها والسعودية لحل التوترات بين البلدين".
العراق الرسمي
وكان حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي الشيعي، قد زار المملكة في يونيو/حزيران 2017، والتقى العاهل السعودي الملك سلمان وغيره من كبار المسؤولين.
وقد وافقت كلتا الحكومتين خلال الزيارة على تأسيس مجلس تعاونٍ مشتركٍ من أجل "مزيدٍ من تطوير العلاقات وفتح مساحاتٍ جديدةٍ من التعاون بما فيها الاقتصادية والتجارية والسياحية".
في المقابل، قام المسؤولون السعوديون بزياراتٍ نادرةٍ إلى بغداد خلال الأشهر الأخيرة، من بينها زيارتان لوزيري الخارجية والطاقة.
ويأمل العراق في الحصول على الدعم المادي السعودي من أجل إعادة إعمار مدينة الموصل، شمالي العراق، وغيرها من المناطق التي حُرِّرَت من داعش.
وفيما يزيل العراق آثار داعش، تواجه بغداد تحدي تثبيت أركان سيطرتها المركزية على المجتمعات المدنية للسُكان السنة الذين شعروا بالتهميش من قِبَل الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة. وما يعطي الرياض بعض السطوة على العراقيين السُنَّة أن كثيراً من عشائر غرب العراق يتشاركون النَسَب مع قبائل سعودية.
وقال بارتريك: "ربما كان الصدر يستجيب لرغبة محمد بن سلمان على تقديم السعودية كقوةٍ إقليميةٍ تنافس إيران بشراسةٍ في اليمن وتفرض حصاراً على قطر".
وتبني السعودية تحالفاً من الدول السُنيَّة بشكلٍ أساسيٍ ساعيةً لمقاومة ما يعتبرونه تدخلاً مفرطاً من جانبِ إيران في الدول العربية التي تتضمَّن أعداداً كبيرةً من الشيعة، كالعراق، واليمن، وسوريا، والبحرين، ولبنان.
وقد فرضت السعودية، بالتعاون مع ثلاثة حلفاء عرب، حصاراً اقتصادياً على جارتها قطر، مُتَّهِمَةً إياها بدعم الإرهاب، في محاولةٍ لإجبار الدوحة على وقف دعمها للإسلام السياسي عبر المنطقة.