ما زال المشهد اليمني يتحفنا بغرائبه وعجائبه، فبعد ثلاث سنوات من التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة السعودية؛ لاستعادة الشرعية وإسقاط الانقلاب، بطلب من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وبشرعية دولية ممثلة بالقرار 2216، لم تتمكن الشرعية من الاستقرار في محافظة من المحافظات المحررة؛ لإدارة شؤون البلاد، واستكمال مهمة التحرير، والمثير في الأمر أن يدشن في عدن في نهاية يناير/كانون الثاني 2018م انقلاب ضد الشرعية من نوع آخر، بنكهة انفصالية وبقيادة مجلس انتقالي جنوبي مدعوم من إحدى دول التحالف التي جاءت لدعم السلطة الشرعية!
لا تنظر دولة الإمارات للحوثيين وأنصار الرئيس السابق صالح، رغم ما فعلوه باليمن واليمنيين، ورغم تحالفهم مع طهران وزعزعتهم للأمن القومي العربي كخطر كبير يجب استئصاله والوقوف ضده، بالقدر الذي تنظر به للتجمع اليمني للإصلاح، رغم الدور العظيم الذي يقدمه؛ لتحرير البلاد، والتضحيات التي يقدمها قادته وأفراده، تحت قيادة السلطة الشرعية والتحالف العربي، بهذا المنظور تتحرك دولة الإمارات في الميدان، وعلى ضوئه تتأزم أو تنفرج علاقاتها مع السلطة الشرعية.
يبدو أن تفاهمات بين الرياض وأبوظبي، قضت بأن تضطلع الأولى بالإشراف والإدارة لمعارك تحرير المحافظات الشمالية المتاخمة لحدودها، وأن تتولى الثانية، وهو ما يهمها وتريده تحرير وإدارة المحافظات الجنوبية، التي كان لأفراد وقادة التجمع اليمني للإصلاح، ولبعض مشايخ السلفية، الدور الأبرز في تحريرها، لكن الإمارات أصرت وضغطت على السلطة الشرعية؛ لاستبعادهم وتسليم قيادة هذه المحافظات لقيادات حراكية انفصالية كعيدروس الزبيدي، رغم علم السلطة الشرعية المسبق بتوجهاتهم التشطيرية وسلوكهم المليشياوي، ورغم تدشين هؤلاء إدارة الجنوب، بطرد وسجن أبناء المناطق الشمالية ومنعهم من الدخول للجنوب لزيارة أقاربهم،.
إلا أن شرعيتنا المبجلة، لم تلق بالاً لكل ذلك وأبقت عليهم في مناصبهم، مانحة لهم الغطاء الشرعي؛ ليتلقوا الدعم الحصري الإماراتي؛ لتكوين تشكيلاتهم العسكرية والأمنية الخارجة عن سيطرة الحكومة الشرعية، التي ستمكنهم من السيطرة الفعلية على الأرض، وحماية مشروعهم الانفصالي بقوة السلاح، وعندما استكملوا هذه المهمة تكرمت شرعيتنا المبجلة بإعفائهم من مناصبهم؛ ليتحولوا بعدها إلى زعماء سياسيين، يناضلون من أجل استعادة ما يسمونها دولة الجنوب العربي، ويقودون انقلاباً على الشرعية وكل الاتفاقيات والمرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية، ذات العلاقة بالوضع اليمني الراهن؛ إذ لا يمكن لهم القيام بذلك تحت ظل السلطة الشرعية.
بذلت الإمارات جهوداً كبيرة؛ لإقناع الرياض بفتح صفحة جديدة مع الرئيس السابق صالح؛ ليقود انقلاباً ضد الحوثيين، ويسحب البساط من تحت أقدام السلطة الشرعية، ويقدم نفسه وأنصاره لاعباً قوياً يحد من نفوذ القوى التي تناصبها الإمارات العداء، غير أن الحوثيين كانت لهم كلمتهم، فقتلوا الرئيس السابق صالح، وخسرت الإمارات رهانها، ولم يكن أمام الرياض إلا السعي لسد الفجوة بين الإمارات والتجمع اليمني للإصلاح، وهو ما تكلل بلقاء بين وليي العهد محمد بن سلمان ومحمد بن زايد بقيادة التجمع اليمني للإصلاح، لكن الإمارات لم تكن راضية مطلقاً عن هذا التوجه السعودي المتزامن مع تحرك الحكومة اليمنية للسيطرة على الموانئ وإعادة تصدير النفط والغاز، فكان ردها الإيعاز للمجلس الانتقالي الجنوبي بالتصعيد، وتحريك ورقة الانفصال.
ليست السلطة الشرعية والتحالف العربي في موقف ضعف، أو أن الحوثيين في موقف قوة، بحيث تستمر الحرب جاثمة على صدورنا عاماً بعد عام، لقد أصبح خيار طول أمد الحرب خياراً رئيساً لدى دول التحالف، تهدف من ورائه إلى ضمان هندسة وصياغة المشهد اليمني لما بعد الحرب، بما يلبي الاستجابة لتوجساتها وتخوفاتها، من أن يقطف ثمار النصر حزب الإصلاح، المصنف لديها بأنه ضمن حركة الإخوان المسلمين، رغم إعلان الحزب براءته من هذه الحركة.
بغض النظر عن تصريحات المسؤولين السعوديين والإماراتيين، التي يحرصون من خلالها على نفي أي تباينات بين بلديهما، في إدارة الحرب والنتائج المرجوة منها، إلا أن أحداث عدن الأخيرة، أكدت أن هناك تضارب أجندة بين السعودية والإمارات، بدأت في التبلور في الآونة الآخيرة، غير أن السعودية لن تسمح بأن يتحول هذا التضارب لخلاف حقيقي مع الإمارات، يؤدي لانفراط عقد التحالف العربي، وستعمل الدولتان على الوصول لتفاهمات، بحيث تتخلى الإمارات عن دعم المجلس الانتقالي الجنوبي، مقابل أن تقبل السعودية بالعدول عن الحل العسكري مع الحوثيين؛ لأن ذلك في حسبان الإمارات مكسب كبير للتجمع اليمني للإصلاح، وهذا ما لا تريده، والدخول في حل سياسي مع الحوثيين يلزمهم بتأمين حدود المملكة العربية السعودية، ويبقيهم كابحاً يعيق إخوان اليمن من الاستحواذ على المشهد اليمني.
لقد أصبحت السلطة الشرعية في اليمن رهينة التجاذبات بين قائدتي التحالف العربي، وأسيرة مصالحهما، وبات من الواضح أن ما يجري على الأرض يغرس قناعة لدى اليمنيين، أن الحرب انحرف مسارها، وأن قناع دعم الشرعية أصبح يخفي وراءه أهدافاً لا تخدم استقرار اليمن ووضعه على الطريق الصحيح، نحو استعادة الدولة، وبسط الأمن والبدء بإعادة الإعمار.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.