(1)
"لا نصيحة في الحب إنها التجربة، ولا نصيحة في الشعر إنها الموهبة" – درويش.
رغم أن الكثير منا لا يعمل بنصيحة درويش، فكم منا يبادر برأيه في الحب وكيف يكون، لكن الحقيقة هي التي يقولها درويش فالحب بالفعل تجربة، فهو أشبه بالبحر يستطيع الجميع التحدث عنه، ويستطيع المار أن يصفه، ومَن على الشاطئ له أن يكتب به الشعر، لكن لا أحد كمن تحتضنه أمواجه أصدق فى الحديث والوصف، يختلف الحب باختلافنا فيما بيننا، ولأن اختلاف البشر أصل وجودهم ارتبط الحب بالتجربة، فلكل منا كيانه الذي يميزه عن غيره قلباً وعقلاً، وإن تشابهت المشاعر والأفكار.
(2)
"سُئل أحد الصالحين: كيف أنت ودينك؟ فقال تمزقه المعاصي، وأرقعه بالاستغفار".
لعل ما قاله هذا الرجل الصالح هو حالي كما هو حال الكثير، فتجربتي مع الله هى بُعد فقرب، هزيمة أمام نفسي ونصر بالله عليها، وما زال الاستغفار هو ترياق قلبي في كل شدة، وما زال ذكر الله هو ما يربط على قلبي في كل تعثر.
(3)
"سأخبر الله بكل شيء" – طفل سوري.
لم يعرف الإنسان براءة في كل مراحل حياته كبراءة طفولته، ولن يعيش بصدق كما عاش وهو طفل، حينما يتعلم الأطفال وجود الله يشعر الأطفال بالله كما هو أولى أن يشعر الإنسان البالغ به، وبأن مدار كل شيء لله وحده.
(4)
لعل السؤال الذي كان يجب أن أسأله من البداية هل يحبني الله؟ بالتأكيد فإن الله يحب جميع عباده فالله لا يكره أحداً، لكن الحب تجربة فأي تجربة مع الله تلك التي يحب بها الله.
بالقرآن تسعة عشر موضعاً يذكر فيها الله تجارب الحب مع عباده، فالله يحب هؤلاء العباد الذين يمرون بتلك التجارب، فمن يخوضون غمار تلك التجارب، كما يقول الله تعالى، ينالون حب الله، وإن أحب الله بالتأكيد سيعرف القلب مذاق حب الله.
(5)
التجربة في الحياة ليست كمثيلتها في المعمل، فالثانية تتم ببيئة بالإمكان التحكم بها ومعرفة قوانينها أو حتى تشريعها، أما الأولى فتتم في بيئة أكثر تحدياً وفوضوية والقوانين الوحيدة بها هي القوانين التي تقرها عناصر التجربة لنفسها، وهم البشر، نحن، أكثر شيئاً جدلاً.
إن الله قد صرح بالتجارب التي يحب أن يخوضها عباده، وصرح بالتجارب التي لا يحب أن يرى عباده يخوضونها ويُنهانا عنها:
– العدل والإنصاف:
"وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" ﴿42 – المائدة﴾.
"وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" ﴿9 – الحجرات﴾.
"أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" ﴿8 – الممتحنة﴾.
– الإحسان: العطاء بالخير قولاً وعملاً
"وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" ﴿195 – البقرة﴾.
"فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" ﴿13 – المائدة﴾.
– التوبة والتطهر:
"إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" ﴿222 – البقرة﴾.
– التقوى: إدراك وجود الله ووحدانيته وأن مدار كل شي لله
"بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" ﴿76 – آل عمران﴾.
"فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" ﴿4 – التوبة﴾.
"فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" ﴿7 – التوبة﴾.
– التوكل على الله:
"فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" ﴿159 – آل عمران﴾.
– القتال في سبيله: قتال مَن اعتدى
"إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا" ﴿4 – الصف﴾.
– الظلم والاعتداء بالقوة:
"وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" ﴿190 – البقرة﴾.
"وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" ﴿87 – المائدة﴾.
"فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" ﴿40 – الشورى﴾.
– الخيانة:
"إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا" ﴿107 النساء﴾.
"فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ" ﴿58 – الأنفال﴾.
– الفساد:
"وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" ﴿77 – القصص﴾.
– الكِبر:
"إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ"
﴿76 – القصص﴾.
"وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" ﴿18 – لقمان﴾.
(6)
فى النهاية بدلاً من أن نعيش في دائرة أنفعل هذا أو لا نفعل ذاك، دعنا نسأل أنفسنا أولاً: أنرغب بحب الله لنا؟ أتريد أن يُحبك الله؟ لأنه إن كانت إجابة هذا السؤال بنعم فالأمر سهل وواضح، كنت مُحسناً وأقرب للعدل منك للجور، توكّل على الله فهو حَسبُك وتمسّك بطوق التوبة فهو نجاة، تذكر أن مدار كل شيء لله فتُعامل الله قبل معاملتك للناس تكن من المتقين.
إن كان طريق حب الله لك صعباً، ثقيلاً على نفسك فابدأ بأن تحذر أن تضع نفسك فى زمرة من لا يُحبهم الله فلا تَظلِم ولا تَعتدِ إن لم يكن باستطاعتك أن تعدل، ولا تخون ولا تسعى بالفساد حسبك بُعداً عن أمانة تأتمنها أو طمع يمتلك نفسك، وإياك والكِبر فهو آفة النفوس ذات المرض.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.