عَلَم بلادي

حُق لهذا العلم أن يُمرغ في المستقبل القريب في قذارة الأخلاق التي ستعم الأجيال القادمة المقطوعة عن أصولها التاريخية والثقافية والاجتماعية، هؤلاء الذين لا يعرفون عن الدين إلا اسمه، ولا عن الأخلاق والثقافة إلا رسمهما.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/25 الساعة 03:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/25 الساعة 03:18 بتوقيت غرينتش

تمنيت لو يوماً أستطيع أن أرفع علم بلادي علي سارية في مدخل بيتي، معتزاً مفتخراً بما له من تاريخ ومكانة بين الأمم، غير أن البون شاسع بين ما أتمناه وما أستطيع إنجازه.

لا يمكنني الجزم بأنني ما زلت أحتفظ بقدر معقول من الوطنية الزائفة التي تعلمناها صغاراً في مدارسنا وسمعناها تُردد ليل نهار في وسائل إعلامنا المزيف للحقائق.

ما عدت أراها علي قداستها الأولى ولا مثاليتها الحالمة ولا مكانتها الزائفة بين الأمم.

أصبحت الآن أدرك كيف أن أوضاعها متردية بعد قرون من التخريب الممنهج والإفقار المدروس لإمكانياتها المادية والبشرية، وتعهدها بالبلايا وإشاعة الانحلال والفوضى في أخلاق أهلها ووسمهم بأوسمة الجهل التي أصبحت في زمني هذا براقة لامعة يسير الناس عمياناً خلف حامليها.

تمنيت، وقد كنت محباً لثراها، أن تعود إلي الجادة محافظة على ما بقي من إنسانية أبنائها، لكنها أصرّت وعن استخفاف بقدرات أبنائها أن تبقى جارية لسيد داعر استحل حرمتها واستعبد أبناءها واستباح بيضتها ودمّر مواردها، ولوّث شرفها وأخلاقها، وباع تاريخها، وفرّط في نيلها، وتسوَّل الدراهم من اللئام باسمها.

بعد أن زالت عنّي غشاوة الوطنية الزائفة، لا يمكنني اليوم أن أفخر أنني ولدها، وقد ضحى أولو النزاهة والعلم لتُعتق من أسرها، فأبت وتلذذت بالتنكيل بهم.

كيف لأمة شريفة أن يقتلها جهل مُذِل وفقر مدقع وأخلاق فاسدة وتجارة كاسدة وزراعة منتكسة ونيل ملوث وأرض مباعة وإعلام ديوث ماجن خليع، وأناس سكنوا القبور وأكلوا البقايا، وساد أسيادها بالرشوة والمحسوبية والربا، وساموا فقراءها وضعفاءها سوء العذاب يذبحون أبناءهم وينتهكون أعراض نساءهم ويتحفظون علي أموالهم وممتلكاتهم؟

ومن يسيطر على الساحة الإعلامية من نخبتها ومثقفيها أنجاس مقلدون عن غير وعي للمفاهيم الغربية التي لا تناسب مجتمعاتهم التي يعيشون فيها، والذين باعوا الشعب للجلاد؛ ليفعل بهم ما يحلو له.

أي أمة منتكسة هذه؟ وقد صُدِّق فيها الكاذب وكُذب فيها الصادق، وخُون فيها الأمين وأُمن فيها الخائن، وساد الناس رويبضة رؤوس جهال ضلّوا عن طريق الخير والحق وأضلّوا الناس بجهالتهم.

إن العَلَم يرفرف في قلوبنا قبل أن يرفرف في سمائنا، وهل قد يرفرف علم في قلوب ماتت ذلاً وقهراً؟ فكيف بالله له أن يرفرف في السماء عالياً؟!

وقد غاب عنها هواء الحرية، وامتلأت بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم، عذاب التبعية لأذناب البقر، أصحاب الحضارة العرجاء الذين سيدوا سفهاءنا سادتنا وأصبحت لهم الكلمة العليا والقرار الذي لا رجعة فيه.

حُق لهذا العلم أن يُمرغ في المستقبل القريب في قذارة الأخلاق التي ستعم الأجيال القادمة المقطوعة عن أصولها التاريخية والثقافية والاجتماعية، هؤلاء الذين لا يعرفون عن الدين إلا اسمه، ولا عن الأخلاق والثقافة إلا رسمهما.

طليعة الخراب العاجل والخيانة الفاجرة التي لا تستتر، فاتحو أبواب الوطن لأعدائه دون مقاومة ولو على استحياء، بل مهللين ومرحبين بالمجون والانحراف والعبودية التي تجتاح أمتنا يوماً بعد يوم.

ليس العَلَمُ قطعة قماش تشكلها ألوان ورموز، وإنما أفكار ومبادئ وإيمان يتجسد بقوة وصلابة في رمز يحرك الوجدان ويعزز الهمم، ويبرز الغاية؛ لتعلو به الراية حتى تسود القلوب قبل أن تسود العالم.

وهل بقي في قلوب أفراد أمّتي من إيمان فاعل محرك باعث على الانتصار للحق ولهفة المظلوم والقيام على أمور الناس بالخير والحق وبعثاً للجمال الحسي والمعنوي في القلوب والأذهان وعلى الأرض التي استخلفنا الخالق فيها؟!

أخشى أننا نسير في طريق اللاعودة، وأننا جميعا مستحقون للعقاب القادم، فلم يعد من كتلة حرجة تمثل الحق وتقف في وجه الظلم.

وإن الراية التي أزهقت روحها لم تعُد قادرة علي التحليق عالية ولا أن ترفرف، لفي طريقها لأن تُنَكس وإلى الأبد إن لم يقُم من بين أموات الأمة، الذين أراهم في سيري ليل نهار، من يحمل الأمانة على عاتقه؛ ليجالد الباطل ويحبب الناس في الحق، وليبعث الأمل في جسد الأمة الميت، ويعيد روح العزة والكرامة إلى أنفس عشقت الذل والمهانة، فتعود الروح للراية مجدداً، فترفرف عالية خفاقة، ولأصنع منها بيدي عَلَماً يرفرف في قلبي أولاً، ثم أرفعه على سارية في مدخل بيتي… فإلى ذلك الحين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد