في التسامح.. رسائل فولتير من جديد

طبعاً سياقات القول الفولتيري في التسامح مختلفة، لكن يمكن إسقاطه على الراهن الدولي؛ لأن التسامح الذي يناقشه فولتير، في رسائله/ كتابه هو التسامح الديني تحديداً، والذي بات اليوم مبنيّاً على مبادئ القانون الإنساني الذي يعترف بحقّ الناس في التعدّد في العقائد والأفكار والرؤى وأنماط الوجود على الأرض، من دون أن يقود ذلك إلى المسّ بكرامة الناس وحريتهم، أو التضييق على قناعاتهم الدينية أو الأيديولوجية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/25 الساعة 02:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/25 الساعة 02:35 بتوقيت غرينتش

في اليوم العالمي للتسامح، الذي دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول الأعضاء، إلى الاحتفال به في 16 نوفمبر/تشرين الثاني، فرصة للتساؤل عن التسامح في الواقع الأوروبي، وبالتحديد في الواقع الفرنسي الذي يتصاعد فيه الخطاب المتعصّب ضد الأقليات، خصوصاً من ذوي أصول مغاربية أو مسلمة بصفة عامة.

فخطابات العنصرية والكراهية وممارساتهما في فرنسا تتزايد باستمرار، نتيجة سياسات رسمية تطبّع مع "الإسلاموفوبيا" تحت مبرّرات ومسمّيات مختلفة، بالإضافة إلى أن آلة الدعاية اليمينية تُضفي على المشهد نوعاً من التعقيد باستهدافها للمسلمين الذين تصمهم بالإرهاب، متجاهلةً حقيقة الإسلام من جهة، وقيم العلمانية والمواطنة والتسامح من جهة أخرى.

هنا لا بد من تذكّر كتاب: "قول في التسامح"، للفيلسوف الفرنسي فولتير (1694 – 1778)، باعتبار هذا القول لا يزال ساريَ المفعول، ويدعو فرنسا وأوروبا عامّة اليوم، بإلحاح، إلى إعادة قراءته.

الكتاب لم يـأتِ من فراغ، ولم يكن مجرّد خطاب نظري ينزع نحو التجريد، بل تأسس على الواقع الفرنسي خلال القرن الثامن عشر، وفي خضم الصراعات الدينية التي عاشتها بلاد فولتير قرابة ثلاثة قرون.

لقد كثّف فولتير في كثير من الرسائل التي تضمّنها الكتاب، نقده للظاهرة الدينية المسيحية، كفكرة وتجربة كما شكّلها الغرب، آنذاك، لافتاً إلى أن نزعة التعصّب طغت عليها بشدّة، داعياً إلى التأمّل والتعلّم من المجتمعات الأخرى غير الأوروبية التي كانت تنعم بالتسامح، وتساءل: "هل سنكون نحن آخر مَن يعتنق الأفكار السليمة التي تبنّتها الأمم الأخرى؟ لقد صحّحوا أخطاءهم: فمتى نصحّح أخطاءنا؟".

إنها مرافعة تاريخية إذن، من أجل التسامح والتآخي ونبذ العنف والتعصّب؛ إذ ما فتئ فولتير يدعو الفرنسيين إلى أن يجعلوا من جميع الناس إخوةً لهم رغم اختلاف عقائدهم، مع إقراره بأن "التعصّب مسألة داخلية، ومرض متجذّر في أعماق الشعب الفرنسي"!

طبعاً سياقات القول الفولتيري في التسامح مختلفة، لكن يمكن إسقاطه على الراهن الدولي؛ لأن التسامح الذي يناقشه فولتير، في رسائله/ كتابه هو التسامح الديني تحديداً، والذي بات اليوم مبنيّاً على مبادئ القانون الإنساني الذي يعترف بحقّ الناس في التعدّد في العقائد والأفكار والرؤى وأنماط الوجود على الأرض، من دون أن يقود ذلك إلى المسّ بكرامة الناس وحريتهم، أو التضييق على قناعاتهم الدينية أو الأيديولوجية.

لذلك فبعض المقتطفات من رسائل فولتير ستبدو، على سبيل التجاوز، ردوداً مفحمةً على تصريحات ومواقف سياسية حالية، فإن كان الصحفي ورئيس بلدية بيزييه في باريس عن حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرّف، روبير مينار (مواليد وهران عام 1953)، مثلاً، يقول بالحرف: "أن تكون فرنسياً، يعني، أيضاً، مثلما قال الجنرال دوغول، أن تكون أوروبياً، أبيضَ كاثوليكياً"، فإن فولتير يردّ قائلاً: "ليس هناك بالتأكيد، أيّ مزيّة في اضطهاد أولئك الذين يختلفون معنا، ويوجب علينا كراهيتهم. هناك عبث في التعصّب ويجب أن ألاّ نملّ من تكرار ذلك"، و"لا يمكن أن نحكم فرنسا، بعد أن أضاء لها الطريق باسكال ونيكول وأرنولد وبوسيي وديكارت وغاساندي وبايل وفونتونيل، كما كانت تُحكم في زمن غراس ومونو"، في إشارة إلى الراهبين الأكثر تشدّداً إزاء رؤى التنوير.

لا نشك أن فولتير كان قد كتب رسائله في سياق الصراعات الدينية داخل المجتمع الغربي المسيحي نفسه، لكن استعادته اليوم، تأتي في سياق صراعٍ يأخذ، هذه المرّة أيضاً، طابعاً دينياً، لكن مع وضع الإسلام والمسلمين في الطرف الآخر من المعادلة.

من هنا يستمدّ العمل راهنيّته في المشهد الفرنسي، وهي راهنية جعلت "قولٌ في التسامح" يتصدّر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا بعد أحداث "شارلي إيبدو".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد