بين إرهاب الفكر وإرهاب الزيّ

البوركيني أو البرقع أو الخمار كلها أزياء مصنعة بأيدينا، أما الإرهاب فهو فكر زرع بداخل عقول ضعيفة تنتمي لمجتمعاتنا، وله مليون سبب لو عالجناه لبطل العجب، فلماذا نصب جامَّ غضبنا على رقعة من لباس لا ناقة لها ولا جمل في حروبنا.. سوى أن الله فضَّلها في قرآنه لتستر المرأة وباختيارها ودون إكراه من أحد؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/16 الساعة 04:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/16 الساعة 04:00 بتوقيت غرينتش

ذكرت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المغربية أن السلطات المغربية طالبت التجار بعدم بيع ملابس البرقع، فيما يبدو أنه اتجاه رسمي لمنع النقاب في المغرب، وعللت المصادر منع البرقع بأسباب أمنية بحتة، وقبل المغرب سارت فرنسا وبعض البلدان الأوروبية على نفس المنوال، حين أعلنت منع بيع ملابس البوركيني ولأسباب أمنية أيضاً ومرتبطة بملفات الإرهاب.

ليعود النقاش القديم والجدل المتجدد حول مدى ارتباط الزي بالإرهاب، وحول انتهاك الحريات الشخصية لمواطني تلك البلدان ومن سار على منوالها، ويرجع المجادلون والمختصمون والمحللون وفقهاء الفيسبوك وفلاسفة التوتر ليقدموا لنا أطروحاتهم حول مدى تعلق الحجاب كزي ولبس وعقيدة بالإرهاب كفكر ومنهج متطرف، هل يحتاج الإرهابي لزي معين حتى يفجر نفسه في مكان معين؟ أو على الأقل يحتاج للِحْيَة حتى ينفجر بسمومه التكفيرية في وجه المجتمعات؟ الموضوع يحتاج لألف دراسة وألف جلسة للحوار، وإعادة النظر مرات ومرات حتى لا نخسر كل شيء، ويكسب الإرهاب والإرهابيون كل شيء، يهزموننا نفسياً وأمنياً ثم ينتصرون علينا فكرياً وبأيدينا وأيدي رجال دولنا الذين يجب أن يكونوا في الصف الأول في أرض المعركة ضد الإرهاب لا أن يرهبونا بقوانينهم الصارمة التي تنال من حريات الناس الشخصية، وتحاصر الفكر المعتدل، فتصبح مشجعة على الإرهاب هي الأخرى.

عادت حليمة العربية التي تعشق مواضيع النقاش الساخنة والمثيرة، والتي توضع حولها آلاف علامات الاستفهام.. عادت لعادتها القديمة، الحروب الفيسبوكية والأيديولوجية، بين مدافع عن الحجاب باعتباره رمزاً إسلامياً وفريضة ولديه كل الحق في ذلك؛ لأن الأصل أن الحجاب فريضة.. لكنه في لحظة الدفاع المقدس الانفعالية، نسي أن يسأل نفسه: مَن يحق له أن يفرض الحجاب على المرأة؟ هل المجتمع نفسه لديه الحق أن يفرض الحجاب على المرأة أم الدولة أم الأسرة؟ أم أن لدى المرأة كامل الحرية وحق الاختيار في ذلك؟

هذا الصنف أخف ضرراً من الصنف الثاني الذي يعتبر الحجاب تخلفاً ويربطه بالإرهاب، بل ويربط الإسلام نفسه بالإرهاب، ويطالب بمنع كل الرموز والشعائر الإسلامية في بلد كل أهله مسلمون، حتى ولو نسي أولئك أن الحجاب فريضة إسلامية، كيف ينسى أن هناك حرية شخصية لكل إنسان يكفلها له القانون والنظام ويجب أن تحترم، يتجاهلون كل ذلك هم ومن سار على منوالهم.. ويبدأ الصراع ويا لَه من صراع بلا بداية وبلا نهاية، كل مرة ينتظرون حادثة إرهابية حتى تشتعل صراعاتهم وتعود للواجهة، إنه الصراع من أجل الغلبة الفكرية فقط، من أجل مَن يفوز بالنقاش؟ هل الحجاب إرهاب أم فريضة؟ هل يمنع أم يترك لشأنه؟

الخاسر الوحيد في تلك المعركة هو المرأة نفسها، تخسر حريتها وتتوه بين فلاسفة العصر والمفكرين الجدد، دون أن يضعوا حلاً لهذا الجدل المحسوم.

البوركيني أو البرقع أو الخمار كلها أزياء مصنعة بأيدينا، أما الإرهاب فهو فكر زرع بداخل عقول ضعيفة تنتمي لمجتمعاتنا، وله مليون سبب لو عالجناه لبطل العجب، فلماذا نصب جامَّ غضبنا على رقعة من لباس لا ناقة لها ولا جمل في حروبنا.. سوى أن الله فضَّلها في قرآنه لتستر المرأة وباختيارها ودون إكراه من أحد؟

وفي الأخير لقد خلق الله الإنسان حراً، فاتركوه يختار الطريقة التي يعيش بها حياته، اتركوا المرأة تنتقي وتختار حجابها عن قناعة ودون فرض من أحد أو سلطة من قريب أو قانون من دولة.

أبعدوها وأبعدوا حجابها عن صراعاتكم وحروبكم ضد الإرهاب، لن تنتصروا عليها أولاً ولن تنتصروا إلا بها في الأخير.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد