يعاني سكان الجزائر العاصمة من أزمة تنقل في الليل، فالحركة تقل بالمدينة في المساء الباكر، وذلك بعد اختفاء النقل العمومي من شوارعها، ويصبح أمر إيجاد وسيلة للوصول إلى أطرافها مسألة غاية في الصعوبة.
ويسارع موظفو الجزائر العاصمة بعد انتهاء دوامهم، للوصول إلى محطات الحافلات، قبل أن يعلن سائقوها موعد الرحلة الأخيرة من اليوم، ويصبحون في حال عدم اللحاق بها، عرضة لابتزاز سائقي سيارات الأجرة الخاصة، والذين يطلبون منهم أجوراً عالية لقاء خدماتهم.
وأطلقت بلدية العاصمة سنة 2013 مشروع "الجزائر لا تنام"، بهدف بعث الروح والحركة في شوارع المدينة في الليل، وتحسين جودة الخدمات التي تقدمها للجزائريين خلاله.
الرحلة الأخيرة لليوم
الساعة تشير إلى السادسة بعد الزوال، نحن في محطة الحافلات ببن عكنون (غرب العاصمة)، في كل رصيف توجد حافلة واحدة ينتظر سائقها أن تمتلئ كي ينطلق في رحلته الأخيرة لهذا اليوم.
بينما كان سائق حافلة خط بن عكنون- درارية، ينادي لجلب الزبائن، جاءته امرأتان تسألانه "وليدي ماكاش دويرة (بني ألا توجد حافلة دويرة)"، الخيبة بدت مباشرة على وجهيهما، حيث أبلغهما السائق بمغادرة كافة الحافلات التي تعمل على هذا الخط.
تقول إحدى السيدتين بتذمر إنها تعمل وسط العاصمة "وتأخرنا في الزحام الشديد، الله غالب ليس بأيدينا"، قبل أن تضيف مرافقتها "الآن المحطة خاوية على عروشها، لا يوجد إلا القطط وأمثالنا ممن أَضاعوا الحافلة الأخيرة، ولا نعرف كيف يمكن أن نصل إلى منازلنا الآن بعد يوم عمل متعب".
حينما وصلت الحافلة محطة "الدراية" الأخيرة، كان آذان المغرب قد مر، والظلام بدأ يزحف على المدينة. الكثير من الركاب لم يصلوا منازلهم بعد، فغالبيتهم متوجهون إلى بلدتي "الدويرة" و"بابا أحسن"، غير أن حركة السير إلى هناك توقفت، ولا حافلة للنقل تأخذهم إليها.
بعض الركاب هاتفوا ذويهم كي يأتوا إليهم بالسيارات، أما الشباب فيفضلون السير على الأقدام لكيلومترات، أو الوقوف على قارعة الطريق وانتظار فاعل خير يقلهم، على أن يركبوا سيارات أجرة، يستغل أصحابها غياب وسيلة نقل أخرى، ليطلبوا نظير خدماتهم ثمناً مرتفعاً.
ويزداد في الليل عدد السيارات التي تنشط بطريقة غير شرعية في مجال النقل، أو ما يسمى في الجزائر بـ"الفرود" و"الكلونديستان". أصحاب هذه السيارات مواطنون عاديون، يمتهنون في النهار نشاطاً آخر، وقبل الغروب تجدهم قرب محطات النقل المتفرقة في البلد، وذلك لاقتناص من لم يجدوا وسائل النقل الجماعي، ليقلوهم بسعر يتراوح ما بين 4 و 8 دولارات، حسب الجهة المقصودة.
مغادرة العمل مبكراً
فتحية، سيدة متزوجة تعمل بإحدى المؤسسات الحكومية، قالت لـ"عربي بوست"، إنها تضطر دائماً لمغادرة مقر عملها على الـ 3 عصراً، أي قبل نهاية الدوام بساعة كاملة، خوفاً من انتهاء الحافلات وتضييع وقت طويل في طوابير السيارات، نظراً للازدحام الشديد الذي تعرفه الشوارع مع مغادرة جميع العمال لمؤسساتهم.
وتضيف فتحية "كلما خرجتُ على الساعة الرابعة وصلتُ بحافلة واحدة، واضطررتُ حينها إلى الصعود واقفة وسط تدافع شديد، ليس أمامي سوى هذا الحل أو الانتظار طويلاً حتى تأتي حافلة أخرى.. وربما قد لا تأتي".
من جهة أخرى، يؤكد عبد الحكيم، وهو صحافي جزائري، أن وضع وسائل التنقل في بلاده "كارثي، سواء من حيث التوقيت أو الخدمات، فمعظم الحافلات يعود تاريخ دخولها حيز الخدمة إلى أكثر من 20 سنة، وتعرض حياة المواطنين للخطر لما تسببه من حوادث مرور كثيرة".
وأطلقت بلدية الجزائر الوسطى منذ سنتين مشروعاً سمي بـ"الجزائر لا تنام"، والذي يهدف إلى بعث الحركة في العاصمة ليلاً، بما في ذلك تحسين خدمات التنقل، غير أن الشاب الجزائري زبير، والذي يعمل بالمدينة، يرى أن المشروع لم يحقق أي نجاح، "بل أصبح اسم المدينة للأسف هو العاصمة النائمة، فالمحلات تغلق باكراً، هذه ليست عاصمة بالمقارنة مع عواصم أخرى".
النقل ليس وحده الذي ينام باكراً
يدافع أحد سائقي حافلات النقل الجماعي، عن زملائه الذين يتوقفون عن العمل مبكراً، بالقول "نحن نتماشى مع نمط عيش المواطنين، كل الجزائريين، يتوجهون نحو العمل في تمام الـ 8 صباحاً، ويعودون إلى بيوتهم على بعد الـ 4 عصراً"، وعن الناس الذين يضيعون الحافلة الأخيرة يجيب " كل واحد لازم يعمل حسابه".
أما السائق رضوان، الذي يملك خبرة تفوق الـ 10 سنوات في هذا المجال، فيؤكد أن المشكل في المواطنين، موضحاً " في كل مرة أعمل إلى الـ 7 مساء، يصعد ركاب وينزل آخرون ليستقلوا التاكسي، يظنون أني سأمكث لوقت طويل في المحطة، وعندما أعمل لهذا الوقت من أجل عدد قليل، فالأفضل لي أن أعود إلى منزلي باكراً".
ويضيف نفس المتحدث قائلاً " من جهة يشتكون من انعدام وسائل النقل ومن جهة أخرى يفضلون التاكسي الذي يفوق سعره سعر الحافلة بـ20 مرة".
ويرى بوكروش سيدي علي، المنسق في نقابة الناقلين على مستوى الجزائر العاصمة، أن المشكلة أكبر من أن تحصر في النقل العمومي فقط "فالبنوك والمؤسسات والوزارات كلها تغلق أبوابها على الساعة الـ 4 عصراً ، وأصحاب الحافلات يجدون أنفسهم مجبرين على مسايرة توقيت أغلبية الناس".
وأوضح بوكروش أن "النقل العمومي يستطيع الانطلاق بـ10 ركاب، لكن الخواص لديهم أعباء مالية، ولا يستطيعون مغادرة المحطة قبل امتلاء المركبة"، مؤكداً أنه لا يوجد قانون أو قرارات حكومية تلزمهم بالعمل وفق برنامج معين.