بوتين ضمن دوره كأهم وسيطٍ أمّا ترامب فليس له أي فكرةٍ عما يجري.. موسكو تقوم بدفعة لحسم مسألتي سوريا ودور أميركا المرتبك

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/24 الساعة 13:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/24 الساعة 13:22 بتوقيت غرينتش

قبل عامٍ واحدٍ بالضبط، ألحق الرئيس السوري بشار الأسد بمساعدة روسيا دماراً كبيراً بآخر الأحياء التي تُسيطر عليها المعارضة في حلب.

قال أحد السكان في ذلك الوقت إنَّ القنابل العنقودية والقنابل الخارقة للتحصينات كانت تسقط من السماء "كالأمطار". وظن الأطفال خطأً أنَّ أضواء الذخائر الفوسفورية الساطعة هي ألعاب نارية.

أدى سقوط حلب وفق تقرير صحيفة الإندبندنت البريطانية إلى تحويل مسار الحرب الأهلية جذرياً لمصلحة النظام. وهذا الأسبوع، بينما يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس السوري الأسد ونظيريه الإيراني والتركي لمناقشة إطار العمل للتحضير لسوريا "ما بعد الصراع"، يبدو أنَّ بوتين ضمن دوره كأهم وسيطٍ أجنبي لعقد الاتفاقات في الشرق الأوسط.

التوصل إلى حلٍ سياسي وليس عسكري

فى وقتٍ سابق من هذا الشهر عندما اجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع بوتين فى فيتنام، أصدرا بياناً مشتركاً أكدا فيه رغبة بلديهما في التوصل إلى حلٍ سياسي ولا عسكري للحرب الأهلية في سوريا المستمرة لسبعة أعوام حتى الآن. وذكرت العديد من المصادر التابعة لوزارة الخارجية الأميركية إنَّ بوتين وعد بالالتزام الكامل بعملية السلام التي تدعمها الأمم المتحدة في جنيف. وقد بدأت محادثاتٌ جديدة هناك في 29 نوفمبر/تشرين الثاني.

المساعي الروسية في مقدمة الجهود

ولكن بعد سنواتٍ من المفاوضات الفاشلة في كلٍ من سويسرا والرياض، وعلى حد وصف سام هيلر زميل مؤسسة القرن في بيروت، يبدو أنَّ الجهود التي يرعاها الغرب لتحقيق السلام قد أصبحت "مُعطلَّة هيكلياً"، في حين أصبحت المساعي الروسية في مقدمة الجهود.

وقال هيلر لصحيفة الإندبندنت البريطانية "إنَّ دينامية ثنائية المعارضة والنظام والخصومة بينهما حاضرة في قلب مفاوضات جنيف، وهي لا تجدي نفعاً على الإطلاق".

وأضاف هيلر: "يبدو أنَّ ما تفعله روسيا هو خلق مجموعة من العمليات المتوازية التي يمكن من خلالها أن تتحرك الأمور إلى الأمام، في حين لا تزال جنيف ورُعاتها الغربيون عالقين في مكانهم لأعوام. ويُصر الروس على أنَّ هذه العمليات الأخرى لا يُقصد منها تقويض مفاوضات جنيف. ومن خلال عملياتٍ مثل قمة سوتشي، يمكن لروسيا تحقيق العناصر الرئيسية لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 [الذي يدعو إلى حلٍ سياسي في سوريا] خارج نطاق مفاوضات جنيف غير المُجدية، ثم تذهب بها إلى جنيف للتصديق عليها وإعطائها الشرعية الدولية".

تحقيقاً لهذه الغاية، تحولت مدينة سوتشي الساحلية الهادئة التي يُقيم بها بوتين في فصل الشتاء في الأيام الأخيرة إلى مركزٍ حيوي يعج بجهود الدبلوماسية العالمية.

ففي خلال أقل من 72 ساعة، أجرى الرئيس الروسي محادثاتٍ مع الولايات المتحدة، وسوريا، والسعودية، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل، ومصر بهدف تعزيز دور روسيا باعتبارها لاعباً أساسياً بالمنطقة.

ويُمثل المؤتمر الثلاثي بين روسيا وإيران وتركيا ذروة الماراثون الدبلوماسي لبوتين. جاء ذلك المؤتمر بعد اجتماعٍ تمهيدي مفاجئ بين بوتين والأسد في سوتشي الإثنين الماضي.

لقد كانت إيران منذ فترةٍ طويلة حليفاً دائماً لروسيا في قضية سوريا، خاصةً فيما يتعلق بوضع الأسد، في حين دعَّمت تركيا الجماعات المعارضة للأسد منذ بدء احتجاجات الربيع العربي في عام 2011، وكانت في مرحلةٍ ما في صراعٍ مفتوح مع روسيا.

والجبهة المشتركة التي تمثلها الأطراف الثلاثة الآن كانت متوقعةً منذ فترةٍ طويلة.

وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في تغريدةٍ على تويتر: "لا حاجة للكلمات الفارغة أو الحيل – أو الكرات المتوهجة (في إشارة لحفل افتتاح المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف في الرياض في مايو/أيار الماضي)- عندما تنشغل حقاً بالعمل من أجل السلام ومكافحة الإرهاب".

وفى بيانٍ مشترك تعهد الزعماء الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحانى والتركي رجب طيب أردوغان بالالتزام بما وصفوه بـ"مرحلة ما بعد الصراع" في الحرب السورية.

ولكن ما زالت هناك وفق الإندبندنت العديد من النقاط التي لم تُحسم بعد. إذ قال مستشارٌ بارز للرئيس الأسد الخميس 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إنَّ محادثات روسيا المُزمع إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول التي ستجمع النظام السوري والمعارضة على طاولة المفاوضات لن تنجح إلا إذا وضعت المعارضة أسلحتها. بينما أكدت تركيا مجدداً أنَّ بقاء الأسد في منصبه هو "خطٌ أحمر".

ولكن ثمة اتفاق على "العمل معاً في جميع المجالات" بسوريا.

الجهود الروسية ستنتقل قريباً من ساحة المعركة إلى إعادة الإعمار

ستعمل القوى الأجنبية الثلاث كدولٍ ضامنة لفرض مناطق تهدئة والدفع بالعملية السياسية، وستساعد كذلك في بناء المدارس والمستشفيات والملاعب.

قال بوتين فى تصريحاته للصحافة الأربعاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني إنَّ الجهود الروسية ستنتقل قريباً من ساحة المعركة الى إعادة الاعمار. وأضاف أنَّ التعاون العسكري "أنقذ سوريا من الانهيار. وأصبحت عملية التسوية طويلة الأمد ممكنة الآن".

وسيشعر بوتين بالارتياح إزاء ما يشي به المؤتمر عن النفوذ الروسي في المنطقة، خاصةً وأنَّ إدارة ترامب عاجزة عن الدفع بأهداف السياسة الخارجية الأميركية طويلة المدى.

العمليات الروسية الوحشية ساعدت على بقاء الأسد

تغيرت الكثير الأمور منذ تدخل الجيش الروسي في الصراع في سبتمبر/أيلول 2015. فبفضل عمليات الدعم العسكري الروسية التي اتسمت بالوحشية معظم الوقت، ساعدت روسيا الأسد على العودة من حافة الهاوية إلى حكم ما تبقى من بلده بثقةٍ مرةً أخرى.

وبفضل الهجمات الجوية الروسية والأميركية، لم يتبقَّ لدى داعش سوى جزءٍ صغير من الأراضي التي سيطرت عليها في ذروة قوتها عام 2014.

وفي الأوساط الدبلوماسية، أصبحت الدعوات إلى "ضرورة رحيل الأسد" أكثر خفوتاً مما كانت عليه.

وموقف الولايات المتحدة من الأسد، والذي كان سابقاً يرى بقاء الأسد خطاً أحمر، لم يعد شرطاً مسبقاً للتسوية رغماً من تصريحها هذا الأسبوع بأنَّها ربما تحافظ على وجودها العسكري في سوريا للضغط على الأسد لتقديم التنازلات في مفاوضات جنيف.

وقالت فاليري سيبالا المديرة التنفيذية لمعهد سوريا البحثي لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية: "ليس لدى ترامب أي فكرةٍ عما يجري. لقد قوضت كلُ من روسيا والحكومة السورية عملية جنيف على نحوٍ فعال. ولا أعتقد أنَّ أي شخص تراوده أية أوهام تتعلق بإمكانية نجاح المفاوضات حاليّاً أو في المستقبل في هذا الوضع".

وتمسك ائتلافٌ يضم 30 فصيلاً من المعارضة السورية الخميس في محادثاتٍ موازية بالرياض يدعمها الغرب بمطلبه الخاص باستبعاد الأسد من أي دورٍ في مستقبل سوريا.

ومن المفترض أن تساعد هذه المناقشات التي تهدف إلى توحيد صفوف المعارضة جهود الجولة الثامنة من المحادثات بين المعارضة والنظام التي تبدأ في جنيف الأسبوع المقبل.

ويتوقع قليلون تحقيق تقدمٍ في عملية السلام. وبدلاً من النظر إلى الولايات المتحدة كلاعبٍ رئيس، تتجه كل الأنظار إلى ما ستحققه الألاعيب الروسية الدبلوماسية في الفترة القادمة.

تحميل المزيد