عندما وصلنا بالسفينة أكواريوس إلى المنطقة المحددة مسبقاً والمعروفة بالبحث والإنقاذ، أخبَرَنا منسقو المهمة بأنهم يتوقعون أن تبدأ عمليات الإنقاذ صباح الغد، لم أتوقع أن نجد أي مهاجرين في هذا الوقت، لا سيما بسبب الطقس غير المواتي على الشواطئ الليبية، حتى وإن كان الطقس أفضل على بُعد أقل من 60 كيلومتراً حيث تقف سفينتنا.
لكن الحقيقة أن معدلات وصول المهاجرين كانت أكثر كثيراً مما توقعت، فخلال أقل من 24 ساعة من إعلان المنسقين لتوقعاتهم بوصول قوارب المهاجرين، قامت فرق أطباء بلا حدود و SOS بإنقاذ 150 شخصاً في عمليتَي إنقاذ.
في البداية، استطاع أحد أفراد طاقم السفينة أن يلحظ قارباً خشبياً صغيراً يتهادى على بُعد مئات الأمتار من سفينتنا، كان القارب صغيراً للغاية فلم يرصده الرادار على الرغم من الأمواج الهادئة التي لن تحجب إشارات الرادار.
على الفور، بدأت طواقم الإغاثة والأطباء في التجهيز، الجميع يعرفون مسؤولياتهم جيداً، بدأ تقنيو السفينة والمنقذون بإعداد قاربَي الإنقاذ، وخلال دقائق، كان القاربان في طريقهما إلى القارب الخشبي الذي يحمل عدداً من المهاجرين الأفارقة.
تتم عملية الإنقاذ بشكل سريع وعملي، يهبط القاربان من على سطح السفينة إلى البحر، ويتوجهان لقارب المهاجرين، وحينها يجري تقييم سريع بواسطة المسعفين، لمعرفة ما إذا كان هناك أشخاص في حالة خطرة، أو مرضى، أو أطفال، وعلى أساس هذا التقييم سيتم التصرف. إذا كان جميع المهاجرين على ما يرام، فسيتم توزيع سترات النجاة عليهم جميعاً، قبل أن يتم نقلهم واحداً واحداً إلى قاربَي النجاة، أما إذا كان هناك عطل في القارب مثلاً، فإن المنقذين مستعدون بقوارب مطاطية يتم تجهيزها سريعاً لنقل المهاجرين إليها مؤقتاً، ومنها إلى سطح السفينة.
بمجرد وصولهم إلى السفينة، يبدأ المهاجرون بالانتقال إما إلى منطقة الرجال، وهي مساحة مفتوحة على سطح السفينة، ومغطاة بعوازل بلاستيكية تمنع المطر والرياح، أو إلى منطقة النساء، وهي غرفة واسعة داخل بطن السفينة، يطلق عليها موظفو الإغاثة: "الملجأ" Shelter.
أثناء وصول المهاجرين، أو كما يطلق عليهم الموظفون هنا "الضيوف"، يبدأ موظفو أطباء بلا حدود بتوثيق بياناتهم الأولية، مثل العمر والجنس والدولة القادم منها، وأثناء عملية التسجيل تلك يتم التأكد أيضاً مما إذا كانت هناك أية أعراض مرضية خطيرة على المهاجرين لتحديد ما إذا كان أحدهم بحاجة إلى مساعدة طبية عاجلة.
كان كل ذلك واضحاً في أذهان الجميع، ولذلك عندما أعلن يوهان، منسق منظمة SOS على السفينة، أنهم قد وجدوا قارباً للاجئين، تحرك الجميع بسرعة، وخلال أقل من ثلاثين دقيقة، كان الموظفون هنا قد استطاعوا نقل 26 شخصاً، منهم 11 امرأة، ومعظمهم من نيجيريا، إلى سطح السفينة.
كان معظم المهاجرين من نيجيريا، فيما جاء بعضهم من غانا وبوركينا فاسو.
كانت العملية سريعة للغاية، بدا المهاجرون هادئين بشكل غير طبيعي، لكن ماكس آفيس، نائب منسق عمليات البحث والإنقاذ على سطح أكواريوس، أرجع ذلك للطقس الهادئ ولوضع قاربهم الجيد نسبياً.
"كانت هذه العملية هي الأكثر سلاسة من بين كل العمليات التي خضناها" هذا هو ما أخبرني إياه أكثر من شخص من موظفي الإغاثة هنا.
بعد عدة ساعات، وبُعيد منتصف الليل، وصلت إشارة لأكواريوس من غرفة عمليات مركزية في روما، تؤكد استقبالها إشارة استغاثة من قارب حدد موقعه بالقرب من أكواريوس، بدأت عمليات البحث في المنطقة واستمرت حتى الصباح، وشاركت فيها طائرة هليكوبتر تابعة للبحرية الإيطالية، إلا أنه لم يُعثر لهذا القارب على أثر في تلك المنطقة.
لكن البحر يعجّ بالمهاجرين، فقُبيل ظهر اليوم التالي، لاحظ مَن يقوم بدورية المراقبة مِن منظمة SOS وجود قارب مطاطي على بُعد قرابة 4 أميال باتجاه المياه الإقليمية الليبية التي نقف في الشمال الغربي منها.
أخبرني قبطان السفينة الذي يحمل جواز سفر روسياً أن هذا القارب ليس هو نفس القارب الذي يتم البحث عنه منذ ساعات الصباح المبكرة. "هناك الكثير من هذه القوارب" قال الرجل بعجلة أثناء تفقده لخريطة المنطقة.
خلال 16 دقيقة، كانت السفينة في موقع القارب الذي بدا على وشك الغرق، عندما وصل المنقذون إلى موقع القارب، كان المهاجرون في حالة من الفزع الشديد؛ إذ كان القارب الذي يستقلونه على وشك الغرق!
بدأ طاقم SOS بإعداد القوارب المطاطية الصغيرة، ومن ثم نقل المهاجرين إليها، قبل أن تتم عملية النقل المعتاد إلى القارب، لكن هذه المرة كان العدد أكبر كثيراً.
وخلال ساعة واحدة، كان المنقذون قد قاموا بنقل 121 رجلاً وامرأتين إلى سطح المركب، معظمهم في حالة جيدة، وعدد قليل منهم في وضع يحتاج إلى متابعة صحية سريعة.
وعلى الرغم من التبليغ الأوليّ الذي لم يؤكد وجود أطفال، فإن التسجيل الذي قامت به أطباء بلا حدود أكد وجود 29 شخصاً تحت الثامنة عشرة، من بينهم أربعة قُصّر بين 13 و15 سنة.
بالنسبة للكثيرين من هؤلاء، مجرد وجودهم على هذه السفينة يعني نهاية رحلتهم الطويلة التي خاضوها حتى وصولهم إلى تلك النقطة، أما بالنسبة للموظفين على السفينة، فهذه هي بداية مهمتهم، ولهذا قصة أخرى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.