أبدت الولايات المتحدة الأميركية غضبها من اقتراح دول مجموعة شرق إفريقيا منع استيراد الملابس المستوردة، بهدف تعزيز الصناعة المحلية، وخلق فرص عمل جديدة للمواطنين.
وطرحت المجموعة المكونة من كينيا، أوغندا، تنزانيا، بوروندي، وروندا، هذا الاقتراح في شهر مارس/آذار 2016 لتجابه بمعارضة دولية ومحلية.
وأعربت ديبورا مالاك، سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى أوغندا في حوارها مع صحيفة Daily Monitor الأوغندية، عن قلقها من قرار الحظر.
وفي لقائها مع ريبيكا كاداجا، المتحدثة باسم البرلمان الأوغندي، في أغسطس/آب 2016 لمناقشة قرار المنع، حذرت مالاك من تشريع هذا القرار، وأنه سيؤثر سلبياً على الأرباح التي تعود على أوغندا من قانون النمو والفرص لإفريقيا، الذي يهدف إلى توسيع التجارة والاستثمار الأميركي مع جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية من أجل تحفيز النمو الاقتصادي للمنطقة.
وينص القانون أيضاً على إعفاء الدول الإفريقية من الرسوم الجمركية في سوق الملابس بأميركا، ولإبقاء هذا الإعفاء قائماً، يجب على كل دولة أن تبذل مجهوداً لتفعيل القانون والالتزام بمعايير العمل الأساسية واحترام حقوق الإنسان.
موقع "هافينغتون بوست" توصل إلى السفيرة مالاك، لكنها رفضت أن تتحدث فيما يتعلق بهذا الملف.
لماذا غضبت أميركا؟
ويعتبر تصدي الولايات المتحدة لقرار المنع هو أمر منطقي، باعتبار أن هذه الملابس المستخدمة هي مصدر ربحي يشمل قطاعاتً عدة، وعالمياً تُقدر التجارة بالملابس المستخدمة بالجملة عالمياً بحوالي 3.7 مليار دولار، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية.
فقط في عام 2014، استوردت مجموعة من بلاد في شرق إفريقيا ملابس مستخدمة بأكثر من 300 مليون دولار، من الولايات المتحدة وبعض الدول المتقدمة، هذه البضاعة خلقت سوقاً قوياً يعتمد على هذه التجارة، وبالتالي وفرت عدداً لا بأس به من الوظائف، لكن بعض الخبراء يرون أن هذا الكم الضخم من الملابس القادمة من الخارج دمر صناعة الملابس المحلية وقاد البلاد إلى الاعتماد بشكل كبير على الغرب.
في أوائل التسعينات من القرن الماضي كانت كينيا تمتلك نحو 110 مصانع ضخمة لتصنيع الملابس، وبحلول عام 2006 انخفض هذا الرقم إلى 55 مصنعاً فقط، وفقاً للدراسة، وبعد 10 أعوام لازال شرق إفريقيا يمتلك إنتاجاً محدوداً من الملابس والمنسوجات، فأصبح في كينيا حالياً 15 مصنعاً للمنسوجات فقط.
واستوردت أوغندا العام السابق فقط 1261 طناً من الملابس المستخدمة وبعض المواد الأخرى من الولايات المتحدة، حيث تمثل 81% من تجارة الملابس، وفق قاعدة بيانات الأمم المتحدة United Nations Comrade Database.
ورغم عدم احتمالية مرور هذا القانون فإنه تلقى مقاومات عدة من الولايات المتحدة الأميركية التي تضخ أطناناً من الملابس المستخدمة إلى جميع أنحاء العالم، ومن البائعين في شرق إفريقيا الذين يعتمد رزقهم بشكل أساسي على هذه البضاعة المشحونة، وأيضاً من بعض الخبراء الذين يعتقدون أن مجرد المنع ليس كافياً لإنعاش الإنتاج الوطني لهذه البلاد.
ولكن من جهة أخرى يرى المؤيدون لقرار المنع أنه سيساعد بشكل كبير في تقوية اقتصاد دول شرق إفريقيا، ولغرس شعور الانتماء والفخر في مواطني هذه البلاد.
السكرتيرة الرئيسية لوزارة دول شرق إفريقيا، بيتي ماينا، قالت لجريدة The East African: "المنطقة على استعداد لتصبح مجموعة صناعية، من خلال الانتقال إلى مستوى جودة أعلى في الإنتاج، والالتزام بشروط الصناعة العالمية".
بواقي ملابس الغرب التي هاجمت شواطئ شرق إفريقيا فجأة تباع بأسعار منخفضة بشدة، إذ يمكنك شراء بنطلون جينز بـ1.50 دولار فقط من سوق جيكومبا بمدينة نيروبي في كينيا، وهو أكبر سوق ملابس مستعملة في إفريقيا، وبالطبع هذه الأسعار غير التنافسية جعلت الملابس المحلية الصنع تبدو مرتفعة الثمن جداً بالمقارنة بها.
جوسيف نياجاري من اتحاد الصناعات المنسوجة والقطن الإفريقي يقول لموقع Think Progress: "متوسط تكلفة الملابس المستهلكة يكون بين 5% إلى 10% من تكلفة الملابس الجديدة المصنعة بكينيا، ما يجعل البضاعة المستوردة لا تنافس".
ووفقاً لدراسة أجريت عام 2006 على صناعة الغزل والنسيج والملابس في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أصبحت إفريقيا مشهورة بالملابس المستوردة المستخدمة رخيصة الثمن منذ ثمانينات القرن العشرين، حدث ذلك عندما انفجرت أزمة الديون في أميركا اللاتينية التي أثرت بشكل كبير على الدول الفقيرة، وارتفعت تكلفة الإنتاج في المناطق النامية، ما أدى إلى تراجع الصادرات من أميركا اللاتينية إلى بلاد شرق إفريقيا.
كما ألغت الحكومة في إفريقيا دعمها لقطاع الصناعة، وأزالت القيود عن التجارة الخارجية وفتحت أبوابها للمصدرين من الخارج.
حتى المنظمات الإنسانية تستفيد
المستوردون هم أكثر المتضررين من المنع، لذا بالتأكيد هم أول من سيتصدى له، على سبيل المثال Global Clothing Industries، المتخصصة في إرسال وشحن الملابس المستخدمة والأحذية وبعض المواد الأخرى، وتتعامل مع 40 دولة حول العالم في القارات الخمس إفريقيا، وآسيا، وأستراليا، وأوروبا، وأميركا الشمالية والجنوبية.
حتى المنظمات غير الربحية مثل Oxfam و Salvation Army لا تمنح الملابس المستخدمة مجاناً، فعندما يتخلص المتبرعون مما لا يحتاجون إليه، تقوم هذه المنظمات بإرسالها إلى الدول النامية وتبيعها للتجار، بعدها يقوم التجار بدورهم ببيع هذه البضاعة في الأسواق المحلية، حسبما أفادت صحيفة The Guardian.
كثير من التجار المحليين معارضون بشدة لمشروع القانون المقترح، "دعهم يتجرأون ويفعلون ذلك! سنتظاهر بالشوارع ونقاومهم"، هذا ما قالته إليزابيث، إحدى البائعات لملابس السيدات في سوق نيروبي بكينيا، وهو حال العديد من سكان المنطقة.
ويستطيع البائع بسوق جيكومبا في نيروبي بكينيا أن يبيع في اليوم الواحد بـ1000 شلن كيني، الذي يساوي 10 دولارات فقط، ما يوفر له مستوى معيشة مناسباً، حسب مجلة The Economist.
حالة سيئة
ورغم انتشار تجارة الملابس المستعملة بشكل كبير فإن معظم الملابس تكون بحالة سيئة، بالإضافة إلى أن مقاسات الغرب لا تتلاءم مع المستهلكين في شرق إفريقيا بشكل جيد.
أندرو بروكس، مؤلف كتاب Clothing Poverty: The Hidden World of Fast Fashion and Second-hand Clothes، يرى أنه حتى مع محاولة تكثيف الإنتاج المحلي بالمنطقة، فإن معظم المواطنين الفقراء لن يقدروا على تحمّل تكلفتها، بالإضافة إلى أن بعض الخبراء يشككون بقدرة قرار المنع في تنشيط الصناعة المحلية بالمنطقة.
والأكثر من ذلك أن قرار المنع لن يشمل استيراد الملابس الجديدة والتي بالطبع تزيد كثيراً في ثمنها على الملابس المستخدمة، ولكن مع ذلك تظل أرخص من المنتجات المحلية الصنع، هكذا قال بروكس في حواره مع The Guardian.
ويضيف: "إذا كان صناع القرار في شرق إفريقيا يهدفون حقاً إلى تغيير الوضع الراهن، فيجب اتخاذ قرارات جريئة وحازمة، حتى ولو كانت هذه القرارات يمكن أن تكون غير متقبلة في ظل المطالبات الدولية للتجارة الحرة".
ولجعل قرار المنع يعطي النتائج التي يرغبها صناعه، يقترح بروكس أن يتم فرضه ولكن تدريجياً، مع فرض الضرائب على الملابس المستعملة وتقديم الدعم للتصنيع المحلي.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Huffınghton post الأميركي. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.