يبدو أن دول النمور الآسيوية، التي أهمها كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة وتايوان وهونغ كونغ، بدأت تشهد احتجاجات ومظاهرات نوعية -ربما- تستقطب انتباه مختلف دول العالم، مثلما كانت هي أيضاً مركزاً للإعجاب بنموها الاقتصادي وتطوّرها الحضاري الذي شهدته خلال الأعوام الماضية، وحققت في مجالات كثيرة قفزات غير مسبوقة، أصبحت بسببها محلَّ أنظار العالم وتطلعاتهم.
فقبل حوالي أسبوعين من الآن خرجت مظاهرات حاشدة في كوريا الجنوبية قوامها قارب الـ(200) ألف شخص، احتجاجاً على رئيستهم (بارك كون هيه) -التي كانت فازت في الانتخابات الرئاسية بنسب تأييد انتخابية عالية- مطالبين برحيلها، بسبب القبض على صديقتها (تشوي سون سيل) في قضية فساد واستغلال نفوذ! فقط كان هذا سبب احتجاجاتهم ومطالباتهم برحيل رئيستهم!!
ولم تكد تهدأ الاحتجاجات الكورية حتى خرجت مطلع هذا الأسبوع مظاهرات مماثلة لها في ماليزيا؛ إذ تجمَّع محتجون في العاصمة كوالالمبور في مظاهرة ضخمة نظمها الائتلاف من أجل انتخابات حرة ونزيهة، المسمى بجماعة (بيرش)، بالرغم من اعتقال السلطات الأمنية زعيمته ماريا شين عبدالله، وعضو الأمانة العامة للائتلاف مانديب سينج، وعدد من القيادات والناشطين فيه، قبل بضع ساعات من الموعد المحدد لخروج هذه التظاهرات.
عنوان المظاهرات وموضوعها كان هو الاحتجاج على الفساد المالي وتفشِّيه، كما طالبوا برحيل رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبدالرزاق، وذلك على خلفية دعاوى قضائية أقامتها وزارة العدل الأميركية، ذكرت فيها أن أكثر من (3.5) مليار دولار اختلست من الصندوق الحكومي الماليزي المسمى (1إم.دي.بي) الذي كان قد أسسه رئيس الوزراء نفسه، وأن بعضاً من هذه الأموال دخلت حسابات "المسؤول الماليزي رقم 1″، وهو الذي حدده مسؤولون أميركيون وماليزيون بأنه نجيب عبدالرزاق، الذي اتَّخذ خطوات تهدف إلى الحد من مناقشة هذه الفضيحة، مثل عزل أحد نواب رئيس الوزراء، وتغيير النائب العام، وتعليق صدور صحف، وحجب مواقع على الإنترنت كمحاولة لتغيير مسار تلك الفضيحة وإسكات الأصوات المنادية بالتحقيق، وصولاً إلى الإفصاح عن مصير تلك المليارات وإعادتها إلى مسارها في الصندوق الحكومي الماليزي.
المظاهرات التي انطلقت السبت الماضي وسط إجراءات أمنية مشدّدة خوفاً من تمدّدها وحدوث تداعيات لها، واستمرّت ليومين متتاليين، اتخذت أيضاً أجواء احتفالية لافتة، فبالإضافة إلى القمصان الصفراء التي لبسها المشاركون فيها، كانت الطبول وأبواق الفوفوزيلا تصدح في محيط ميدان ميرديكا بالعاصمة الماليزية (الفوفوزيلا عبارة عن آلة نفخ تشبه البوق في مظهرها العام، ويبلغ طولها حوالي المتر).
وقال نائب رئيس جماعة بيرش تعليقاً على هذه المظاهرات: "لسنا هنا لإسقاط البلاد، نحب هذا البلد، ولسنا هنا كي نسقط الحكومة، إننا هنا لنقويها". وبالفعل فإن مكافحة الفساد والقضاء عليه إنما هو يقوّي الحكومات ويجعلها تحظى بالاحترام، ويزيد من حالة الرضا لدى عموم شعوبها، التي لا ترى في انتشار الفساد إلا نوعاً خطيراً من المرض الخبيث الذي يسري في سائر جنبات الدولة، يضيع جهودها ويفتت من تماسكها مع مواطنيها، ويقضي على مكتسباتها، ويقف حجر عثرة أمام أي تطوّر ينشده الناس في حاضرهم ومستقبل أيامهم.
ولذلك، لا عجب إن سارع الماليزيون -وقبلهم الكوريون الجنوبيون- للاحتجاج بهذه الصورة على حوادث فساد، قد يراها البعض بسيطة، أو يقلّل آخرون من شأنها وأثرها، لكن الماليزيين الذين يرون التقدّم الهائل الذي أحرزه بلدهم، والمراتب التي صاروا يتبوؤنها في سجل الدول المتنامي اقتصادها بصورة مذهلة؛ لا بد وأن يفزعوا ضد أي محاولة فساد تنال من هذه المكانة، أو تشوّهها، أو تعطّل مسيرة قطارها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.