صفقة القرن

نحن نقول للشعب الفلسطيني: إننا آسفون؛ لأننا لم نمتكن من فعل شيء من أجلكم، نقول لهم: إننا تُهنا وسط زحمة الحياة، وسط همومنا المصطنعة والصغيرة، لقد نصبوا لنا فخاً محكماً فصرنا أسرى الخوف والجوع.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/05 الساعة 01:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/05 الساعة 01:58 بتوقيت غرينتش

مَن يطالع ما يحدث ما بين الرئيس محمود عباس والأميركيين، الذين اشترطوا عليه أن يسحب طلبه من محكمة العدل الدولية بلاهاي، بالتحقيق في شأن إسرائيل وجرائمها، وألا يقاوم أو يرفض صفقة القرن، يدرك الذل والهوان الذي وصل إليه الرئيس العجوز، لقد استكثر الأميركيون على حليفهم صاحب الوفاء اللامحدود -ولو حتى على حساب مصالح شعبه- أن يلعب دور بطولة من ورق لم يكن أصلاً ليُغير من واقع الحال شيئاً ملموساً.

محمود عباس مثله مثل أي رئيس عربي، فهو يستقوي على أبناء شعبه كيفما يشاء، ولكن أمام أقرانه من الحكام والرؤساء العرب وغير العرب نعامة لا تسمع لها صوتاً ولا حساً.

ما الذي سيفعله محمود عباس ومَن دعموه -وهم الأهم- بعد أن قدَّم كل التنازلات الممكنة وغير الممكنة؟

الرئيس عباس تعبير حقيقي عن نظرية الهوان والاستسلام والخذلان، وفشل ذريع لأمة خانعة وخاضعة، ماذا بعد عقود من المفاوضات الوهمية والاتفاقات المزيفة؟ وما نتيجة كل هذا الخنوع؟
ماذا بعد كل التقارير الدولية التي أدانت إسرائيل؟ وهل تتذكرون قصة تقرير كولد ستون وما تلاه؟

للأسف كرّس عباس لنفسه دور السد المنيع أمام كل محاولات الفلسطينيين للدفاع عن أنفسهم وشرفهم، وكان في خدمة العدو أكثر مما كان يرجوه العدو نفسه، فصار عبداً للتنسيق الأمني، وتابعاً لبعض الحكام العرب الذين رضعوا من الحليب الأميركي وتدفوا كثيراً بالغاز الإسرائيلي.

المقاومة حق مقدس ومشروع للدفاع عن النفس، والقبول بتسويات الذل عار على مَن سطروا كل خطوطها ومَن كتبوا حكايتها، من أوسلو إلى كامب ديفيد إلى مبادرة السلام العربية، إلى ما يحاك من وراء الستار، إرضاء للسيد الأميركي المتعجرف.

نحن نقول للشعب الفلسطيني: إننا آسفون؛ لأننا لم نمتكن من فعل شيء من أجلكم، نقول لهم: إننا تُهنا وسط زحمة الحياة، وسط همومنا المصطنعة والصغيرة، لقد نصبوا لنا فخاً محكماً فصرنا أسرى الخوف والجوع.

باسم الشعوب العربية نقف أمامكم مطأطئي الرؤوس؛ لأننا لم نكن في مستوى يسمح لنا بالأخذ بيدكم، والدفاع عنكم وصون عرضكم، والدفاع عن شرف أمتنا، بقينا نتفرج عليكم في ضعف وعجز وقلة حيلة.

سنة تلو الأخرى، نتأكد بصدق أننا نعيش أهون أيام العرب وأقبحها؛ حيث لم يعد حتى لقضية عادلة مكان تعيش فيه؛ لكي تدافع عن المقاومة لا تحتاج لأن تكون في صف بشار الأسد ومموّليه ولا أن تكون في صف بعض الحركات ذات الطابع الإسلامي من هنا أو هناك، ولست مضطراً إلى أن تصنف نفسك ناصرياً أو من اشتراكيين لا يزالون يتنفسون شعارات أكل عليها الدهر وشرب، يكفيك فقط أن تكون إنساناً لا أقل ولا أكثر، إنساناً لا يرضى بالظلم لشعب بأكمله.

المقاومة ليست فقط حمل السلاح لصد هجوم عدواني، وليست فقط التسلل ليلاً وسط ثكنات العدو، ولا حتى حمل سكين كأقل ما يمكن فعله دفاعاً عن النفس، لكنها أيضاً مقاومة بالعلم والدبلوماسية والفن والتكنولوجيا والاقتصاد والتفوق في كل المجالات.

أكاد أجزم بأنه لو أجرينا أي استفتاء عربي غداً في كل أرجاء العالم العربي من المحيط إلى الخليج، لوجدنا أنفسنا أمام جيش لا يقل قوامه عن عشرة ملايين، تستطيع أن تقف أمام أي عدو مهما كان علمه ومستوى تطوره، لكن الفكرة الأساسية في نظري ليست البحث عن المواجهة العسكرية، بل هي فقط بداية المواجهة، ووسيلة لوضع حد لموجة الهزائم غير المبررة، وبعدها ندعم المقاومة بشعوب حرة ذات قرار وسيادة، ولا يعدو الحاكم سوى منفِّذ لبرنامجه وتطلعاته.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد