“لا يوجد إمبراطور يدير الصحافة العالمية”.. لماذا يُصدِّق الناس الأخبار الزائفة؟

بينما يعد هذا مثالاً متطرفاً بكل تأكيد، إلا أنه يُستخدم لشرح نفس الظاهرة النفسية التي توضح استعداد الناس الشديد لتصديق الأخبار الزائفة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/12 الساعة 00:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/12 الساعة 00:25 بتوقيت غرينتش

في 21 ديسمبر/كانون الأول عام 1955، تجمَّع أعضاء جمعية "الباحثون" في منزل بولاية شيكاغو الأميركية في انتظار نهاية العالم، معتقدين أن الكائنات الفضائية في طريقها لإنقاذهم من نهاية العالم. ولكن مع انتهاء النهار لم تتحقق نهاية العالم ولا المهمة الرحيمة للكائنات الفضائية.

لم تكن جماعة الباحثين تعرف أن أحد أعضائها كان في الحقيقة عالم النفس الشهير، ليون فيستنغر، الذي كان بصدد دراسة تبعات الطعن في معتقدات شخص ما بمعلومة أكيدة.

ووجد فيستنغر أنه بدلاً من تقبل خطئهم ضاعفوا جهودهم لتجنيد أعضاء جدد وقرروا موعداً آخر لنهاية العالم في العام التالي، وقد كانت هذه نتائج لتأثير أسماه "التنافر المعرفي"، وهو التنافر الذي يظهر عندما تخالف الحقائق المعتقدات، بحسب تقرير النسخة البريطانية من موقع "هافينغتون بوست".


بينما يعد هذا مثالاً متطرفاً بكل تأكيد، إلا أنه يُستخدم لشرح نفس الظاهرة النفسية التي توضح استعداد الناس الشديد لتصديق الأخبار الزائفة.

هذا، وقال مايكل شيرمر، مؤلف كتاب "The Believing Brain" ورئيس تحرير مجلة "The Skeptic" ومقرها كاليفورنيا، لصحيفة Huffington Post البريطانية: "أساس التنافر المعرفي هو أنك استثمرت في موقف محدد، كحزب سياسي أو معتقد ديني أو أيديولوجية اقتصادية، لدرجة اعتبارها أسساً أخلاقية، ومفهوماً في أعماق تكوينك وكيفية تعريفك لنفسك "أنا ليبرالي" أو "أنا محافظ"، لذا يصبح الدليل على خطأ موقفك تهديداً لهويتك الشخصية".

يدعم العلم نظرية شيرمار، فقد بينت دراسة نُشرت العام الماضي في مجلة Nature العلمية، أن مخالفة المعتقدات الشخصية لشخص ما تحفز نفس المناطق في المخ المسؤولة عن الهوية الشخصية والاستجابة العاطفية للتهديد.

وتظهر صور الأشعة في الصورة التالية رد فعل المخ على التصريحات السياسية (الملونة بالأصفر والأحمر) والتصريحات غير السياسية (تظهر بالأخضر والأزرق).


تُظهر هذه المنطقة الصفراء والحمراء ما يسميه علماء الأعصاب بشبكة الوضع الافتراضي (DMN)، وهو جزء في الدماغ يُعتقد أنه مسؤول عن التأمل الذاتي، والتفكير في الماضي والمستقبل والهوية الشخصية.

إذاً ما الأخبارُ الزائفة؟


أصبح مصطلح "الأخبار الزائفة" العبارة المستخدمة لتشويه جميع القصص. ولكن المعنى الدقيق للأخبار الزائفة هو الأخبار الملفقة والمكتوبة عمداً والمصحوبة غالباً برغبة لتشويه شخص أو قضية ما، وغالباً تقلد مصادر الأخبار المشروعة لإقناع القراء.

أما الهجاء فليس خبراً زائفاً بالمعنى المعاصر، إذ وجد منذ عصر المصريين القدماء على الأقل، وهو شكل شرعي من أشكال النقد الاجتماعي وعادةً ما يكون ساخراً.

وعندما تكتب بعض المواقع الإلكترونية أخباراً حزبية متحيزة جداً تحمل معلومات كاذبة، توصف بأنها أخبار زائفة، ولكن من الصعب معرفة ما إن كانت الروايات الكاذبة متعمدة أو مجرد خطأ من الصحفي.

إلا أن ظاهرة الأخبار الزائفة ليست جديدة، بل طريقة انتشارها، إذ سمحت الشبكات الاجتماعية بنشر الأخبار -الزائفة أو غيرها- حول العالم في غضون ثوانٍ.

أكبر مثال مشين حدث مؤخراً لتوضيح هذا الأمر هو وسم #PizzaGate، الذي بلغ أوجّه في 16 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضين، إذ ذكر خبر أن رجلاً عمره 28 عاماً أطلق 3 رصاصات في مطعم بواشنطن العاصمة أثناء تحقيقه الشخصي في أمر عصابة لاستغلال الأطفال، التي من المفترض أنه افتضح أمرها عبر اكتشاف كلمات مشفرة في الرسائل الإلكترونية لرئيس حملة هيلاري كلينتون الانتخابية.

وقيل إن شبكة الاتجار بالأطفال تُدار بمعرفة وتواطؤ ديمقراطيين رفيعي المستوى، وهو أمر وهمي بالطبع، لكن قبل كشف زيفه تلقى عشرات الناس تهديدات بالقتل، وشعرت كلينتون بالحاجة للتصدي للمؤامرة علنياً.

لماذا تنتشر الأخبار الزائفة؟


تعتبر القراءة مهارة جديدة نسبياً لدى البشر، فهي موجودة من حوالي 5000 عام فقط، لكن اللغة موجودة منذ مئات آلاف السنين تقريباً. فالقيل والقال ورواية القصص هي الطريقة التي نعالج بها المعلومات ونتداولها.

وقد أظهرت الدراسات قيمة القيل والقال، وأن الجميع يحبها لأنها تعطينا المعلومات التي نحتاج معرفتها عن الآخرين، وبها نحدد من يستحق الثقة، ومن لا يستحقها.

رغم أن ما عُرف بأحداث PizzaGate يعتبر مثالاً متطرفاً لآثار هذه الأخبار، إلا أنها نمت باطراد خلال الستة أشهر الماضية، لدرجة أن شبكة BBC الإخبارية أعلنت إنشاء قسم مخصص لفضح الأخبار الزائفة.

بدوره قال الأستاذ تشارلي بيكيت، مدير قسم الإعلام والاتصالات بكلية لندن للاقتصاد (LSE)، للنسخة البريطانية من Huffington Post: "كانت هناك إصدارات من (الأخبار الزائفة) سابقاً، إذ كان هناك نوع من التقليد الساخر تقريباً، مثل الأخبار الكاذبة المضحكة في صحيفة The Onion، وصحيفة Sport on Sunday، التي نشرت قصة عن وجود قاذفة قنابل من الحرب العالمية الثانية على سطح القمر".

واليوم تغير تعريف الأخبار الزائفة بسبب الرئيس المنتخب دونالد ترامب. وأظهر ترامب بشكل لا لبس فيه في المؤتمر الصحفي الأسبوع الماضي أنه مستعد لتوسيع نطاق تسمية الأخبار بالكاذبة، لتشمل بكل بساطة كل شيء لا يوافق عليه، فاتهم مراسل شبكة CNN بأنها تنشر أخباراً زائفة لأنه سأله عن حقيقة الملف المسرب لنشاطاته في روسيا.

وكما فعلها ترامب ببراعة، بات الجميع يستخدم مصطلح "الأخبار الزائفة"، حتى أصبح مصطلحاً بلا معنى تقريباً، فكل شيء لا توافق عليه تطلق عليه "خبراً زائفاً".

لكن كيف للقارئ العادي أن يقرر الصدق من الزيف؟


يقول شيرمير إن الأمر صعب، لأن بعض القصص المريبة تكون صحيحة، كالمؤامرات. فإبراهام لينكولن اغتيل بمؤامرة، كما بدأت الحرب العالمية الأولى من خلال مؤامرة اغتيال الدوق فرانز فيرنارد. وكذلك فضيحة ووترغيت وتسريبات ويكليكس عن وكالة الأمن القومي، كما تفعل الحكومات والشركات أشياء من هذا القبيل، لذا المشكلة هي التحقق أيها صحيح وأيها خاطئ".

وأخيراً، كيف تساعد في وقف انتشار الأخبار الزائفة؟


سهل فيسبوك ذلك على المستخدمين عن طريق خيار "هذه أخبار زائفة" في قائمة الإبلاغ الخاصة به.

إن كنت تستخدم متصفح جوجل كروم فهناك 3 إضافات متاحة يمكنها تحديد الأخبار الزائفة هي: FiB، وBS Detector وMedia Bias Fact Check.


من جانبها، ستنشئ شبكة BBC قسماً خاصاً لتحديد وتصحيح الأخبار الكاذبة، إنها في الواقع نسخة دائمة من برنامج Reality Check، يمكن متابعتها على تويتر من هنا.

.

أنشأت Slate خدمة تحدد فيها الأخبار الكاذبة على حساب الفيسبوك الخاص بك.


فيما أعدت ميليسا زيمدارز، الأستاذ المساعد للاتصالات والإعلام بكلية ميرماك في ولاية ماساشوستس، قائمة بها جميع مواقع الأخبار الزائفة ودليل لكيفية تحليل المواقع الجديدة.

والشيء الأهم، لا تأخذ أي شيء على محمل الجد، وكن دائماً متشككاً.

هذا، ويختم مايكل شرمر: "لا يوجد إمبراطور للصحافة يدير الصحافة العالمية، في النهاية نحن من يديرها. فهي سوق حرة للأفكار ونحن ندعمها، ابتعد عن مواقع معينة، فهي تسعى لحثك على نقر روابطها، فلا تنقرها".

هذا الموضوع مترجم عن النسخة البريطانية من موقع "هافينغتون بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

علامات:
تحميل المزيد