هل المناهج الدراسية السعودية تصنع الفشلة؟

وحتى في سوق العمل، لقد وجدت كثيراً منهم في صف المتفردين والناجحين. في البداية، ظننت أن ملاحظتي هذه ليست دقيقة أو قد تميل إلى نزعة أو رغبة شخصية لست متأكدة من دوافعها؛ ولكن كمية الأشخاص اللامعين الذين قابلتهم على مرّ السنوات والذين قد كبروا مع تلك المناهج السعودية، أعطتني دليلاً دامغاً على أن المناهج الدراسية، مثلها مثل غيرها من مناهج الدول العربية، ليست مناهج سحرية، ولكنها لا تقل عن مناهج الدول الأخرى بشيء يُذكر.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/06 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/06 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش

كثيراً ما نسمع أن المناهج التعليمية في السعودية تفتقر إلى الحداثة والموضوعية، والعديد من العناصر الأساسية الأخرى التي يجب أن توجد في أي مناهج مدرسية، فإلى أي حد يعد هذا الادّعاء دقيقاً؟
تجربة شخصية
لقد درست في السعودية خلال 11 صفاً دراسياً، أي ما نسبته 91% من الأعوام الدراسية بالمدرسة. لطالما شعرت بأن المناهج تغطي جميع الجوانب الخاصة بالمادة التعليمية بكل شمولية، ولكنني كنت طالبةً في حداثة سنّي، فما أدراني حقاً؟ وكيف كان لي أن أتأكد من أنني أعلم ما يجب أن أعلمه؟

احتوت المواد الدراسية في مدارس السعودية على الفن والتدبير المنزلي، بالإضافة إلى 3 كتب للغة العربية و5 كتب دينية؛ منها التجويد والحديث والفقه والتوحيد والتفسير. كما ضمت المجموعة أيضاً المواد الدراسية المعتادة مثل الرياضيات والفيزياء والعلوم والكيمياء.

قد يستغرب البعض كثرة المواد العربية والدينية، وقد يظن آخرون أن كمّ هذه المواد سيرجح بالكفة مؤثّراً على الجانب العلمي. إلا أنني لم ألحظ أي تأثير سلبي، فالعكس تماماً، شعرت بأن الجوانب العلمية أخذت حقها، وعملت الكتب الأخرى على تعزيز الجوانب اللغوية والدينية في الوقت نفسه.

أما بالنسبة إلى اللغة الإنكليزية، فصحيح أن تعليم اللغة الإنكليزية في المدارس السعودية يبدأ من الصف السادس -وأنا لا أحبذ هذه النقطة- إلا أننا استطعنا -كطلاب- التطور وإثراء الجانب اللغوي لدينا خلال فترة قصيرة.

في الصف الأول الثانوي، وضعت النقاط على الحروف، فلقد رحلتْ عائلتي للعيش من جديد ببلدنا الأردن، ومن المعروف أن المناهج التعليمية في الأردن ترقى إلى أعلى المستويات في الوطن العربي.

لا أُخفي أنني شعرت بالخوف في بداية الأمر، وخاصةً بعدما سمعت الكثير من الأقاويل من أفراد العائلة والأصدقاء من حولي. فجُلّ قولهم كان أنكم ستواجهون صعوبة بالغة في التأقلم بالمدارس الأردنية، وستحتاجون إلى حصص دراسية منزلية إَضافية، وكان كثير منهم يراهنون على هبوط معدلاتنا في المدرسة آخر السنة.

وهكذا، مع أن ثقتي بنفسي كانت عالية، فإنني دخلت المدرسة وفي قلبي شكٌّ تجاه قدرتي على المضي قدماً كباقي الطالبات اللاتي اعتدن لى الدراسة بالبلد نفسه في الأصل.

عندما تسلّمت كتبي الجديدة للمرة الأولى، وجدت تشابهاً كبيراً بينها وبين المناهج السعودية، كما أدركت أن المعلمات يقدمن المادة الدراسية بنفس مستوى معلماتي في السعودية، مع بعض التفاوتات والاختلافات.

وإن كانت هنالك نقطة اختلاف جلية، فهي أن الاختبارات والامتحانات في السعودية أقل صعوبة من غيرها، ليس فقط بسبب سهولة الأسئلة، ولكن لأن الطالب يدخل للامتحان بثقته كاملة بفضل جو الاطمئنان الذي يسود القاعة، فلا أنسى الأدعية التي كانت توجد على اللوح في كل قاعة امتحان، ولا وجوه المعلمات المبتسمة، ولا أكواب الماء وعُلب المناديل، وأحياناً التمر على الأدراج.

وعلى الصعيد الآخر، ساد جو الرهبة والقلق قاعات الامتحانات في مدرستي الجديدة، ولقد كانت الهيبة من تلك النوع الذي يشتت الانتباه ويعرقل حبل الأفكار.

وكانت المفاجأة في آخر السنة، فبتوفيق من الله، استطعت أن أكون من الطالبات الأوليات على الدفعة، ولم أجد خلال السنة إلا بعض الصعوبات التي قد يواجهها أي طالب عادي.

في الجامعة وسوق العمل

خلال سنواتي الجامعية، لفت انتباهي الكثير من الطلبة الذين تميزوا في نباهتهم، وكنت أُدهش في كثير من المرات بعد معرفتي أن هذا الطالب المتميز وتلك الطالبة المبدعة قد تخرجا مثلي في مدارس المملكة العربية السعودية، ومع أنني خضت التجربة نفسها، فإنني قد أُدهش في كل مرة، وهذا يشير إلى شدة وقْع كلام الناس أحياناً في قلوبنا.

وحتى في سوق العمل، لقد وجدت كثيراً منهم في صف المتفردين والناجحين. في البداية، ظننت أن ملاحظتي هذه ليست دقيقة أو قد تميل إلى نزعة أو رغبة شخصية لست متأكدة من دوافعها؛ ولكن كمية الأشخاص اللامعين الذين قابلتهم على مرّ السنوات والذين قد كبروا مع تلك المناهج السعودية، أعطتني دليلاً دامغاً على أن المناهج الدراسية، مثلها مثل غيرها من مناهج الدول العربية، ليست مناهج سحرية، ولكنها لا تقل عن مناهج الدول الأخرى بشيء يُذكر.

تأملات

قد يعزو البعض تجربتي الشخصية وتجربة الأشخاص الآخرين الذين مرّوا بتجربتي نفسها إلى أنهم أنفسهم (خريجي المدارس السعودية الذين تألقوا في بلدهم الأم) على قدر عالٍ من الذكاء وأنهم اجتهدوا حتى وصلوا، وهذا صحيح.

من ناحية أخرى، هذا يثبت أن المشكلة ليست في المناهج ولكن في الأشخاص ذاتهم، وهذا لا ينفي نظرية أن المناهج السعودية تعدّ كمناهج أي دولة عربية أخرى.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد