الموصل.. لأنها مدينة عماد الدين زنكي

يجدر بنا في هذا الوقت العصيب الذي تمرّ به أمتنا أن نستحضر قصصاً وبطولات كانت روائعها تجري في هذه المدن العظيمة، وفي دوحاتها العريقة، فحتماً سنعرف سبب تكالب الفرنج والعلوج عليها الآن بمعيّة الصفويين.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/30 الساعة 03:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/30 الساعة 03:11 بتوقيت غرينتش

حالة التجهيل أو تسطيح الوعي التي تتجاوز حدّ السذاجة هي واقع تتفنّن وسائل إعلامنا وثقافتنا ومناهجنا الدراسية في ترسيخها واقعاً أو مصيبة نتعايش معها، ولا فكاك منها حتى لو قضت على هويتنا وانتمائنا، وقطعت صلتنا بتاريخنا، ورسمت في مخيلتنا أن الأحداث التي تقع الآن في منطقتنا الإسلامية مفصولة عن أسبابها الحقيقية، مقطوعة عن دوافعها الصحيحة.

للأسف الشديد، فإن آلة الإعلام والتعليم والثقافة في عموم بلداننا جعلت من احتلال مدن واغتصابها وتدميرها وارتكاب الفظائع والمجازر فيها، جعلتها مجرّد معارك بين ثوار وأنظمة حكم، أو مجرّد مكافحة إرهابيين ربما، مصطنعين أو مدفوعين أو مغرّر بهم.

وتجاهلت أن هذه المدن إنما هي حواضر عربية وإسلامية كان لها تاريخ من الجهاد مسطّر بماء من الذهب، ولها بطولات في الدفاع عن حياض هذه الأمة لا يمكن تجاوزها من سجلات التاريخ البيضاء الناصعة في موسوعات تاريخ الأمة.

إن مدناً كبرى مثل بغداد ودمشق والموصل وحمص وحلب وأخرى في بلاد الشام والعراق لا يمكن أن نفهم ما يجري فيها الآن من دون الرجوع إلى تاريخ تلك المدن، فما يقع فيها اليوم غير مفصول إطلاقاً عن تاريخها، وإن تداعي – الأكلة – المجرمين والسفاحين والجزارين عليها من كل صوْب وحدْب إنما قد يكون حالة ثأرية لأمجاد وبطولات وملاحم وشخصيات اقترنت أسماؤها بأسماء تلك المدن التي هي كانت عواصم للخلافة الإسلامية وقواعد انطلقت منها جيوش التحرير والفتح وحصون منيعة صدّت زحف الطامعين والحاقدين.

ويكفي – مثلاً – أن نعرف أن مدينة الموصل التي يتم الحشد حالياً لإبادتها وسط خذلان المتخاذلين والخائنين والغافلين، هي مدينة القائد عماد الدين زنكي الذي تولّى إمارتها في عام 1127م بعدما بسط الصليبيون نفوذهم على بيت المقدس في عام 1099م، ثم استولوا على أجزاء واسعة من موانئ ومدن الشام مثل: الرها وأنطاكية وطرابلس وبيروت وعكا وصيدا وغيرها من مدن وأقاليم ارتكب فيها الصليبيون مذابحهم ومجازرهم، قبل أن يخضعوا تلك المدن لسيطرتهم.

ولم يستطِع أحد أن يقف ضد تمدّدهم ويدحر عدوانهم ويهين قوّتهم ويبدّد نفوذهم سوى هذا القائد الأبيّ، قاهر الصليبيين، أمير الموصل عماد الدين زنكي، الذي وحّد الشّتات، وجمع العلماء، وأعدّ جيشاً اختار جنوده بنفسه وقاده لتحرير عدد من القلاع والحصون، ثم استولى منهم في عام 1128م على مدينة حلب، وواصل انتصاراته في عام 1129م؛ ليأخذ منهم معرّة النعمان وكفر طاب، تبعها بانتصاره عليهم في حمص عام 1138م، ثم توّج انتصاراته باسترداد مدينة الرّها من الاحتلال الصليبي في عام 1144م، وهي من أمهات مدن الشام، تقع بين نهرَي دجلة والفرات بين الموصل ومدينة حلب، فتحها الصحابي الجليل عياض بن غنم سنة 17 هـ.

كانت الرّها هي أخطر مستعمرة صليبية بعد بيت المقدس، وهي المستعمرة الصليبية الوحيدة التي أقيمت في عمق بلاد المسلمين، بخلاف بقية مستعمراتهم الصليبية التي كانت على الساحل، ولأهمية مدينة الرّها عندهم كانت هي مقر حكمهم، ومحل إقامة قائدهم، قبل أن يطردهم منها القائد المظفّر عماد الدين زنكي، أمير الموصل، محققاً بذلك أعظم انتصار حققه المسلمون على الصليبيين منذ أن جاءوا إلى المشرق الإسلامي.

يجدر بنا في هذا الوقت العصيب الذي تمرّ به أمتنا أن نستحضر قصصاً وبطولات كانت روائعها تجري في هذه المدن العظيمة، وفي دوحاتها العريقة، فحتماً سنعرف سبب تكالب الفرنج والعلوج عليها الآن بمعيّة الصفويين.

سانحة:

في بداية دخول القوات الروسية إلى سوريا أصدرت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بياناً وصفت فيه مهمة القوات الروسية في سوريا بأنها حرب مقدسة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد