أوووه أهلاوي
أوووه زملكاوي
أوووووووه مصراوي
إنه يا صاحبي سلطان المتعة، سلطان الامتزاج بالناس وتعالي الصيحات والسُباب أحيانًا، ورسم الوجوه وهزّ الأعلام، إنها الطاقة التي تنجلي في أوج عظمتها باصطدام تلك الكرة بالعارضة أو بعصيانها وخروجها "أوت"، تلك الكرة التي تحمّلت عبء تحقيق الرؤية والاستراتيجية الموحدة، وتسجيل الهدف فى المرمى المستهدفة، والالتزام بألوان "الفالنات" وعدم موالاة أصحاب الألوان الأخرى.
هي لعبة وضعت قوانينها لتشبع احتياجك وتمتعك؛ فأنت كإنسان لابد لك من دائرة كبيرة تعيش في داخلها تؤثر وتتأثر، تقول وتشجب، ترفض وتندد، وأحيانًا تقبل وترضى، تشعر بأن هناك من يشاطرك ويهتم بما تهتم به، وآخر يكون ضدك ويكره ما أنت عليه، هذه الطبيعة البشرية؛ فلو كلنا فريق واحد لما استطعمت سلطانها تلك المتع!
ففى البيت لك أسرة لا تكن لها أي شيء؛ فأنت عضو فيها مثل جميع الأعضاء ملتزمين الصمت، وإن تكلمتم يكون عن المشكلات التي هي بالكيلوهات فوق رأسك من إخوتك الصبيان والبنات، ربما هذا فى ظل تحكم الأب أو الأم بالذات، كل هذا والإصلاح لا ينفع؛ أنت حاولت لكنه لم يشفع!
ويوم تنزل من البيت يكون للعمل أو الدراسة في بيئة سمجة مُكررة؛ سئمت عيشها كل يوم! ويوم أن ترتاد المسجد تُنهي صلاتك ثم تتسحب كى لا يشغلك أحدهم بطول الحديث، فإن كنت متوجه للقاء رباني فريد، إلا أنه أثناء صلاتك تحمل من الأفكار الدنيوية ما يستحق التركيز!! وتفرغ من الصلاة التى لم تبدأ ثم تتفلت لبيتك سريعًا، أو تقف مع ذات الشلة المحفوظين الذين تقف معهم منذ 15 سنة، هم هم .. لا متغير أو متقلب؛ فهم فى قلبك ثابتين كشجرة أمام البيت اعتدت وجودها إلا أنها ليس لها في قلبك حكاية؛ فقد كان قدرها أن تم غرسها أمام سكناك.
ولكن بمجرد أن تبدأ المباراة، تشتعل الأرض من تحتك وتشعر وكأنك على ملعب الحياة وفي قلب الأحبة ومحضن الأصدقاء؛ تجد الناس كلهم حولك من جلدتك فلذات كبدك، أكان فى البيت أو الغيط، والأمتع في المقهى حيث نجلس لنشاهد انتصار أمّتنا الحمراء أو البيضاء أو "الأحمر" في أسود في أبيض، معلنين أننا فداهم؛ هم من استطاعوا أن يضمّونا وأن يشعرونا بأن لنا دائرة كبيرة تتسع لنا جميعا، ننسى فيها كل الاختلافات فلا فرق بين دكتور أو سائق توكتوك أو رجل أعمال، كلنا فداء سلطانها تلك المتع.
وبعد انجلاء الحرب وإعلان النصر يأتي الفرح ويتوالى السجال حول المعركة، وكيف كانت ركلة اللاعب "السعيد" وكيف كان الحكم عادلًا أو أنت الخاسر الحزين؛ فالحكم هو أسوأ شيء على تلك البسيطة فقد ترك الحرب تمر بمرارة دون أن يطلق الصفارة، وتظل تتحاكى وتقول وتعبّر عن تأثرك، وتشعر أنك تؤثر، نعم أنت تؤثر؛ فتأثرك فى ذاته تأثير لأن لولاه لما كانت كل هذه "الظيطة والظمبليطة".
إنها يا صاحبي لذة عناق النصر وحتى الهزيمة، لذة الوضوح في طرح الأحداث فالمباراة أمامك وأنت الحكم، ليس هناك ملعب أوضح من هذا لك في دنياك هذه، هنا الصراع في قبضة عقلك دون تزييف، إنه سلطانك؛ فها أنت تعيش لشيء يصبح جزءًا من حياتك وتحمله بين طيّاتك ويداعبك، ولطالما يشبع شهوتك الفطرية في أن توالي، ورغبتك الشخصية فى أن تفدي، وإحساسك المجتمعي في أن تتحرك في حشود، وشعورك الفطري بأن هناك موجب وسالب في هذا العالم ثنائي الوجود، فتظل فى مباراة لا تنتهي لأن لعبة الحياة هي الأخرى لا تنتهي.
وبذلك كنت أنت المستهلك الأعظم الذي رفرفت له المباراة لتعطيه (الحب، الانتماء، الحماس، العمل "رد الفعل "، الأمل، الاستمرارية، التفاعل(، والأكبر من ذلك الفرحة والشعور بالنجاح، والسؤال الآن هل الجامعة وبيئتها العلمية استطاعت أن توفر لك هذا؟ هل استطاعت الأحزاب والحركات السياسية أن تضمّك إليها وتحركك في سبيل رسالتها؟ هل أنت عضو بنادى رياضي أو مركز شباب به من الامكانات والتنظيم ما يستغل طاقتك؟ هل وجدت فى حلقات العلم والإيمان هذا الشغف من المتلقين؟ هل النظام المدرسي والعلمي مؤهل كي يستفيد من وقتك؟ هل أشبعتك دوائرك وعلاقاتك الاجتماعية إنسانيًا ونفسيًا؟
للأسف "لا" هي الإجابة المُكررة للأسئلة السابقة، فمنذ القدم كان الرومان يملأون فراغ عبيدهم بأن يصنعوا لهم قضايا داخلية تأكل أوقاتهم، فتكون كل حكاياتهم وانشغالهم بمن هو المصارع الجديد الذي سيصرع القديم الشديد فيقضي عليه بضربة أو ضربتين، فكانت قضاياهم التي صنعها لهم الاستبداد والطغيان هي أن يتنافسوا ويتباغضوا ويتدابروا ويفتكوا ببعضهم البعض؛ فتسيل دماؤهم أنهارًا في سبيل سلطان متعة العبيد البلهاء أو الحكّام المجرمين.
وها نحن اليوم بعد أن حُرمنا مجتمعات راشدة للأحرار، صرنا مجتمعات مفككة مسحوقة، لا حب فيها ولا رحم ولا رحمة، أوصالها مقطوعة وشفقتها منزوعة وراياتها ممزقة، وكأننا في شوق لرسالة نحيا من أجلها، ولعبة واضحة ذات قوانين ظاهرة فيها الفريق الآخر ظاهر، في مباراة نعرف فيها من معنا ومن ضدنا، نعتصم فيها بقضية وهدف ونمتلك دفاعًا ونتحرك بخطة يحوطها الحماس والبطولة؛ لننتقل من مربع العلميات لاكتشاف ملاعب العالم ومرامينا بها.
فأن نبقى كأمة في كرب! نُطالع سحر الكرة والمطربين وأخبار نجوم الفن والرياضيين في نسيان كامل لأولويات أمتنا، وغفلة تامة عن مسار رسالتنا وعدالة قضيتنا، لهو الخسران المبين، فإن كانت ساحات العلم والإيمان قد أُسرت وضاعت فعلينا أن نستعيدها، والجامعات هُدّمت فعلينا أن نبنيها، والنوادي اختفت وأرستقرطت فعلينا أن نوجدها ونستردها، والأسرة تشرذمت وانحلت فعلينا أن نخلقها من جديد، فبعد أن حل الخلاف وأصبح للمتعة سلطانًا علينا، فالحل أن نثور على هذا السلطان ونكسر عرشه ونمزّق ملكه، واعين أن لنا أولويات كبرى وأهداف عظمى ومرامي كبرى لا تلهنا عنها ساحات العبيد وتفاهات السحرة.
فالمتعة حرة لمن له سلطان عليها، ولكنها ليست للمتفرجين؛ فهي للاعبين وفقط!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.