بداية علينا أن نفهم ما هو معنى مصطلح الدول التابعة والدول الحرة، فالدولة التابعة هو مصطلح سياسي يشير إلى الدولة التي تعتبر مستقلة رسمياً، ولكنها تقع تحت تأثير سياسي واقتصادي وعسكري هائل، أو تحت سيطرة دولة أخرى، وقد تمت صياغة هذا المصطلح قياساً على الأجرام التي تدور حول أجرام أكبر، مثل الأقمار الصغيرة التي تدور حول الكواكب الكبيرة.
أما الدولة الحرة فيعني من حيث المبدأ أنه يؤكد هذا المصطلح حرية الدولة المعنية، اقتصادياً وعسكرياً وضمنياً، إن توافرت الحرية الاقتصادية والعسكرية، أنها دولة حرة سياسياً، ومثال ذلك الدولة الماليزية التي عندما بدأت البناء والارتقاء بنفسها كانت أولى خطواتها هي رفض الخضوع لشروط البنك الدولي، عندما فكرت بالاقتراض منه، وقررت إيقاف المضاربة الخارجية بالعملة الماليزية، من خلال سحب عملتها من أسواق الغرب؛ لإيقاف مؤامرة التلاعب بقيمة العملة الماليزية، وهذا ما أسس قاعدة ثابتة لكرامة وعراقة الدولة الماليزية، ما لاحظناه في الأيام القليلة الماضية ومن قلب مجلس الأمن الدولي.
فرق كبير بين الدول التابعة والدول الحرة اقتصادياً وسياسياً.
مصر خضعت بشكل مستهجن وغريب وعولت على علاقات وطيدة مع ترامب وإدارته الجديدة في سبيل معونات أكثر ودعم سياسي، للحفاظ على النظام الحاكم بشكل أكبر، في مقابل تخليهم عن القضية الوحيدة التي أجمع عليها العرب بكل طوائفهم ومذاهبهم، فقد كان ما فعلته الدولة العربية المصرية هو آخر ما كان متوقعاً منها للأسف.
بينما ماليزيا والسنغال ونيوزيلندا وفنزويلا هي على قناعة بأنها ليست بحاجة لأية حماية خارجية سياسياً، بما أنها تلبي احتياجات شعوبها مادياً ومعنوياً، بل هي على قناعة بأن وقوفها مع القضية الفلسطينية هو استثمار لها بين أبناء شعوبها، فتمسكها بمبادئ الحق والعدالة يزيد شعوبها ثقة بها، وبالتالي يلتفون أكثر حول قيادتهم، فضلاً عن ثقة قادة هذه الدول بمدى رضا شعوبهم مادياً، مما يعني أن هذه الدول لن تخاف من التدخلات الخارجية التي من الممكن أن تزعزع نظامها الداخلي.
الانفصام السياسي المصري
لا يخفى على أحد ما هو معنى مصطلح (انفصام الشخصية)، الذي يعني القيام بفعل وضده في نفس الوقت، وفي الحالة المصرية فإن هذا قد بدا واضحاً في آخر حدث أممي يتعلق بجوهر الصراع العربي – الإسرائيلي، ولاعتبار الدولة المصرية هي شخصية اعتبارية، فإن المصطلح أو المفهوم اللائق لوصف هذه الحالة هو الانفصام السياسي الذي تعيشه الدولة المصرية، والذي يعتبر نذير شؤم على كل دولة تمر بهذا المرض.
ولفهم سيكولوجية مصر الجديدة علينا أن نعرف على ماذا تستند من سياسات تعتمدها في بناء علاقاتها وتحقيق أهدافها:
فقد قلبت مفهوم السياسة رأساً على عقب وخالفت توقعات بعض المحللين، وأثارت إعجاب البعض الآخر، لدرجة تعميمها واستعمالها واعتمادها نهجاً رئيسياً، كما فعل ترامب خلال حملته الانتخابية، التي أكد توافقها مع الحالة المصرية الجديدة في أوج حملته.
وخلاصة القول هي أن السيسي لم يأتِ بجديد، فقد كانت السياسة مبنية على المصالح المشتركة بشكل مبطن خفي وظاهر بالمبادئ والقيم الإنسانية والحرية والعدالة والديمقراطية، تماماً كما هي أميركا ما قبل ترامب، أو بشكل أدق في عهد الحرب، تحت اسم الديمقراطية ومحاربة الإرهاب.
أما ما استحدثه السيسي فهو عكس المفاهيم السياسية وحذف بعضها، فقد قام بحذف قيم ومبادئ العدالة والديمقراطية، وحتى القيم العربية التي لا خلاف عليها عربياً في حالة تعارضها مع مصالحه، والحفاظ على استعمالها أيضاً عندما تكون لصالحه، وجعل باطن السياسة هو ظاهرها دون خجل، واعتمد المصلحة حتى لو كانت على حساب المبادئ والقيم التي لا نقاش أو جدال فيها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.