(جون ماغوفولي) اسم برز نجمه وسطع في سماء العالم الافتراضي لوسائل التواصل الاجتماعي طوال الأيام أو الأسابيع القليلة الماضية، بالذات في دول العالم الثالث. رغم أنه ليس فناناً أو لاعباً رياضياً أو ما شابه ذلك من مِهن وألقاب باتت هي التي تُشدّ إليها الانتباه وتستقطب الاهتمام في هذه الدول التي انحرفت لدى الكثير من الناس فيها (بوصلة) الأولويات وضاعت معها معايير الاتباع والاقتداء حتى تربّع على العقول التافهون وسطا عليها الحمقى والسفهاء.
وسبب بروز نجم هذا الرجل (جون ماغوفولي) يعود في أساسه إلى مخالفته للمألوف في حياة الناس وإدارتهم في هذه الدول المسّماة بالنامية أو دول العالم الثالث! خاصة فيما يتعلق بمناحيهم الاقتصادية والمعيشية؛ حيث جرت العادة أنه حينما تتأزم تلك المناحي يكون أكثر المتضررين منها الفئات المجتمعية الضعيفة؛ إذ تنصبّ عليهم خطط التقشّف وشدّ الحزام وإجراءات ترشيد الإنفاق، ثم تنهال عليهم سياط متنوّعة من الرسوم والضرائب. ويتوقف التفكير -وربما حتى محاولة التفكير- في ابتكار أية حلول تعالج تلك الأزمة وتعوّض خسائرها من غير هذه الطرق التقليدية التي بات يعرفها الناس بمصطلح (حلّ من ليس عنده حل)!
الدكتور جون ماغوفولي هو رئيس جمهورية تنزانيا، تم انتخابه في أكتوبر/تشرين الأول 2015 وتسلّم منصب الرئاسة في الخامس من شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه؛ ليكون الرجل الأول في هذه الجمهورية الفقيرة التي يتجاوز عدد سكانها (47) مليون نسمة، وينتشر فيها الفساد بصورة كبيرة حتى أنها احتلّت المركز (117) من أصل (168)، بحسب مقياس الشفافية العالمي عام 2015.
وقد اتجه تفكير الرئيس منذ البداية إلى محاربة الفساد، واعتباره هو الآفة التي يجب أن تتوجه لها ابتداء جهود وإجراءات معالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وأنه عن طريق محاربة الفساد ووقف هدْر المال العام ستتجاوز البلاد أزمتها وتتخطّاها نحو التنمية والنهوض بالمستويات المعيشية لأهلها.
كان من أوائل قراراته الرئاسية هو الطلب من جميع الوزراء الكشف عن أرصدتهم وممتلكاتهم، وهدّد بإقالة أي وزير لا يكشف عن ذلك ولا يوقع على تعهد بالنزاهة، ثم خفّض عدد الوزراء من (30) وزيراً ليصبحوا (19) وزيراً فقط.
وبالطبع هذا التوجّه يوفّر مبالغ طائلة كانت تذهب لرواتب وامتيازات وعلاوات وزراء ارتأى جون ماغوفولي أن تكون بداية سياساته في التقشف من أعلى الهرم وليس من قاعدته، باعتبار حجم الوفر الذي سيتحقق من ضبط الصرف في أعالي الهرم فضلاً عن إقالته لعدد من كبار المسؤولين البارزين من بينهم رئيس جهاز مكافحة الفساد، ورئيس مصلحة الضرائب ورئيس هيئة الموانئ وآخرون من مختلف المؤسسات والوزارات، ومسؤولون وموظفون تجاوز عددهم (10) مسؤولين وموظفين.
وذلك في إطار حملة واسعة للقضاء على المتربعين على كراسي يستغلونها لمصالحهم ويسيّرونها لغناهم ويجعلونها مرتعاً للرشاوى والتزوير والإهمال والتسيّب، ويرفعون شعار (حاميها حراميها).
الرئيس التنزاني الجديد الذي أمضى في السلطة قرابة عام ونصف، أنجز ودشّن مبادرات كثيرة غالبها يصبّ في هذا الاتجاه؛ مكافحة الفساد ووقف الهدْر. من ذلك -مثلاً- إلغاء احتفالات يوم الاستقلال وجعل التاريخ ذاته يوماً وطنياً للنظافة تم خلاله تنظيم حملات ومهرجانات لتنظيف البلاد شارك فيها بنفسه.
وحوّل مبالغ احتفالات يوم الاستقلال لصالح محاربة وباء الكوليرا، كما أصدر ماغوفولي أمراً باستخدام (100) ألف دولار كانت مخصصة لحفل افتتاح البرلمان، لشراء أسرّة لأكبر مستشفى في تنزانيا بعد أن وجد المرضى ينامون على الأرض بسبب النقص الشديد في تلك الأسرّة.
البلدوزر أو الجرّافة ألقاب تناقلها الناس في وصفهم للرئيس جون ماغوفولي الذي منع وزراءه من السفر إلى الخارج في مهمات رسمية إلا بترخيص مباشر منه مبيناً أن تلك المهمات الخارجية والدبلوماسية تضطلع بها وزارة الخارجية وسفراؤها، ولا بد أن للوزراء من التفرّغ للمشكلات الداخلية.
مبادرات وإجراءات كثيرة لجأ لها الرئيس الجديد، اختار البدايات الصحيحة للعلاج، ربما غالبها لم تصب الطبقات المجتمعية الضعيفة بأية ضرر، بل كانت محل تقديرهم مثلما أن أثرها في الاستفادة من السياسات التقشفية كان أكبر مما اعتادت عليه الكثير من الدول في معالجاتها لأزماتها الاقتصادية والمالية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.