باتت حرب المصطلحات اليوم من أشرس الحروب الناعمة التي يخوضها الإعلام العالمي على الشعوب المستغفَلة، بتوظيف ألفاظ معيّنة في ظروف محددة وتكرارها؛ لتستقر مع الزمن في العقل الباطن، وتسوق الرأي العام إلى حيث يريد أرباب هذا الإعلام الخبيث، فهم يعتمدون بالدرجة الأولى على تمرير رسائل مبطنة تبتعد عن الانحياز الغبي الذي يمارسه أغلب إعلام العرب؛ ليظن المتلقي أنه أمام طرح حيادي غير متحيّز، وهو في الواقع سرطان زعاف بلبوس بريء.
من تلكم الألفاظ كلمة "الإرهاب" التي أصبحت أهم مصطلح عالمي في وقتنا، هذا المصطلح الذي سعى مطلقوه إلى إبقائه مرناً يستوعب أي جماعة لا تعجبهم، فلم يكن له تعريف معلوم، وهنا مكمن قوته وأثره الهائلين، كيف لا؟! وهو الذي اندلعت أفظع حروب القرن بسببه وسُفحت الدماء بحجته.
والملاحظ الذي لا تخطئه عين أن معظم "حروب الإرهاب" إنما خيضت ضد المسلمين أهل السنة تحديداً، بدءاً من أفغانستان، ومروراً بالصومال والعراق ومالي، وانتهاءً بسوريا، حتى ترسخت في الذهن الغربي صورة المسلم الملتحي المرتدي زيه الإسلامي كمثال أبرز للإرهاب؛ إذ تعمل على ذلك آلة إعلامية ضخمة لا تكل ولا تمل، تجاوز تأثيرها إلى المسلمين أنفسهم، فصدق كثير منهم الكذبة، وأخذوا يجترون ذلك المصطلح دون وعي ولا فهم.
يذكر الدكتور بندر الشويقي أن السفارة الأميركية في اليمن كانت تأمر حكومة علي عبد الله صالح ألا تصِم جماعة الحوثي بالإرهاب في بياناتها الرسمية.
الأمر ذاته يتكرر إزاء باقي الفصائل والعصابات الشيعية المجرمة التي لم يوضع أي منها على "قوائم الإرهاب" الأميركية المتخمة بأسماء الفصائل السنيّة.
بدأت أعداد المصدقين للكذبة الأميركية الكبرى في الشرق الأوسط تقلّ، وبشكل أكبر إبّان الثورة السورية الكاشفة الفاضحة، فكان لا بد من إعادة تأهيل المصطلح العتيد، وإيجاد وسائل مبتكرة للإقناع، فظهرت على الساحة جماعة مارقة قوية التدريب والتسليح بدأت تبسط سيطرتها على مناطق الثوار الذين كفّرت معظمهم، وأراقت من دمائهم حتى أعلنت قيام "دولة الإسلام"، وفاخرت بطرق إعدامها السادية من تقطيع للرؤوس وتفجير للأحياء وإحراق وإغراق لهم… إلخ، كل ذلك في مقاطع مرئية بإخراج محترف انتشرت في أنحاء العالم، فكان "تنظيم الدولة الإسلامية" الكنز الأثمن لأعداء الشعب السوري، والجاذب لأشرار العالم من الغرب الرأسمالي إلى الشرق "الشيوعي"؛ كي يقصفوا مواقع الثوار وحواضنهم بحجة داعش، الذي اجتذبهم بخليط عمالة القادة وغباء العناصر.
أصبح توحيد جهود الثوار اليوم حاجة مُلحة أكثر من أي وقت مضى، توحيد يعيد البناء على أسس متينة أخلاقاً وعلماً وقتالاً وإعلاماً.
"وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" (الأنفال: 60).
أرهبوهم جزاكم الله إحساناً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.