“فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَولَّى إلى الظِّلِّ”

سقمٌ في وجه العطاء أودى بنا إلى هاوية الحرب، وبدلاً من أن نعطي أصبحنا نمد يد الحاجة لكل من يرانا، وأصبح العطاء حكراً ورداء على من زرع لغم الحرب بيننا، فيلبسه ليخفي أدلة الجريمة التي جعلت منا أشباه أحياء

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/11 الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/11 الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش

عطاءٌ بلغ منتهاه في نفس موسى عليه السلام، كان انتظاره للأجر في خلفية الآخرة عند ربه تعالى، واجتنب الحصول عليه في دنيةٍ زائلة و"كل مَن عليها فان"، حتى إنه تخفى بعد أن أعطى، درسٌ بأقل الأثمان في قوله عز وجل: "فسقى لهما ثم تولى إلى الظل"، يغرس في ذاتنا أدباً نفتقده في زماننا؛ حيث صوت الـ"أنا" طغى وتجبر على أي صوتٍ سواه، أنه أدب العطاء.

لم ينتظر موسى -عليه السلام- الأجر، لم ينتظر الثناء، لم ينتظر الشكر، لم ينتظر إلى رحمة من رب العباد في يوم الآزفة.
فمثلاً الحب أرقى ما يمكن أن يقدمه بشر لأخيه البشر وبه تحصل المعجزات، ولم أقل "مسلم لأخيه المسلم ولا ابن الطائفة تلك لابن طائفته"، ولكن البشرية هي فقط التي تجمعنا تحت مسمى المساواة، وعطاء بعد آخر بمختلف أشكاله وكمِّه أيضاً يجعلنا نحصد جمال الحياة بتكافلِ أفرادها جميعاً دون استثناء.

حرص الإنسان على دفء أخيه وشرابه ومسكنه وأمنه وحريته أيضاً من أشكال العطاء، ولكن شكل آخر مختلف تماماً يستهويني ويجعلني أغرم بمعنى العطاء وهو أن أغذي.. لا ليس المعدة المصطفة بأحشاءِ أخي ولكن عقله، نعم أن أغذي عقله بتعليمه منهجية الحياة التي يعيشها والمفروضات عليه والمحرمات أيضاً، أن أجعل منه إنساناً منتجاً بدلاً من حضوره المستهلك، أن أجعل أساسه خصباً ويمكنه من العمل بكرامة لجلب لقمة عيشه، ومن يعول تحت جناحه، وفي النهاية ينتهي من الحضور في وظيفة العالة على مجتمعه وعلى البشرية أجمع.

سقمٌ في وجه العطاء أودى بنا إلى هاوية الحرب، وبدلاً من أن نعطي أصبحنا نمد يد الحاجة لكل من يرانا، وأصبح العطاء حكراً ورداء على من زرع لغم الحرب بيننا، فيلبسه ليخفي أدلة الجريمة التي جعلت منا أشباه أحياء، وكل واحد يبحث عن أخيه في سبيل تناول بعض اللحم تماماً مثل (الزومبي).

وكل ما نحتاجه الآن هو تجسيد قوله تعالى: "فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ " على أرض الواقع، وننهي حضور ذلك السقم ليعم سلاماً بالعطاء، فنحن بأمس الحاجة لأن نعطي؛ لكي نشعر بتوازنٍ فنرسل كما نستقبل تماماً.

علينا أن نتقن البذل لإرضائنا أولاً وإرضاء طلبات الكون الذي يتمنى أن يحصل على مقابل لما قدمه لنا، ولكننا لا نعطيه سوى الدمار والحرب والسلب والحرق، ولعبة إتقان العطاء هذه ستستمر حتى زوال البشرية، أو عندما تعلن العقول شبعها من الغذاء الذي حصلت عليه، وربما عندها سيغدو العطاء لعبة متقنة، كما أمرنا اللّه تماماً.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد