أثارت تقارير هندسية وعسكرية مخاوف خطيرة إزاء أعمال الصيانة الجارية في سد الموصل، التي لا تزال في مراحلها الأولى، بعد إطلاق بغداد عمليتها العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الموصل.
ولم يمر سوى شهر واحد على بدء الأعمال التي تنفذها شركة "تريفي" (Trevi) الإيطالية، ويتوقع أن تستغرق أكثر من 18 شهراً، بتكلفة تفوق الـ 200 مليون دولار، لتعزيز أساسات السد وإنقاذه من خطر الانهيار، بحسب تقارير فنية هندسية.
وبالرغم من سيطرة الجيش العراقي على المنطقة، وتأكيد الشركة الإيطالية الاستمرار في الأعمال، التي يؤمنها 500 جندي إيطالي، فإن أي تسلل لعناصر "داعش"، كما حدث في كركوك، الجمعة الماضي، أو وصول قذائف المعارك إلى المنشأة، قد يسبب بتوقف الأعمال أو ما هو أسوأ، انهيار السد المتهالك.
في سبتمبر/أيلول 2006، صدر تقرير عن فيلق الهندسة في الجيش الأميركي، حول سد الموصل، خلص فيه إلى اعتباره "الأخطر في العالم" من حيث احتمال انهياره.
كما حذر كبير القادة العسكريين الأميركيين في العراق، الجنرال سين ماكفارلاند، من أن انهيار السد سيغرق الموصل وبغداد، وسيذهب ضحيته مئات الآلاف، بحسب تقرير نشرته مجلة "فورين بولسي" (Foreign Policy) الأميركية، في 3 فبراير/شباط الماضي.
ويحجز السد، الأكبر في العراق والرابع على مستوى الشرق الأوسط، خلفه أكثر من 11 مليار متر مكعب من الماء، أي أكثر من ثلث حجم المياه في بحيرة "ميد" (Mead)، أكبر خزان للمياه في الولايات المتحدة، بحسب تقرير "فورين بولسي".
وأشارت المجلة إلى دراسة أعدتها جامعة "لولي" التكنلوجية السويدية، حذرت فيها من أن 4 ساعات بعد الانهيار الوشيك للسد، كفيلة بجعل الموصل تواجه موجة من المياه يبلغ ارتفاعها 80 قدماً، (أكثر من 24 متراً)، في حين ستصل الموجة مدينة تكريت بارتفاع يفوق الـ15 متراً.
الموجة ستصل بغداد
كما ستبلغ الموجة العاصمة العراقية، بغداد، التي تبتعد أكثر من 640 كيلومتراً عن السد، جنوباً، بارتفاع 4 أمتار، وذلك بعد أقل من 48 ساعة على انهيار السد، الذي سيعم فيضانه مساحة تقارب 210 كيلومترات مربعة حول العاصمة.
وسيتسبب انهيار السد بقطع إمدادات الكهرباء التي يولدها، والري الذي يؤمنه لمناطق عراقية مختلفة، إضافةً إلى إغراقه جميع محاصيل القمح المنتشرة على ضفتي نهر دجلة.
وتعتبر أساسات السد، الذي بدأ بالعمل عام 1984، ضعيفة أصلاً، بحسب تلك التقارير، نظراً لمكوناتها الملحية التي تتآكل جراء التقائها بالمياه، ومن ثم تسمح لها بالنفوذ، متسببة بتداعي السد والتهديد بانهياره، الأمر الذي فاقمه الإهمال والمعارك المستمرة منذ الغزو الأميركي في 2003.
وقامت الحكومة العراقية بوضع مضخات لخلطات إسمنتية، تعمل على ملء الفراغات أسفل السد لتعزيز صموده، وذلك على مدى ستة أيامٍ أسبوعياً، الأمر الذي يعد حلاً غير فعال، علاوة على العجز عن الاستمرار في العمل يومياً بسبب المعارك.
مساعدة تركية ودعوات أميركية
وبناءً على تلك التقارير، عرضت تركيا، في 1 فبراير/شباط الماضي، على العراق المساهمة بإصلاح الأضرار في سد الموصل، حيث ذكر بيان لسفير أنقرة لدى بغداد، فاروق قيماقجي، أن بلاده "عرضت على الحكومة العراقية تقديم المساعدة والدعم عبر الشركات التركية المختصة لمعالجة وضع السد، وهم جاهزون للعمل بالتنسيق مع الجهات المعنية بذلك".
من جانبها، طالبت السفارة الأميركية في العراق، أواخر فبراير/شباط الماضي، الحكومة العراقية بتفريغ السد من المياه، مؤكدة حدوث تشققات في جدرانه.
إلا أن تلك التحذيرات لم تلق الصدى المناسب في بغداد، حيث علق مستشار وزارة الموارد المائية العراقية، مهدي رشيد، على بيان السفارة الأميركية بنفي إمكانية انهيار سد الموصل، مؤكداً بأنه يعمل بشكل طبيعي.
المنشآت العراقية بيد "داعش"
ليس سد الموصل حالةً فريدةً من نوعها، في التعبير عن فشل الحكومة العراقية، في حماية منشآت البلاد الاستراتيجية.
فقد سبق لتنظيم "داعش" أن سيطر على مصفاة "بيجي" النفطية، الأكبر في البلاد، التي تعرضت لأضرار كبيرة خلال عملية استعادتها، في أكتوبر/تشرين أول 2015.
وفي يونيو/حزيران عام 2014، سيطر التنظيم على منشأة المثنى العامة، التي تعد المنشأة العراقية الرئيسية لإنتاج العناصر الكيميائية للاستخدامات المدنية والعسكرية، وبقيت المنشأة عاماً كاملاً في قبضة التنظيم، وهو ما يثير مخاوف من امتلاكه أسلحة كيميائية.
كما نفذ التنظيم، خلال السنوات القليلة الماضية، عشرات الهجمات على منشآت بترولية وكيميائية وهيدرومائية، علاوة على المؤسسات الحكومية، وذلك على امتداد العراق وفي مختلف مدنه، دون أن تتمكن القوات العراقية من حمايتها، الأمر الذي يثير شكوكاً حول قدرتها على تحقيق الاستقرار في البلاد.
وانطلقت فجر الإثنين الماضي، معركة استعادة الموصل، بمشاركة 45 ألفاً من القوات التابعة لحكومة بغداد من الجيش والشرطة، مدعومين بالحشد الشعبي (مليشيات شيعية موالية للحكومة)، وحرس نينوى (سني)، إلى جانب "البيشمركة " (قوات الإقليم الكردي)، وإسناد جوي من جانب مقاتلات التحالف الدولي.
وبدأت القوات الزحف نحو الموصل من محاورها الجنوبية والشمالية والشرقية، من أجل استعادتها من قبضة "داعش"، الذي يسيطر عليها منذ 10 يونيو/حزيران 2014.