فرّ مئات الآلاف من الأشخاص إلى أوروبا هرباً من الصراع المميت الجاري في أوطانهم، ما أدى إلى أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.
التدفق المفاجئ وغير العادي للاجئين باتجاه أوروبا، أثار حوارات داخل دول الاتحاد الأوروبي، عن الخطوات الضرورية التي يجب اتخاذها للتخفيف من الأزمة، وبينما كان الحوار الأوروبي مليئاً بالرؤى التكافلية التي تناقش حلول للأزمة، احتوى أيضاً على نقاط، من الممكن اعتبارها ادعاءات غير حقيقية ومحض أساطير.
الكثير من هذه الإدعاءات الزائفة، تم تناقلها في الإعلام الغربي، كما رددها العديد من السياسيين في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ما لعب دوراً في تشويه حقيقة الأزمة، والتأثير على استجابة السلطات والشعوب مع الحالة الإنسانية.
الخبير في شؤون الهجرة، هاين دي هاس، قال لـ "هافينغتون بوست" إن "الكثير من السياسات المتخذة في هذه القضية، خالية نسبياً من الحقائق، نحتاج إلى مزيد من الفهم بخصوص دوافع الهجرة، قبل أن نتخذ السياسات الصحيحة".
وفي هذا الإطار، تسلط "هافينغتون بوست"، الضوء على خمس أساطير حول أزمة اللاجئين، ذائعة في وسائل الإعلام الغربي:
1: هاجروا لأسباب اقتصادية
هناك ادعاء ذائع الصيت بين معارضي الهجرة، وهو أن الناس الذين يدخلون إلى أوروبا بطرق غير القانونية خلال هذه الأزمة، ليسوا لاجئين، لكنهم مهاجرين يبحثون عن فرص اقتصادية.
كان رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان من أبرز المروجين لهذا الإدعاء، والذي ادعى أن الأغلبية الكاسحة من المهاجرين ينتمون إلى فئة المهاجرين الذين يعانون من ظروف اقتصادية، كما وصف أوربان أزمة اللاجئين بأنها "تمرد المهاجرين غير الشرعيين"، في ظل أن الأمم المتحدة تقول أن 50% من اللاجئين الذين وصلوا إلى شواطئ أوروبا، سوريون، هربوا من بلادهم بعد تعرضهم لعمليات القتل والهدم المستمر، بجانب جنسيات أخرى مرت بنفس الظروف، كالأفغان والعراقيين والإريتريين والغامبيين.
لقى ادعاء أوربان صدىً كبيراً لدى السياسيين المحافظين، مثل السياسي البريطاني، نايجل فاراج، والسياسي السلوفاكي روبرت فيكو.
2: استقروا في تركيا أفضل
أسطورة ثانية، تدّعي أن بقاء اللاجئين في الدول المجاروة لدولهم أفضل، خصوصاً السوريين الذين بإمكانهم اللجوء للدول المجاورة بدلاً من السفر إلى أوروبا، حيث يقول البعض أنهم يلجأون إلى أوروبا للبحث عن رفاهية العيش وليس بسبب الخوف.
رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، وجه رسالة للسوريين قائلاً، "تركيا بلد آمن، استقروا هناك، القدوم إلى هنا محفوف بالمخاطر".
وتستوعب تركيا حوالي 1،9 مليون سوري، يعيشون هناك، إلا أنها لا تضمنهم كلاجئين بسبب عدم توقيع أنقرة على بروتوكول من وثيقة جنيف، متعلق بوضع اللاجئين. لهذا لا تعد ملزمة به، إلا أنها تقدم لهم حمايةً مؤقتةً، على أساس عودتهم إلى وطنهم يوماً، لكن أوضاع اللاجئين في تركيا تدهورت مع تضاءل المساعدات الإنسانية، وتزايد التوترات بينهم وبين السكان المحليين، بجانب اكتظاظ المخيمات.
بجانب تركيا، فهناك لبنان التي تحتضن أكثر من مليون لاجئ، والأردن التي تحتضن 600 ألف لاجئ في مخيمات، لكن بسبب نقص تمويل برنامج الغذاء العالمي والذي يقدم المساعدات للاجئين السوريين، انخفضت نسبة المساعدات الموجهة إليهم.
المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنطونيو غوتيريس، يقول بخصوص اللاجئين السوريين في الدول المجاورة، "بعد سنوات في المهجر، نفدت مدخرات اللاجئين، ما دفع بعضهم للجوء إلى التسول، وعمالة الأطفال، والجنس من أجل المعيشة. إن أطفال الطبقة المتوسطة، بالكاد ينجون في الشوارع".
3: مظهرهم يوحي بأنهم لا يحتاجون المساعدة
نقد آخر موجه من قبل معارضي الهجرة ضد اللاجئين، وهو أنهم لديهم هواتف ذكية ويرتدون ملابس غالية الثمن، وتبدو عليهم الصحة الجيدة.
هذه الفكرة التي تريد اقتصار اللجوء على الأشخاص المعدمين فقط، تفتقر الفهم العميق لأزمة اللاجئين، الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، أو الغنية أو المتعلمة، والذي أجبروا على الهرب من أوطانهم بسبب الصراع الدموي.
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أشارت في وقت سابق، أن دراسة أجريت في العام 2013 حول اللاجئين السوريين في لبنان، وجدت أن نصف اللاجئين كانوا عبارة عن عمال وحرفيين مهرة وأخرين ذوي مهارة متوسطة.
كما أن سوريا يوجد فيها ما بين 75 و87 اشتراك هاتفي بين كل 100 شخص، بحسب موقع CBC الكندي.
بجانب هذا فإن الهواتف الذكية، تعد وسيلة حيوية للتواصل والملاحة عبر الطرق في أوروبا، فاللاجئون والمهاجرون يستخدمون أجهزة مثل GPS بالإضافة إلى احتياجهم للتواصل مع ذويهم والمسافرون الآخرون، والاتصال والمراسلة مع السلطات في حالة وقوعهم في مخاطر خلال رحلتهم الخطيرة.
4: مقاتلو "داعش" يتظاهرون بأنهم لاجئون
انتشرت في الآونة الأخيرة صورة على الشبكات الاجتماعية، لشخص يتبع تنظيم "داعش" يقف في صورة منفصلة وهو رافع السلاح، وفي الصورة الأخرى مرتدياً لتيشرت أخضر مكتوب عليه "شكراً لك"، وهو داخل إلى أوروبا، بالإضافة إلى صورة للاجئ في ألمانيا يرفع علم "داعش"، أثناء مهاجمته للشرطة.
إلا أن الصورتين رغم انتشارهما بين الناس، لا يمكنهما إثبات شئ، فالصورة الأولى للرجل صاحب التيشرت الأخضر، هي لقائد في الجيش السوري الحر، والصورة الأولى كانت له وهو يحمل للسلاح، قبل أن يسافر إلى هولندا على أمل استقدام عائلته إلى هناك، أما الصورة الأخرى فهي منذ سنوات ولا صلة بينها وبين اللاجئن، أو حتى بـ "داعش".
إن تداول الصورة بهذا الشكل الواسع، ما هو إلا تعبير عن مخاوف المسؤولين الأوروبين، في الوقت الذي تنشر فيه وسائل الإعلام أن مسلحين "داعش" قد يختبؤن بين المجموعات المهاجرة، بهدف التسلل إلى أوروبا لارتكاب عمليات إرهابية، على سبيبل المثال، قام أحد عملاء "داعش" بإبلاغ موقع Buzfeed أنه يساعد في تهريب المسلحين إلى أوروبا.
لكن رغم هذا كله، لا يوجد دليل قوي على صحة هذا الإدعاء، فوكالة مراقبة الحدود الأوروبية صرحت أنه لا يوجد دليل قوى حتى الآن يثبت صحة ادعاءات تسلل مسلحي "داعش" وسط المهاجرين، بل يرى الخبراء زيف هذه الإدعاءات.
الأستاذ المساعد في كلية الدراسات الشرقية والعلاقات الدولية بجامعة "كينغز كولدج لندن"رينود ليندرز، قال لصحيفة "لوس آنجلوس تايمز" الأميركية، أنه لا يرى حاجة تنظيم "داعش" لسلوك هذه الخطط الملتفة من أجل ارتكاب هجمات في الغرب، فكثيرٌ من أعضاء التنظيم هم مقاتلون أجانب في الأصل، حاصلون على جنسيات أوروبية.
5: سيدمرون الاقتصاد
بجانب الانتقادات التي تتعلق بالشق الأمني والإنساني، هناك اعتراضٌ بارزٌ من جانب معسكر معارضي الهجرة، وهو التكلفة الاقتصادية الهائلة لاستضافة اللاجئين، فالقادمون الجدد سيشغلون فرص العمل المتاحة بدلاً من أهل البلد نفسهم، ما يتسبب في الفقر.
يقول خبراء واقتصاديون، إن هذا الإدعاء لا يحمل أي حجة إذا تعرض للفحص، فتدفق اللاجئين من الممكن أن يصحابه تأثيرٌ إيجابيٌ إذا تم التعامل معه بشكل صحيح.
دراسات عبر عدد من البلدان، أظهرت أنه إذا وجد تدفق للاجئين إلى تعداد السكان، فإن هذا له تأثير إيجابي أو محايد على اقتصاد البلد على المدى الطويل، بحسب تقرير نشرته "واشنطن بوست". يقول الخبير في شؤون الهجرة، هاين دي هاس لـ "هافينغتون بوست" إنه في العموم، فإن الهجرة لديها تأثير نسبي طفيف، على الاقتصاد.
هاس يختم، "سيكون أمر شائن إذا تم الإدعاء أن الهجرة هي السبب في البطالة الهيكلية أو هشاشة العمالة"، وبحسب "واشنطن بوست"، فإن الدولة مضطرة للإنفاق بشكل كبير في البداية لاستقبال أعداد اللاجئين، ولكن على المدى الطويل، يجب النظر إلى هذا على أنه استثمار مربح.
– هذا الموضوع مترجم من النسخة الأميركية لـ "هافينغتون بوست". للاطلاع على النسخة الأصلية، اضغط هنا.