بائع الملابس المستعملة.. لماذا سجنه الأسد؟!

عندما خرج المعتقلون في ذلك اليوم، انتشروا في الشوارع بمجموعات صغيرة، أي كل 3 أو 4 أصدقاء مع بعضهم، لسهولة إيجاد توصيلة تقلّهم لأهلهم، وكان هناك بالقرب من الشارع الرئيسي بائع بالة (بائع الثياب المستعملة)، ومن المعروف أن بائع البالة ينخب القطع التي يشتريها وهي مغلقة، حيث لا يعرف جودة الثياب التي بداخلها،

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/25 الساعة 00:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/25 الساعة 00:20 بتوقيت غرينتش

ترجع الحكاية للشهر الأول من عام 2013، أي قبل الإرهاب وداعش وغيرها؛ حيث كان وقتها فقط الجيش الحر، وكان النظام ينكر وجود مقاتلين إيرانيين ولبنانيين في صفوفه، وقتذاك قام أحد فصائل الجيش الحر في حلب بالقبض على 48 إيرانياً قالوا إنهم أتوا للحج، وقد تدخلت منظمة ihh (هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات) كوسيط لإجراء تبادل بين (2130) مواطناً متظاهراً سلمياً سورياً من أبناء الشعب السوري مقابل (48) إيرانياً.

كان الوقت في عزّ الشتاء أيام الثلج تحديداً، ونرى في الفيديو الموجود على اليوتيوب الذي صوَّر عملية الإطلاق، أن كثيراً من المعتقلين يرتدون قمصاناً بنصف كُم صيفية، وبعضهم دون أحذية في أعلى موجات البرد، ويبدو في الفيديو أيضاً أحد عناصر الأمن يرتدي الزي الشتوي الدافئ، وقد جمع جزءاً من المعتقلين في صفوف، وتستطيع أن تسمعه في الفيديو يصيح بأعلى صوته: "بدّي هتافكن للسيد الرئيس يوصل لعند الله"، مشيراً بسبابته إلى السماء، موجهاً كلامه لمعتقلين باردين جائعين منكسرين، ويبدو بعضهم طلاباً؛ حيث إنهم أرجعوا لأحدهم كتابه، كونهم لن يستفيدوا منه؛ حيث جرت العادة أن يسرقوا كل شيء.

وتستطيع أن تفتح على يوتيوب وتكتب (إطلاق سراح 2130 مواطناً سورياً مقابل 48 إيرانياً)، وترى بعينيك تلك المشاهد، بل وترى أكثر من ذلك من النساء، ونظرات موظفي المنظمة التركية غير المصدقة لما تراه.

لكن ليس هذا حديثنا اليوم، إلا أنني اخترت هذه التوطئة والتذكير بهذه الحادثة؛ لأروي لكم مشاهدة أحد الأصدقاء الذي كان حينها في دمشق، وروى لي قصة قد يسمعها البعض دون الوقوف عندها، لكنها كانت وبصدق إحدى أكثر القصص التي أثرت في نفسي، يقول: عندما خرج المعتقلون في ذلك اليوم، انتشروا في الشوارع بمجموعات صغيرة، أي كل 3 أو 4 أصدقاء مع بعضهم، لسهولة إيجاد توصيلة تقلّهم لأهلهم، وكان هناك بالقرب من الشارع الرئيسي بائع بالة (بائع الثياب المستعملة)، ومن المعروف أن بائع البالة ينخب القطع التي يشتريها وهي مغلقة، حيث لا يعرف جودة الثياب التي بداخلها، فيبيع بعضها بسعر غالٍ، وبعضها بسعر جيد، وبعضها الآخر بسعر زهيد، إلا أنه في النهاية تبقى عنده بعض القطع التي لا تباع أبداً لسوئها، فيقوم بجمعها في زاوية بغية التخلص منها فيما بعد.

وعندما رأى هذا البائع بعض الجموع من المساجين يمرون أمام دكانه، ويرتدون قميص (تيشيرت) بنصف كُم في عز الثلج والبرد، فبادر بإخراج تلك القطع التي لا تباع من تلك الزاوية، ووضع تلك الثياب البالية بجانب المحل، وأشار لهم بأن خذوا منها ما تشاءون إذا أردتم أن تدفئوا أنفسكم، وبالفعل فقد رأى المساجين بعضها، وأصبحوا يأخذون بعض القطع ويرتدونها مباشرة وسط نظرات المحيطين لهم من المارة والمحال التجارية المجاورة.. كانت نظرات خوف معجونة بالشفقة.

يقول صديقي الراوي: وفي اليوم التالي جاءت دورية مدججة بالسلاح أخذت بائع الألبسة المستعملة، ووضعته مكانهم، ولم يخرج إلى يومنا هذا.

نعم.. هذا النظام الذي يقول لنا العالم بأجمعه إن عليكم أن تتحاورا معه، وعليكم أن تتخلوا عن مطالبتكم برحيل الأسد.

نعم.. في اليوم التالي فقط اعتقلته (المؤسسات الأمنية) التي يطالبنا العالم بالحفاظ عليها، بل واعتقلت هذه العصابات الأمنية ذات العدد الذي أطلقه النظام في التبادل على الحواجز آلاف الحواجز المنتشرة في عموم البلاد، وفي ذات اليوم.

نعم.. كان ذلك قبل ظهور داعش وغيرها، نعم.. كان يبدل كل إيراني واحد بمائة من أبناء سوريا ومواطنيها السلميين.

شكراً (ihh)؛ لأنك توسطتِ لإخراجهم قبل أن يكتبوا لهم رقماً على جبينهم، ويضعوهم في كيس.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد