رأينا جميعاً نحن السوريين صورة الطفل عمران، قبل أن يراها الغرب، وبالطبع كان حزننا وتأثرنا بعمران هو حزن الأب الذي لا يمكن أن يرقى حزن الآخرين على ولده كحزنه هو عليه.
إلا أن ما يراه الأب في صورة ولده يختلف تماماً عما يراه الغريب، فالأب (أي نحن أل عمران ) يدقق في تفاصيل ولده، يدقق في عينه اليسرى المتورمة هل تأذت؟..
دماؤه النازفة من أين تنزف.. شعره المنكوش هل من شج في رأسه؟.. يداه.. رجلاه.. أصابعه الصغيرة هل يظهر عليها أي كسور؟.. هل تسمعني يا ولدي؟ هل طبلة إذنك بخير؟
صمتك يا ولدي وجلدك آخر ما يعنيني، سنصل قريباً إلى المشفى ونبكي طويلاً معاً فرحاً بنجاتك.
إلا أن الآخرين (الغرباء) يرون صورتك يا ولدي بشكل مختلف، فتعال يا ولدي لأقصص عليك رؤيتهم لصورتك وكيف يكيدون لك كيداً.
فالعالم القذر لم يبكِ عليك بل بكى على بكاء المذيعة التي لا تعلم طيران من هو الذي استهدفك، وأنت وكل أطفال الحي تعرفون أن الأسد وروسيا هي من تستهدف حيّنا بشكل يومي صباح مساء، كلهم يا ولدي يخافون من الأسد.. إلاك أنت…
*صحيفة الغارديان البريطانية يا ولدي نشرت صورتك في كاريكاتير بعنوان (رقصة الموت) وأظهرت أردوغان وداعش والخليجيين وأوباما وبوتين يرقصون على مصابك، لكنها لم ترسم المجرم بشار الأسد الذي استهدفك، هل ترى يا ولدي كيف يزورون الحقائق ويخفون هوية المجرم قاتلنا كي يستمر في قتلنا، هل هنالك كيد عليك أكبر من هذا الكيد؟!
*لكن إحدى القنوات العربية لم تثرها جراحك يا ولدي، بقدر ما أثارتها اتهاماتنا للأسد وروسيا فنشرت صورتك مرفقة بخبر يقول "روسيا تنفي تورطها بالهجوم الذي أصاب عمران" وكأن الطيارين يعرفون شكل الأشخاص الذين يقصفونهم ليلاً وكأنها قناة روسية لا قناة عربية يا ولدي.
*لو كان من استهدفك داعش لذكروا ذلك بصوت عالٍ، ولركّزوا على المجرم كتركيزهم على جرحك، إلّا أن من استهدفك هنا يا ولدي هو الأسد الذي دأب إعلامهم ومن يسير في ركب أعلامهم من نشطاء على إخفاء جرائمه وتسجيلها ضد مجهول.
*فلو أراد أحد هؤلاء النشطاء أن ينعي مصابك سيقول ما قاله مؤسس مبادرة "الباحثون السوريون" حين قال (رح تقعد يوماً ما على الكرسي يلي رح يسمحلك إنك تاخذ قرارات بحق يلي سببلك الأذية مين ما كان يكون) سمعت يا ولدي سمعت (مين ما كان يكون!) مبادرته وباحثونه أجبن من حذائك الصغير يا ولدي.
*المخرج (عماد النجار) يضع اللوم في إصابتك على أبيك ويقول إنه المجرم الحقيقي؛ لأنه أنجبتك في هذا العالم ويبرئ ساحة الأسد المجرم، عماد العلقة هذا محسوب علينا يا ولدي لكنه يكرهك ولا يكره الأسد.
*حسين مرتضى، صحفي قناة العالم الإيرانية يشكك بأن تكون أنت بالأصل مصاباً وأن دماءك تلك كانت فبركة فيقول "أمعقول أن يكون هناك طفل مكسور ومجروح ولا يبكي؟" وغداً يا ولدي سينشرون صورتك في ذات قنواته الإيرانية، ليقولوا إنك مؤيد للأسد وقد استهدفك الإرهاب، وإن الحرب قذرة، وأن ارجعو لحضن دولة الأسد.
*غدي فرنسيس على قنوات الممانعة ركّزت على سيارة الإسعاف المتطورة كدليل على دعم الغرب للمعارضة التي اعتادت أن تسعف الضحايا بعربات الخضار.. يستكثرون عليك سيارة الإسعاف المستعملة يا ولدي التي يرسلها هذا العالم القذر كمساعدات أرأيت يا ولدي فمن مثلنا يسعف على عربة الخضار بنبرات الحقد المرتجفة التي تخرج من أنفاس غدي فرنسيس وقد أفقدها صمتك وتعاطف البشر معك صوابها يا ولدي.
أي كيد هذا الذي يكيده لك العالم يا ولدي؟!
تعال أقبّل لك جرحك فيطيب..
تعال نبكِ لكن بصمت..
فصمتك يقتلهم كما صمتهم يقتلنا…
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.