طائفة الوطن

هذا الطريق الخاطئ الذي يرسمه قادة الحرب للأجيال القادمة مرعب جداً، وزرع بذور التفرقة قد يكون حصادها دهوراً من الحروب المذهبية والمزيد من الانقسامات والتخندق، "نخشى أن يأتي يوم نقول لأولادنا كنا شعباً واحداً، فلا يصدقون ويضحكون من عقولنا التي هرمت".

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/22 الساعة 03:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/22 الساعة 03:27 بتوقيت غرينتش

لم يختر أحد مكان الولادة والأرض التي يكبر عليها، الأمر هو كذلك، فقد خلقنا الله شعوباً وقبائل لنتعارف، خلقنا الله سبحانه وتعالى بأشكال وألوان مختلفة، كل واحد منا وُلد في بيئة معينة تعتنق أو لا تعتنق ديانة معينة، أو حتى على مذهب معين، وترك الله لنا الخيار بأن نستخدم عقولنا التي جُبلت على الفطرة، فهي هبة من الله أعطاها للجميع بالتساوي، تستطيع أن تختار الطريق الصائب لك، وهو بالتأكيد القريب من الإنسانية، وعدم الانغلاق وقبول الآخرين كما هم، فليس ذنبهم أنهم وُلدوا مختلفون عنا.

مسار الأحداث في وطني الجريح العراق يجعلنا نستقرئ مستقبلاً مرعباً من الانقسام القومي والطائفي المذهبي، فكل الأحداث والتجاوزات على الإنسان والأصوات النشاز التي تنادي بالانقسام والاحتراب، هي التي طغت على الساحة، بعد أن غطت على الأصوات الخجولة للأغلبية الصامتة من الناس، وكأن خيوط اللعبة تُدار من أشخاص متنفذين يستطيعون تغذية وتحويل الدفة إلى صراح داخلي، وإبعادنا عن التحديات الحقيقية التي يجب أن نتوحّد لمواجهتها، ولا حول ولا قوة للناس الذين يريدون الإصلاح.

التسارع في الأحداث والعنف المستمر، والخوف وعدم الثقة في الآخر، بالإضافة إلى فساد المؤسسات الحكومية وعجز الدولة عن فعل أي شيء، جعل الصراع مستمراً بشكل مخيف، مع غياب الوعي الجمعي للعمل على تجاوز ما يراد أن يكون لمستقبل هذا البلد، ألا وهو تفتيتنا مناطقياً لمذاهب وقوميات متناحرة مثقلة بثارات وأحقاد مختلفة، مما حدث سابقاً ويحدث الآن وما سيحدث في المستقبل، إذا ما استمر هذا الانقسام والعنف المتبادل وتخوين وإلغاء الآخر.

هذا الطريق الخاطئ الذي يرسمه قادة الحرب للأجيال القادمة مرعب جداً، وزرع بذور التفرقة قد يكون حصادها دهوراً من الحروب المذهبية والمزيد من الانقسامات والتخندق، "نخشى أن يأتي يوم نقول لأولادنا كنا شعباً واحداً، فلا يصدقون ويضحكون من عقولنا التي هرمت".

أهل الحكمة في هذا البلد دائماً ما يريدون النهوض مرة أخرى وأخذ زمام المبادرة، لكنهم لم يجدوا مكاناً لهم في خضم هذه الفوضى، فظلوا على الهامش ولا أصعب من أن تكون على الهامش، لا تستطيع تغيير شيء، وكأنك على التل ترى النهاية المؤلمة، والغالبية تسير سكارى أو كالمجانين في الطريق إلى الهلاك لا يدركون ما ينتظرهم، يحتفلون مع الجموع لهذا الخراب، إذا ناديت بهم لن يسمعك أحد، وإذا تركتهم تراهم كيف يتساقطون أفواجاً في الجحيم. الكثير مستمتع بهذا الصخب وتلك الشعارات الثورية الفارغة، تجار الدين الكاذبون يسعرون الناس حطباً لتنضج مصالحهم وتمتلأ جيوبهم، ومن ثم يتركونهم لتلك النهاية المحتومة.

لم تكن الأمهات ليلدن أولاداً يكونون فيما بعد حطباً لكل معارك الجنون وهذا الانتحار الوطني، فاتورة الدماء التي يدفعها العراقيون الآن باهظة جداً، ونحن كرماء في الفواتير، قادة الصدفة من السياسيين ذوي البدلات المطرزة بالظلم أغلبهم في الحقيقة هم قادة الحرب التي تضاجع البلد منذ سنين، وبقاؤهم على مقدرات البلد وضمان استمرار سرقاتهم هو في استمرار هذا الجنون وهذه المحرقة وهذا الانقسام الأعمى على اللاشيء سوى أنك وُلدت مختلفاً عن غيرك ومن دين أو مذهب أو من قومية أخرى.

الخلاص يجب أن يكون وطنياً، وبتحرك وتوحد كل الرافضين لهذا الجنون وهذه الفوضى، إذا ما كنت قريباً من الناس البسطاء ترى أنهم الأغلبية الصامتة المغلوب على أمرها، لكنها إذا قامت ستكون مثل طائر العنقاء الذي يخرج لينفض رماد الطائفية والانقسام ويرفع ما تبقى لنا في هذا البلد، وأخذنا إلى بر الأمان إذا أردنا أن نعيد دار السلام بغداد إلى السلام لنا ولأولادنا.

تغيير المسار الخاطئ هو بيد الشعب فقط، وهو أقوى من كل مخطط دنيء أو سياسي فاسد أو مجرم غادر، أراد لنا أن نستمر في تدمير أنفسنا بأيدينا، القرويون الفقراء وأهل الحرف والمتعلمون من كل شرائح الشعب يريدون مكاناً آمناً لهم ولأولادهم؛ ليعيشوا بسلام وهم لا يفقهون من العنف شيئاً، وهو دخيل علينا فقد نماه من أراد زرع بذور التفرقة فيما بيننا، فقد عشنا على هذه الأرض بمختلف أدياننا وتنوعنا ومذاهبنا وقومياتنا بسلام منذ القدم، مساحة الإبداع في بلدي اضمحلت، وآن الأوان أن نعيد ونحيي روح الإبداع في شبابنا، بدلاً من كل الأفكار الطارئة الدخيلة التي كلفتنا الكثير من دون نتيجة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد