كثيرون تابعوا ما يحصل في المملكة السعودية، قرارات مختلفة صدرت عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان غيرت شكلها اجتماعياً وسياسياً.
تتسارع خطوات الأمير الشاب نحو منح المرأة العديد من الحقوق، وتحرير المجتمع من أفكار وعادات اعتبرها دخيلة على المجتمع السعودي الذي مال نحو التشدد منذ نحو 4 عقود.
وليس هذا فقط، بل سياسياً حصلت تغيرات في خارطة القوة بالمنطقة كانت السعودية جزءاً مهماً منها.
ولأن ما يحصل في السعودية على الصعيد الاجتماعي لا ينفصل عما يحصل معها سياسياً، "عربي بوست" التقت الباحث السياسي سايمون هاندرسون مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.
والباحث الألماني سبستيان سونس، الزميل المشارك في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية DGAP، والمتخصص في دراسة التطور المجتمعي والسياسة الخارجية في السعودية.
الباحثان يحاولان من خلال هذا التقرير الإجابة عن السؤال "أين ستكون السعودية خلال السنوات القادمة"؟
سبستيان سونس: السعوديون غير مهتمين بالهياكل التقليدية لرجال الدين
- كيف سيكون باعتقادك وضع المرأة في السعودية بعد 12 سنة مع انتهاء الرياض من مشروع 2030؟
سيتواصل من حيث المبدأ تغيير الوضع القانوني والمجتمعي للنساء السعوديات، ليصبحن مؤثرات أكثر على نحو خاص في سوق العمل وعنصراً مهماً في الاقتصاد السعودي.
ويعد هذا أمراً بالغ الأهمية، بسبب هبوط سعر النفط وارتفاع نسبة البطالة. وسيرافق ذلك انفتاح أكثر في المجتمع.
وعلى الرغم من أنني لا أعتقد بأنه سيتم إلغاء "نظام المحرم" كلياً، إلا أنه سيتم التخفيف من أثره في الكثير من المواضع. وقد سبق وأن رأينا هذا التطور في الأعوام الماضية.
- ما هو مستقبل الفكر الوهابي في المملكة وهل تنأى العائلة الحاكمة بنفسها عنه أكثر؟
لقد تناقص تأثير رجال الدين الوهابيين في العقود الأخيرة. إنهم على نحو أكبر "وكلاء" للعائلة الملكية. هذا الاتجاه تواصل في ظل محمد بن سلمان. إلا أن الدين ورجال الدين سيظلون عنصراً مهماً في النظام السياسي ويعطون الشرعية لحكم العائلة المالكة. وهكذا سيتقلص تأثير رجال الدين، لكنه لن يختفي بشكل تام.
- هل من المتوقع أن يلعب الدين وفتاوى كبار العلماء دوراً كبيراً بعد 12 سنة في الحياة العامة السعودية كما هو عليه الحال حتى الآن؟
هذا سيعتمد على مواكبة علماء الدين الوهابيين للعصر وتطويرهم لأنفسهم وأفكارهم، وتكيفهم مع الظروف المعاصرة.
المجتمع السعودي محافظ أكثر على الرغم من أنه يعد شاباً، ويلعب الدين دوراً مهماً فيه. إلا أن الكثيرين من السعوديات والسعوديين غير مهتمين بالهياكل التقليدية لفكر رجال الدين. لذا ينبغي إجراء تحديث في المحتوى.
وهكذا لن يُقابل تحقيق المساواة للمرأة بالانتقاد، على ما أعتقد. إلا أنه من الصعب جداً إصلاح مكونات أخرى من الوهابية، ومنها الإيديولوجية المعادية للشيعة مثلاً.
- بناء على التغيرات الاجتماعية السريعة التي قام بها ولي العهد محمد بن سلمان، كيف سيبدو المجتمع السعودي بعد 12 سنوات، ما هي الأمور التي لا يزال من المتوقع تغييرها؟
سيكون على المجتمع السعودي أن ينفتح أكثر، لأن الوضع الاقتصادي يفرض ذلك. سيتوجب توفير فرص عمل خارج قطاع النفط، وتوسيع قطاعات السياحة والترفيه والخدمة. هناك تواجد أيضاً لوسط شركات ناشئة ديناميكي في السعودية. سيواصل كل هذا تغيير المجتمع السعودي.
سيحدد الشباب مستقبل البلاد، إلى حد أنه بات الكثيرون يتحدثون عن "سعودية جديدة". إلا أن لهذا التحول حدوداً.. فقد جعل محمد بن سلمان سلطته جلية وقمع المعارضة. وفقاً لذلك ينبغي أن لا نخلط بين الانفتاح المجتمعي والحرية السياسية، إذ تبقى المملكة نظاماً استبدادياً.
- ما هي تقديراتك للتطورات الاقتصادية المتوقعة في المملكة، وهل سينجح ولي العهد في المضي في تطبيق "رؤية 2030"، ومشروع مدينة المستقبل نيوم على نحو خاص؟.
يعد "نيوم" مشروعاً مهماً لكسب السمعة بالنسبة للعائلة المالكة، لتحظى بهيبة دولية كمركز اقتصادي جديد في العالم العربي. ما هو أكثر أهمية من ذلك هو تحقيق الهدف الحقيقي من رؤية 2030 وهو خلق فرص العمل.
وهذا لن يتحقق على الأرجح عبر "نيوم". وفقاً لذلك، لا يعد المشروع بتلك الأهمية لدى الشباب في السعودية. إنهم يأملون من ولي عهدهم أن يحقق وعده وأن يوفر لهم مستقبلاً.. أي فرصة عمل. إن نجح في ذلك، ستزداد الثقة فيه أكثر، وإن لم ينجح سيزداد الانتقاد الموجه له.
سايمون هاندرسون: كانت السعودية، واليوم السعودية والإمارات!
وفي الوقت الذي ركز الباحث الألماني عن تفاصيل الحياة الدينية والاجتماعية في المملكة، يجيب الباحث السياسي سايمون هندرسون على مجموعة أسئلة توضح شكل علاقة السعودية بالدول الأخرى في خضم المجريات الحالية:
- كيف ترى الإجراءات التي تبنَّاها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مؤخراً على المستويين الاجتماعي والديني في المملكة؟
إصلاحات محمد بن سلمان مثيرة جداً للاهتمام وحظت بترحيب، خصوصاً في الولايات المتحدة. السؤال المثير للاهتمام هو ما مدى تقبُّلها في المجتمع السعودي. بهذا الصدد، أعتقد أنَّ الوقت قد يكون مبكراً للغاية لإصدار حكمٍ موضوعي.
ولكن، يواجه محمد بن سلمان مشكلة: "كيف سيتكيف بقية العالم الإسلامي مع قيادة السعودية للإسلام حين يبدو أنَّ محمد بن سلمان يريد إسلاماً أكثر اعتدالاً؟".
- كانت السعودية لسنوات هي القائد المُحرِّك لمجلس التعاون الخليجي، لكن هناك بعض التحليلات التي تشير إلى هيمنة الإمارات على القرار السعودي؟ ما رأيك؟
تغيَّرت قيادة السعودية لمجلس التعاون الخليجي، ما يبدو الآن هو قيادة مشتركة سعودية-إماراتية.
- في هذا الصراع الدائر، لمن ترجح الكفة؟ وما هي المناطق التي ستبسط السعودية وإيران سيطرتهما عليها؟
هذا هو السؤال الأكبر، وله أبعاد دبلوماسية وعسكرية. رهاني الحالي هو أنَّ إيران لديها تحديات اقتصادية حادة، وعلى أقل تقدير تُبطِّئ هذه طموحاتها الدبلوماسية.
فالصراع بين هاتين الدولتين له ثلاثة أوجه: ديني، وعِرقي، وجغرافي. كلها متصلة.
- هل يمكن أن يحدث تقاربٌ سعودي-إيراني؟
ربما ليس والنظام الحالي يتولَّى السلطة في طهران.
- اضطلعت السعودية في السنوات الأخيرة بدورٍ مؤثر في المنطقة، لكن هناك الكثير من القضايا التي قد تغير ذلك، هل ستفقد المملكة نفوذها الإقليمي إذا استمرت في إدارة القضايا بهذه الطريقة؟
- ، هذا أحد الأسئلة الكبيرة، لكنَّ حجم المملكة، وثروتها النفطية، وموقعها الاستراتيجي يعني أنَّها ستكون دوماً مهمة. مثلا فشلت خطة بن سلمان تجاه لبنان وهنا أشير إلى ما حصل مع سعد الحريري، لكنني أرى أن السياسية السعودية تجاه لبنان هي عمل قيد الإنجاز.
- قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب لمحمد بن سلمان أثناء زيارته الحالية لواشنطن: "السعودية لديها ثروات كثيرة وستعطينا منها".. في تقديرك، هل تحدد تلك المقولة طبيعة وشكل العلاقة بين أميركا والسعودية، خصوصاً في الفترة المقبلة؟
التصريح يُحدِّد وجهة نظر الرئيس ترمب، لكن العلاقة أوسع وأكثر عمقاً من ذلك، أتوقع نتائج في صورة صفقات تجارية وعلاقةٍ سياسية أوثق.
- كيف يبدو المستقبل النووي للسعودية؟
أشك في أن يحدث الكثير سريعاً.