تصاعدت حدة الأزمة التي أثارها استفتاء الانفصال بإقليم شمال العراق، ليقابَل بتنديد دولي واسع، وتعليق عدة دول رحلات الطيران من وإلى الإقليم؛ استجابةً لسلطات الطيران العراقية.
كما صدَّق البرلمان العراقي، الأربعاء 27 سبتمبر/أيلول 2017، على قرار يُلزم حكومة بغداد بنشر قواتها في مناطق متنازع عليها وسيطرتها على حقولها النفطية، بما فيها محافظة كركوك.
ويأتي قرار البرلمان ضمن خطوات، بدأتها بغداد، رداً على الاستفتاء غير الشرعي الذي أجرته إدارة الإقليم، الإثنين الماضي، وسط رفض إقليمي ودولي.
ومن بين حزمة القرارات، تعميم أصدرته سلطة الطيران المدني بالعراق على شركات الطيران العاملة في البلاد بتعليق الطيران إلى إقليم الشمال.
وبدأ رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، حازماً، في موقفه الرافض للاستفتاء غير الدستوري بالإقليم، مشدداً على أن حكومته "لن تتفاوض مطلقاً على نتائج الاستفتاء".
وقال العبادي، خلال كلمته التي ألقاها بحضور عدد من وزراء حكومته، الأربعاء: "لا بد من إلغاء الاستفتاء والدخول في حوار تحت سقف الدستور".
موقف العبادي جاء عقب إعلان إدارة الإقليم رفضها مهلة الـ72، التي حددتها بغداد، لتسليم مطاري أربيل والسليمانية الدوليين إلى الحكومة الاتحادية في بغداد.
وقال وزير النقل والمواصلات بالإقليم، مولود باوه مراد، في مؤتمر صحفي مشترك حضرته "الأناضول"، إن "المطارين لم يرتكبا أية مخالفات للقوانين والقرارات الصادرة عن سلطة الطيران المدني الاتحادي".
واستجابت عدة شركات لطلب بغداد بشأن تعليق الرحلات، فأعلنت تركيا تعليق جميع رحلاتها الجوية من وإلى محافظتي أربيل والسليمانية بإقليم شمال العراق اعتباراً من الجمعة المقبل.
وقبلها، أعلنت شركة مصر للطيران (حكومية) تعليق رحلاتها إلى أربيل اعتباراً من يوم الجمعة القادم لحين إشعار آخر.
وقالت الشركة، في بيان لها، إنه "بناءً على قرار سلطة الطيران المدنى العراقي، تم تعليق رحلات الشركة إلى مطار أربيل اعتباراً من يوم الجمعة القادم الموافق 29 سبتمبر/أيلول، لحين إشعار آخر".
كما اتخذت الموقف نفسه شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية (حكومية)، وقالت إنها ستعلق الرحلات من وإلى مطار أربيل ابتداء من الجمعة.
وأعلنت الخطوط الملكية الأردنية تعليق رحلاتها الجوية إلى إقليم شمال العراق اعتباراً من الجمعة المقبل.
تنديد دولي واسع
وسارعت عدة دول ومنظمات دولية إلى التنديد بالاستفتاء في الإقليم، وسط تحذيرات من تداعياته المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، إن "كل الخيارات مطروحة وقيد الدراسة لفرض عقوبات على إدارة الإقليم، بدءاً من العقوبات الاقتصادية وصولاَ للخيارات العسكرية، وغلق المجال الجوي، والمعابر الحدودية".
وأضاف أردوغان أن "منطقة شمال العراق تضم تنوعاً كبيراً من الأعراق والمعتقدات، وإجراء الاستفتاء من قِبل مجموعة معينة ليس سوى نذير لصراعات وآلام جديدة".
وأعربت الولايات المتحدة الأميركية عن خيبة أملها "العميقة" حيال الاستفتاء غير المشروع.
وقالت الناطقة باسم الخارجية الأميركية، هيذر ناورت، في بيان لها، إن واشنطن "تعرضت لخيبة أمل عميقة جراء استفتاء الانفصال من جانب واحد بإقليم شمال العراق، وإشراك المناطق المتنازع عليها فيه".
والمناطق المتنازع عليها؛ هي: محافظة كركوك، وأجزاء من محافظات نينوى وصلاح الدين (شمال) وديالى (شرق).
كما حذر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، من نشوب أزمات جديدة في الشرق الأوسط في حال إعلان الإقليم انفصاله عقب الاستفتاء.
وقال لودريان، في تصريحٍ، الأربعاء 27 سبتمبر/أيلول الجاري، لتلفزيون BFM، إن بلاده تحبذ دمج الإقليم في إعادة بناء العراق.
وأضاف الوزير الفرنسي: "إذا أُعلن الانفصال فسيُسبب أزمات جديدة بالشرق الأوسط في فترة يتعرض فيها تنظيم داعش للهزيمة بالعراق".
وأعلنت الخارجية الروسية دعمها لوحدة الأراضي العراقية، وذلك في معرض تعليقها على الاستفتاء، محذرة، في بيان لها، "من خطوات قد تزعزع أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط برمتها"، بعد الاستفتاء.
واعتبرت وزارة الخارجية الإسبانية الاستفتاء غير المشروع الذي أجرته إدارة الإقليم انتهاكاً لدستور 2005، وفق بيان نُشر على موقعها الإلكتروني.
وأضافت أن "محاولة الإقليم، من جانب واحد، جاءت في وقت حرج تشهده البلاد، لا سيما بخصوص إعادة هيكلة العراق ومحاربة داعش".
وأعربت الخارجية الكندية عن دعمها وحدة الأراضي العراقية، تعليقاً على الاستفتاء.
وفي تصريح لـ"الأناضول"، قال المتحدث باسم الخارجية الكندية بريندان ساتون: إن بلاده تدعم وحدة الأراضي العراقية".
وأضاف ساتون أن موقف بلاده تدركه جيداً الأطراف العراقية كافة، "بما فيها إدارة الإقليم التي تمتلك صلاحية اتخاذ قرارات معينة داخل النظام الفيدرالي العراقي".
وعبَّرت مصر عن "قلقها البالغ" بشأن التداعيات السلبية المحتملة للاستفتاء.
وجدَّدت مصر، في بيان لوزارة الخارجية، تمسُّكها بـ"وحدة العراق وسلامته الإقليمية، بما يحفظ مقدرات الشعب العراقي بأطيافه كافة".
وأعربت قطر عن "قلقها الشديد" بشأن تنظيم الاستفتاء، محذرة من أنه "سوف يشكل خطراً على وحدة العراق وأمن واستقرار المنطقة".
وقال مصدر مسؤول بوزارة الخارجية (لم يذكر اسمه)، في بيان نشرته وكالة الأنباء القطرية الرسمية، إن "الاستفتاء الذي جرى في إقليم شمال العراق، من دون التوافق عليه بين حكومة بغداد والإقليم، يجب ألا يؤدي إلى مزيد من التداعيات السلبية وتفاقم الخلاف والفرقة بين الشعب العراقي".
وأوضح أن "الاستفتاء جرى في الوقت الذي يجب أن ينصب التركيز فيه على تحقيق أمن واستقرار ووحدة العراق والقضاء على الإرهاب".
وامتد التنديد الدولي بالاستفتاء إلى الأمم المتحدة، على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش، الذي قال إن الاستفتاء "جرى في مناطق متنازع عليها، ولا سيما في كركوك، الأمر الذي يزعزع الاستقرار بشكل خاص".
كما شدَّد الأمين العام من قبلُ على احترامه "سيادة العراق وسلامته الإقليمية ووحدته".
من جانبه، طالب الاتحاد الأوروبي إقليم شمال العراق بالعدول عن استفتاء الانفصال "أحادي الجانب"، مجدداً دعمه الكامل لوحدة العراق وسيادته وسلامته الإقليمية.
وأعرب الاتحاد، في بيان له، عن "أسفه لعدم الاكتراث بنداءاته السابقة" المطالبة بوقف الاستفتاء.
ودخلت جامعة الدول العربية على خط الأزمة، فعبرت عن أسفها لما سمته "إصرار" الإقليم على "إجراء استفتاء الانفصال، رغم مساعٍ عربية ودولية مكثفة للحيلولة دون تفاقم الأوضاع".
وجدّد الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، في بيان له، دعوة العراقيين إلى "نبذ الفرقة وفتح حوار شامل بضمانات عربية ودولية حول الموضوعات الخلافية كافة؛ تفادياً لأي صدام محتمل".