‏ سلوكيات تورث الندم”1″ ‬

يرفع صوته عليها ظنًّا منه أن رفع الصوت يعادل اكتمال الرجولة، ويتقمص دور أبيه معها، فيجهل عليها كما جهل أبوه من قبل، ويضيف على الجهالة جاهلية تعلمها من رفقاء السوء الذين يصغي لهم بإجلال واحترام

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/16 الساعة 03:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/16 الساعة 03:18 بتوقيت غرينتش

1
ملّ من طريق الانحراف ويئس من صحبة رفقاء السوء وضجر من موالاة إبليس، فتاب إلى الله وأقلع عن جميع الموبقات والخبائث، وتعلق قلبه بالمساجد، وطلَّق فتن الدنيا، وصاحب عدداً من الشبان "الملتزمين" أملاً منه أن يصبح مثلهم أو أفضل منهم، فاقتدى بهم، وسلمهم فؤاده وعقله، وأخبرهم بماضيه الأسود، فأكدوا له أن "من كثرت ذنوبه فأعظم دوائه الجهاد"، وأنه لكي يحقق ذروة سنام الإسلام ويدخل الفردوس الأعلى من الجنان عليه الالتحاق بـ"المجاهدين" المنضوين تحت لواء "تنظيم الدولة" بالشام، فقرر دون أن يفكر هجرة موطنه الأصلي، والتحق بالمقاتلين "الداعشيين" وكله شوق لقتل أعداء الله ورفع راية الإسلام والتكفير عن ماضيه الأسود ونيل الشهادة في سبيل الله ليشفع لأبويه غداً يوم القيامة، فتدرب هناك مدة ليست بالقصيرة على تقنيات حمل السلاح ومهارات بعض الفنون القتالية، وتم دفعه بعد ذلك إلى ساحات الوغى ليقتل ويذبح ويسلخ كل من خالف التنظيم أو قاتل ضده، حتى إذا أدرك -بعدما غرق في مستنقع الدماءـ أنه لا يقتل إلا مسلمين يحرم عليه قتلهم أو إلحاق الأذى بهم، وعصى أوامر قادته وشيوخه وحاول الرجوع إلى بلده خيروه بين الاستمرار على نهجهم أو تطبيق حكم الردة عليه، ليتذكر بعد فوات الأوان أن هذا "الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ".

2
تحدثه أمه -بعدما حصل على وظيفة مريحة- عن الزواج وفضله، فيتهرب من حديثها، ويلج بها عوالم أخرى، في محاولة منه للتخلص من رغبتها في الفرح بابنها ورؤيته عريساً و"سلطاناً"، ويفاتحه أبوه في نفس الموضوع ويضرب له المثل بأقرانه الذين كونوا أسرة أعادت على آبائهم أجواء السعادة والحبور، فيأتي له بأسباب وعلل تنهاه مرة أخرى عن حثه على البحث عن نصفه الآخر.

سوء ظنه في النساء، وغلاء المهور، وشراء بقعة أرضية وبناء منزل عليها، ثم اقتناء سيارة جديدة ووضع رصيد مالي مريح في البنك، أمور وغيرها تجعله يعزف عن الزواج ويخيب آمال أبويه فيه. وحين كان له ما أراد بعد مدة غير يسيرة قرر الزواج، ليرزق بعد سنوات "عجاف" بمولود كان كلما تقدم في السن إلا وخارت قواه هو، ليدرك بعدما بلغ من الكبر عِتيًّا وعجز عن اللعب مع ابنه -المراهق- بكرة وعشيًّا، قيمة الزواج المبكر ولذته التي لا يذوقها من اختار الزواج وهو قاب قوسين أو أدنى من دخول القبر.

3
يلج عالمه الافتراضي، يعلق على هذا وذاك، ويتابع من يتابعه ومن لا يتابعه، وينشر آخر أنشطته ويحسب عدد المتفاعلين معه، يحزن إذا لم يجد تعليقاً أو مشاركة أو إعجاباً لما ينشره في عالمه الجديد، وبالقرب منه تجلس زوجة صام عن مشاركتها في الكلام وفي هموم البيت منذ أول مشاركة له في العالم الافتراضي، وعلى التلفاز تجمع أبناؤه وكل واحد منهم يشكر من اخترع مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت من أبيهم يحجم عن اختيار ما يتفرجون عليه وما لا يصلح للفرجة.

تمضي الأيام وتتسع الهوة بينه وبين الزوجة، وينسى أن له أبناءً ينتظرون منه القيام بواجب الأبوَّة على أحسن ما يرام، حتى إذا أغرقه الافتراض في مستنقعه ولم يقوَ على مفارقته طلق زوجته بعدما يئست من تغير حاله، واستبدل أبناءه بنقرات وإعجابات وتغريدات وتفضيلات وإدراجات.. أدرك بعد فوات الأوان أنها لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تورث إلا عزلة عن العالم تفقد صاحبها مهارات التواصل الفعال والإيجابي وتكسبه مهارات تواصل افتراضي تجعل من لم يربطها بالواقع يعيش على الوهم.. والوهم فقط.

4
يرفع صوته عليها ظنًّا منه أن رفع الصوت يعادل اكتمال الرجولة، ويتقمص دور أبيه معها، فيجهل عليها كما جهل أبوه من قبل، ويضيف على الجهالة جاهلية تعلمها من رفقاء السوء الذين يصغي لهم بإجلال واحترام، فيلقنها معالم وأبجديات "بروا أبناءكم"، ويحاول أن يعيد تربيتها من جديد بدعوى أنها من "سكة" قديمة، حتى إذا قبض الله روحها وأدرك -بعد فوات الأوان- قيمتها، جاء يسأل عن سبل البر بها في قبرها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد