لماذا فشل الانقلاب على تركيا؟

فشل الانقلاب على تركيا لفشل بدايات انقلابه المتسرع، فالطريقة الانقلابية المصرية ميزها الإعداد القبلي المبكر، دام ربما سنة من خلال الأبواق الدينية والإعلامية والفنية والسياسية الحزبية، فضلاً عن تجهيز جيش للبلطجية، ثم تبع ذلك خطة عسكرية بتنسيق خارجي دولي عزز الانقلاب.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/29 الساعة 04:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/29 الساعة 04:46 بتوقيت غرينتش

فشل الانقلاب على تركيا لفشل بدايات انقلابه المتسرع، فالطريقة الانقلابية المصرية ميزها الإعداد القبلي المبكر، دام ربما سنة من خلال الأبواق الدينية والإعلامية والفنية والسياسية الحزبية، فضلاً عن تجهيز جيش للبلطجية، ثم تبع ذلك خطة عسكرية بتنسيق خارجي دولي عزز الانقلاب.

هذا الفشل الخاص بانقلاب تركيا في الإعداد القبلي شكل السبب المركزي في فشل الانقلاب رغم وجود إعداد، لكنه ضعيف الحجم والروح.

لكن أسباب الفشل الرئيسية نجملها في البواعث التالية، التي تجيب على الأسئلة التالية:
لماذا فشل الانقلاب؟ وما أهم دواعي هذا الفشل وأسبابه؟

انقلاب فاشل قائم على خطة فاشلة

فشل الانقلاب؛ لأن خطة الانقلاب أصلاً كانت فاشلةً، ومن له خطة فاشلة فهو يخطط للفشل، فالانقلاب قبل خروجه للشارع أخطأ في الأوراق، وبدا عليه الارتباك، سواء في تأخره بثلاث ساعات عن الموعد المحدد للانقلاب، خصوصاً بعد تحرك الرئيس أردوغان من الفندق قبل مداهمته وتنفيذ الخطة الأولى، وهي القبض على رأس وقوة الحكم، كما تم مع مرسي، والسبب في الفشل أظن وهو أن القوى الخارجية التي ترغب في النيل من تركيا عوَّلت على طغمة وكيان موازٍ لم يتمكن بقوة من التغلغل في الأحزاب والنقابات ومؤسسات الدولة والجيش والإعلام ومؤسسات الدين بالحجم المطلوب.

وهذا الفشل نابع -كما قلنا- من فشل الخطة التغلغلية والإعدادية لاستقطاب أحزاب وأئمة وفنانين ومفكرين ومعارضين وإعلاميين قادرين على تعبئة جزء من الشعب للانقلاب.

بعد الانقلاب كانت الصدمة الكبيرة، كشفت حصيلة الإعداد القبلي للكيان الموازي التي كانت هزيلة بل وجبانة ومرتعدة، وجدت صوراً وحائطاً قوياً من شعب واعٍ ومعارضة لا تتزعزع ولا تساوم ونخبة يهمها مصلحة الدولة قبل المصالح الشخصية والمادية.

الانقلاب والحجم الضعيف
تميز الانقلاب منذ بدايته، بل قبل بدايته أيضاً، بضعف حجمه الأصلي عدةً وعدداً على المستوى العسكري والإعلامي والديني والتعليمي والنقابي داخلياً، رغم كبر حجمه الخارجي المناصر والداعم والدافع، الشيء الذي حصر قوة الانقلاب في فئة صغيرة غير منظمة تنظيماً من كل قادة كبار في الجيش، بل كان معظم قادته من الضباط متوسطي الرتبة، باستثناء قادة الجيشين الثاني والثالث، فيما وقف رئيس الأركان وقادة الجيش الأول والقوات الخاصة والبحرية والمخابرات ضد الانقلاب.

لذلك لم يستطِع القادة الصغار للانقلاب أن يسيطروا على الجيش بالرغم من اعتقالهم لرئيس الأركان منذ اللحظة الأولى للانقلاب.

وأظن أن هذه الفرقة الانقلابية تورطت لغرورها الذي نفخ من كبريائها وعجبها، وظنت أنها قوية بالدعم المخابراتي الروسي وبقرب الآلة القاتلة العلوية الإيرانية، وبالقانونية والحماية الأميركية العالمية وبالمال الإماراتي، والذكاء الإسرائيلي، وهذه الأخطاء هي ما لم نلمسها في الانقلاب على شرعية مصر، فقد تم التحكم بالقوة والتهديد وسفك الدماء في دواليب الجيش.

انقلاب ضد شباب واعٍ

بعد ست عشرة سنة منذ آخر انقلاب سنة 1997 على نجم الدين أربكان، رئيس الحزب الإسلامي، تغيرت تركيبة الشعب التركي فكرياً وسياسياً، وعدلت أفكاره وحركاته عن الجمود والركود والانتظار الفاشل، بل صارت القيم الديمقراطية والحياة المدنية تحتل مركزاً رئيسياً وثابتاً في نفوس الشباب، وإن تم تغافل عامل الدعوة والتربية الإيمانية من خلال مؤسسات التربية والتدين والدعوة، والذي استغله الآخرون لتعبئة جيل الانقلاب.

وهذا الحاصل للوعي الشبابي التركي الذي كان بسبب نجاحات أردوغان الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أغفله أو تغافله الانقلابيون الأتراك.

والخطأ نفسه وقع فيه الكيان الصهيوني حين ظن أن الجيل الحاضر الفلسطيني هو جيل مخلفات سايس بيكو وأوسلو الذي تعلم الفيسبوك والرقص والغناء، لكنه صدم بجيل الانتفاضة والمقاومة.

وبالخطأ نفسه وقع بشار الأسد لجهله لتقدير مقدرات التاريخ المغير، فغفل عن أن شباب حمزة الخطيب وإبراهيم قاشوش في عام 2011 ليسوا بشباب 1980 عندما تم قمع وقتل وتشريد من رفع رأسه ضد الظلم والتنكيل والتهميش.

ومن مظاهر وعي الشباب التركي المسببة في شل الانقلاب بل سرعة إفشاله، هو خروجهم للشارع دون رفعهم لصور أردوغان، وإنما حملوا العلم الوطني مؤيدين ومعارضين انصهروا في شوارع تركيا، وهذا يعود مصدره لشباب واع يقدر الديمقراطية رغم اختلاف الرأي، شعب مؤسسات وليس شعباً يقدس الأفراد كما يروج الإعلام الغربي والصهيوني وحتى العربي.
فهو شعب لبَّى نداء الشعب ونداء الدولة قبل أن يلبي نداء قائده.

انقلاب ضد قيادة وازنة
الثقة الكبيرة التي ميزت القيادة التركية هي التي مكنتها من التصدي للانقلاب، وهي ثقة راهنت على السواد الأعظم التركي، وراهنت على تقدير حجم نصرة الشعب ومدى تشبعه فكراً ووعياً بمفهوم الدولة والديمقراطية وخطورة الانقلاب.

من تجليات ذلك ظهور الرئيس أردوغان سريعاً على إحدى المحطات التلفزيونية عبر الهاتف في عشر ثوانٍ، يخطب في الجماهير التركية بثقة كبيرة، وبث فيها الأمل وراهن عليها، وطالبها بالنزول إلى الشارع، وبذلك وضع ثقته في الشعب، وجعله في مواجهة الانقلاب.

سواء كنت تؤيد سياساته أو تعارضها، فأنت أمام رئيس دولة مسؤول يعلم أنه منتخب من أبناء وطنه، ويؤمن بحق بأنه لا مكان للبندقية أمام إرادة الشعب.

انقلاب ضد حكومة ومعارضة واعية
تحرك رئيس الحكومة وبعض الوزراء الرئيسيين ورئيس البرلمان بطريقة موحدة وتصور جامع على التحدث عبر المواقع الإعلامية بلهجة واحدة وتصور وخطاب واحد ضد رفض الانقلاب ومواجهته، بل اتجهت نخبة من القيادة بوجود رئيس البرلمان إلى البرلمان تحت القصف وهو ينم عن تضحية كبيرة وجهد لا يستهان به.

فضلاً عن ذلك تجلت الحنكة للحكومة التركية أمام موقف الطيار التركي الذي أسقط المقاتلة الروسية الذي كان مشاركاً بالانقلاب، والمهم أن هذا الطيار ذاته من قصف مكان تواجد الرئيس التركي في مرمريس.

والأهم هو عندما أسقط الطيار التركي الطائرة الروسية لم تتخلَّ عنه الحكومة التركية، ولم يعلن أنه من جماعة غولن والكيان الموازي، بل فضلت مقاطعة روسيا على التخلي عن مواطن تركي طيار.

وهذا نموذج عن الحكومة الديمقراطية المنتخبة.
وحين نقول حكومة فلا بد من معارضة التي تحسب لها كذلك مواقفها المشرفة ضد الانقلاب رغم الاختلافات والأيديولوجيات، فمصلحة الشعب فوق كل القضايا والاختلاف.

وتخيل لو أن الانقلاب نجح لدخلت عناصر العلويين وحزب الله وقوات داعش وكل من يريد أن يصطاد في الماء العكر، وأصبحت تركيا مسرحاً لسوريا ثانية، وهذا ما أراده وتمنوه وخططت له الطغمة الخارجية نيةً وتنكيلاً في دولة ناصرت الاستضعاف واحتضنت المقاومات.

انقلاب في وجه حزب قوي وأحزاب ونخبة متوافقة

قام حزب العدالة والتنمية بدور فعال في إفشال آلة الانقلاب بتعبئة جادة تدعو مناصريه للنزول للشارع للتصدي للانقلاب، فضلاً عن الحضور المشرف للمخالفين لأردوغان أمثال عبد الله غل وداود غوغل حضوراً متميزاً ومناصراً يذيب كل الاختلافات، بل ظهرت نتائج تواصل وتوافق العدالة والتنمية مع باقي الأطراف بحضور ومساندة قوية للأحزاب بما فيها العلمانية للتصدي للانقلاب، وهذا درس للأحزاب في الدول العربية الإقصائية التي تبغيها عوجاً.

درس آخر هو درس النخبة السياسية، فالمعارضة التركية تعلم أن أي انقلاب عسكري لن يرحم أحداً، صحيح أنه سيبدأ بحزب العدالة والتنمية، وسيخلصهم من خصمهم اللدود، ولكنهم سيكونون فريسته التالية عاجلاً أم آجلاً.

انقلاب في وجه إعلام قوي

استطاع الإعلام الجديد أن يسجل بصمته في مساعدته لإفشال الانقلاب بتركيا من خلال استخدام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاتصال فيديو، وإيصال ما يريد أن يقوله إلى الملايين خلال دقائق قليلة.

وظهر أردوغان عبر اتصال هاتفي بالفيديو مباشرة بواسطة فيس تايم، ووجه من خلال اتصاله القصير، نداء لكافة الشعب التركي للخروج إلى الشارع للتصدي لعدو الشعب.

انقلاب ضد مآذن ومساجد

عقب وقت بسيط من اندلاع الانقلاب العسكري في شوارع عدد من المدن التركية، قامت المساجد برفع الأذان كاملاً، قبل صلاة الفجر بثلاث ساعات، كما انطلقت منابرها "داعية المواطنين إلى النزول إلى الشوارع ودحر الانقلاب العسكري، على الشرعية في البلاد، والصمود حتى إنهائه بالكامل".

وهو دور يعيد للمسجد دوره الأصيل، ووظيفته المؤثلة في الإصلاح والتغيير، ومحاربة كل ما يهدد الدولة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد